التصنيفات
رؤى

عدسات

SONY DSC

كثر هواة التصوير هذه الأيام، أصبح الكثيرون يحملون (كاميرا) ويتنقلون بحثاً عن لقطة فريدة يصطادونها، ولكن الصور وجودتها وزواياها هي من يتكلم ويعطي حكماً بملكة المصور وروعة ذائقته ودقة أدائه. هناك مهارة المصور، وجودة أدواته، وطبيعة المكان الذي سيصور فيه.. وهذا كله يعطي صوراً نوعية.

حين تقترب الصورة نشعر بجمالها.. اقتراب العدسة من اللقطة يظهر صفات لم نكن نراها في العادة.. نشعر بأننا أقزام أمام عظمة الخلق في عين عنكبوت، أو رجل جرادة، أو ساق نحلة.. ننبهر بألوان الطبيعة وتركيباتها، وبالاضاءة والظلال الطبيعية لوقوع الشمس على حديقة.

كذلك نحن، إذا اقتربنا من التأريخ الإسلامي وشعرنا بعظمته فإننا سنرى صوراً من الجمال لم نكن نراها.. وهناك مهارة الباحث، وجودة أدواته، ومستوى علمه، وجودة أدوات الباحث وإلمامه بالعلوم ومهارته في التعامل مع النصوص.. ينقصنا الكثير من الأدوات لنشعر بالانتماء للأمة:

– ينقصنا العلم بدقة الأحكام والتشريعات.

– ينقصنا الإحساس بعظمة الحب والتضحيات.

– ينقصنا استشعار بحجم التحول والعالم الجديد للصحابة رضي الله عنهم.

– ينقصنا التعرف على مدى اليقين في صدورهم.

بدون هذه الأدوات سنظل نرى الصورة دون التعرف على تفاصيلها، فنرى ذبح بني قريضة دون أن نشعر بأثر خيانتهم للأمة ومحاولة فتح المدينة أمام الغزاة. ونرى الدموية في قول الرسول صلى الله عليه وسلم يامعشر قريش جئتكم بالذبح دون أن نشعر بتعذيب قريش للمؤمنين ورائحة الشواء من ظهور الموحدين ودون أن نبكي تأثراً لموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال اذهبوا فأنتم الطلقاء بعد أن تمكن منهم. سنرى الموت في القادسية دون أن نشم روائح الفتح العطرة وانتشار الإسلام.

كل صورة نراها لابد وأن نتأمل في تفاصيلها، وصور الإسلام ستجعل كل متخصص يقف في مكانه، فالحقوقي يرى الأحكام والتشريع، والطبيب يرى الحمية والعلاج، والمعلم يرى التربية والتأصيل، والمجاهد يرى البطولة والتسامح، والفنان يرى الجمال والشاعرية، في منظومة متكاملة من الصور المترابطة لايستغني بعضها عن بعض، الألوان متنوعة ملائمة لكل ذوق، والروائح طيبة زكية، والأشكال جميلة نظيفة، وما تتغير الأشياء إلا بفساد الاستخدام، وأما الشريعة فصالحة لكل زمان ومكان.

 

(الصورة بعدسة: ريان المنصور)

التصنيفات
رؤى

بين الزجاج والحديد

8175524526_5ceef1141b_b

بين ذوقياتنا ومواصفاتنا نعيش.. يحدد هذا جزءاً من اختياراتنا، ويحدد الآخر شيئاً من سلوكنا وتصوراتنا، لكل عنصر في الطبيعة ابتلاء يلائمه، مجموعة عوامل ومؤثرات بعضها يرفعه ويقويه، والآخر يحطمه ويقتله، فالنار التي تذيب الحديد تعيد تشكيل الزجاج، والضرب الذي يحطم الزجاج يساهم في تشكيل الفولاذ، وهكذا لايوجد قوي وضعيف، فلكل عنصر خصائصه.

يكون البعض رقيقاً كالزهرة، يهتز للصدمة، ولكن سيل الصدمات يتحول إلى كتلة نار تهبه الأمل وتعيد تجميعه، الأمر نفسه نراه في مصانع الزجاج، فتحت الضغط يتحطم الزجاج، وتحت النار تعاد لحمته، لا يأس مع الأمل. الزجاج المحطم يتحول إلى غبار، ولكنه ليس ضعيفاً ليناله الصغار، فهو سم يمزق الأحشاء لو حاول أحد العبث به، وهو كذلك يمزق الأطراف الممتدة له طامعة فيه، ومانتوقع أنه ضعف في المرأة قد يكون قوة لانقدر على مواجهتها ولا نحسن التعامل معها. فكلما زادت جراحها زادت حدتها وأصبحت أكثر شراسة.

يتمدد الخشب بالرطوبة، وتقضي عليه النار، بينما يتمدد الحديد بالحرارة، نكون خشباً أو حديداً لاباس في ذلك، المهم أن نقوم بدرونا المفترض، حتى الشجرة التي تهيأ لتكون حطباً في الشتاء ستظل محفوظة في الذاكرة لتضحيتها، كما أنها مراحل وخبرات تنتقل من جيل إلى جيل لتكمل بعضها، بدأت السفن بالأخشاب وانتهت بالفولاذ، مالانقدر على مواجهته نترك من يشاركنا الطريق ليتصدوا له.

المخلوط يعاد فصله بطرق فزيائية، ولكن الأمر يكون أكثر تعقيداً مع المركب، فلا بد من طرق كميائية لفصله، تماماً كالعلاقات التي تبنى على أخطاء متراكمة، تغيب الخواص الأصلية ولايعود بالإمكان معرفة البدايات ولا النهايات، كتل مشوهة بنيت على زور.

للبحر كائناته، وللبر مخلوقاته، الأسد ليس ضعيفاً لأنه لايعيش في الأعماق، وحوت العنبر ليس قوياً لأنه يغوص في المحيطات، ستتمزق رئته من قلة الضغط لو حاول منافسة الصقور، كما ستسحق رئة الكواسر من ضغط المياه.. لكل منا بيئته، متطلباته، قدراته، ومجالات عطائه، كل مسخر لما خلق له، إذا أردت المنافسة فنافس بطبيعتك، نافس بنفسك، كنت أنت ولا تحاول أن تلبس ثوباً آخر.

لايهم ماذا نكون زجاج أم حديد، فكل مادة تؤدي دورها بطريقتها، منازلنا تحوي كل الفروق، تماماً كالفروق بين أبنائنا، ولكل مادة موسم تميز تماماً كحالاتنا في علاقاتنا، لو كنا زجاجاً براقاً فهذا لا يعني أننا وصلنا القمة، فقد نؤذي الآخرين بانعكاس كل المتغيرات علينا. ولو كنا حديداً فقد نؤذي كذلك. نحن نكتسب الجمال من مواقعنا، من استخدام المادة المناسبة في الوقت المناسب، فحين نحتاج الحديد سنكون حديداً، وحين نحتاج الزجاج يجب أن نكون زجاجاً.

 

(الصورة بعدسة: إياس السحيم)

التصنيفات
رؤى

البعد النفسي في التخصص الهندسي

7000433419_f5eec31d7e_b

في البشر كما في الهندسة.. أنماط ومواصفات.. لايشترط التطابق، ولكن يمكن أن نكون نموذجاً هندسياً بصورة من الصور.. لنتعرف على المواصفات:

المهندس الميكانيكي: تماماً كآلته، كخط الانتاج، يقف المهندس الميكانيكي متزناً ثابت الايقاع، منظم وجاف ومادي يتعامل مع معطيات واضحة، مواصفات دقيقة يمكن قياسها بسهولة وتمييز الخلل فيها، وأدائه عمليات يمكن قياسها ولذلك نراه ثابت الأداء. في قاموسه هناك دائماً نسبة مقبولة من الخسارة، ولذلك يمكن أن يحتمل الخسارة مالم تتجاوز النسبة المحددة.

التصنيفات
رؤى

الشمس والغبار

5489359656_3cd51fb6f3_b

  ألفنا الظواهر الطبيعية حتى أننا قلما نتسائل عن سر حركاتها وطبيعة أدوراها، والشمس وضوئها على الأرض لايكدره سوى سحابات الغبار التي تحجب ضوئها أحياناً فتغرق الأرض في ظلمة تحوي الأمرين (الظلمة والاختناق)، صورة أخرى من صور صراع الطبيعة، يراها أهل البراكين في اللابات الملتهبة المتكسرة في أعماق المحيط ويراها أهل الصحراء في الشمس والغبار.

هذا الصراع يكاد يشبه صراع العاملين في المجال الواحد من بني البشر، فللشمس رأيها وللغبار رأيه كذلك.. وكل عنصر يرى صحة توجهه.. الفرق أن عناصر البيئة تتكامل.. بينما تتعارض العناصر البشرية لتشعل القتال.. متناسين إيجابيات الطرف الآخر، ودوره التكميلي في منظومة العمل.

الحقيقة موجودة كالشمس ولكن الغبار يشوهها، أو هكذا تنظر الشمس للأمر، بينما يرى الغبار أنه يقوم بأدوراه الفذة في التصدي للآفات المنتشرة في المحيط الهوائي من حولنا.. والأمر لايخلو من صدق في موقف كل طرف، فكل عامل يرى الحق معه وأنه صاحب السبق والأقرب للمنهج السليم إن لم يكن صاحبه.. ولا تخلو هذه الاعتراضات والأعمال العشوائية في ظاهرها من إزعاج للصف وتعريض أفراده للخطر ومنها أن الصدر يضيق والنفس يتأثر بموجات الغبار العازمة على الإصلاح مخطئة في الأسلوب أو الوسيلة، تماماً كما يحدث في مناصحة أو مواجهة تقع بين طرفين وصفهما الله “طائفتان من المؤمنين”.

وبالمقابل فتميز كل عنصر بخصائصه سيغطي الاحتياجات الإنسانية، فالشمس تبعث الدفء لتنمو كائنات دقيقة يقتلها الغبار قبل أن تتسبب في انتشار الأمراض.

هكذا يبدوا صراع العمل التربوي الطبيعي، بين عناصر متفرقة مختلفة المميزات تأبى التكامل وتصر على الاستقلال، ولو تأملت قليلاً لعلمت أن للشمس مداراتها وللماء بحاره وللغبار أجوائه.. وكل عنصر منها سيؤثر في موقعه ولكنه لن يؤثر في العنصر الآخر مهما طال الصراع.. وسيبقى الضرر الوحيد في ضياع القوت وغفلة المهتمين عن ايجابيات العاملين.

 

(الصورة بعدسة: أسيل الغنام)

التصنيفات
رؤى

الإنسان الهندسي

للرياضيات دور في حياتنا، ليست كلمة عابرة فحسب، بل حقيقة علمية، فنظرة واحدة متأملة للكون من حولنا سترينا الأشكال الهندسية والأرقام في عالمنا، سنعرف من خلال التأمل في المساحات والأبعاد أننا نبحر في محيط رقمي، سرعة الضوء والصوت، المرتفعات والأنهار، اتجاه الرياح والمسافات والألعاب الرياضية والنمو والانحذار وكل حركة وسكنة. لكن بالتأمل سنجد صوراً أخرى من الآثار النفسية والتربوية والإدارية تعلمنا إياها الرياضيات.

فالمتخصص الذي تركزت خبرته في تخصصه يشبه المثلث إلى حد كبير، قوي القاعدة كقوة تأصيله العلمي وخبرته الممتدة أفقياً على مدى سنوات، في جهات متعددة وفي ذات الإدارة، أقرب مايكون له المهندس والطبيب، لكنه حاد الرأس كدقة تخصصه، مالم يكن له مصدر معرفي آخر من قراءة أو ممارسة فيخشى أن يرى العالم من منظوره، وتضيق نظرته عن رؤية الإبداع في تخصصات أخرى، هذا النمط في الغالب قوي معتد بنفسه، محدود الخيارات، محدود الارتباطات، منظم ودقيق في الغالب، أكثر ثباتاً من الدائرة، وأسهل في حركته من المربع، ويديرون المشاريع باحترافية.

الشخصية المربع مختلفة وتفاجأنا بمدى تكاملها واتزانها، بين منهجيات علمية متعددة التخصصات والتشعبات وحركية متعددة الأنشطة والممارسات، لكنه بطيئ الحركة، يعمل على نفسه لزمن طويل وتصعب حركته وانتقالاته بالتالي، يحتاج إلى الاستقرار ليتقن مايقوم به وليستكمل المعطيات، مكانه في القاعدة، يمكن أن يؤدي مع مربعات أخرى عملاً رائعاً ويكونون فريقاً متكاملاً، يصلحون كضباط في قطاعات عسكرية ذوي خبرة تقليدية ممتدة زمنياً، أسهل في زواياه لانفراجها، لكنه حازم ويمكن التعرف عليه بسهولة أكثر من المثلث، ويمكنه تقديم الاستشارات والعمل على تأسيس الأعمال.

صديقنا التالي يشبه المربع، لكنه يغلب جانباً على جانب، بين مهنية متنوعة تستفيد من الجانب المعرفي الممتد في القاعدة، ومعرفية محدودة ولكنها كافية لما يحتاج إليه في مرحلته التي يعمل عليها، لاينكر المعرفة ولكنه لايهتم بالموسوعية، يكفيه من المعرفة مايحتاجه لإدارة المشروع، ويغلب بالتالي جانباً على جانب.

يتكامل مع المربع ويبدوا أقرب مايكون لصديق العائلة، في الصف الثاني قد تستخدم مجموعة منهم لتقليل التكاليف فهم مدراء وسط رائعين.

وبرغم جمال الأشكال السابقة فلابد من وجود دائرة بلا زوايا، تعمل كقائد ضمن الصفوف وتقود الفريق من الداخل نحو الأهداف، فالدائرة سهلة الحركة وتتكامل في الأداء مع البقية، يمكنها أن تتدحرج متى ماصطدمت بها زاوية شكل آخر لتجد مساراً آخر تهيئه لبقية المنظومة ليخطوا طريقهم من خلاله، سلسلة سهلة في حركتها، وبرغم غضب الأشكال الهندسية منها وعدم رضاهم عن سياستها المرنة إلا أنها تفرض مكاناً خاصاً لها، وتعمل كرأس في الغالب، مشكلة الدائرة أنها تضيع الكثير من المساحات في محاولات السيطرة على الزوايا، وسياسة الإرضاء للفريق لن تجدي في كل وقت، ولذلك تترك مايمكن أن يستغل في محاولاته لكسب الجميع، القيادة الداخلية مؤثرة وقريبة كالدائرة، ولكن لابد من أن تهيأ بطريقة صحيحة لتكون إدارة نظامية في وقت الحاجة، ولقربها من الفريق فقد تقوم بعدة مهام وتبدل بينها، عكس بقية الأشكال التي يصعب حركته أو تغير وضعها أو اتجاهها.

لاتحاول أن تكون غيرك، فستخسر الكثير، كن نفسك فقط، وستضيف شكلاً هندسياً تحتاجه المنشأة، من قاعدة قوية كالمربع تبني العمل وتؤسس استراتيجياته، أو صفوفاً وسطى كالمستطيل تدير الأهداف المرحلية، أو مشرفين يقسمون العمل ويوجهونه كالمثلث، أو دائرة تقود الفريق وتقف معه شاقة الصفوف دون قيود الزوايا.

(الصورة بعدسة: ريان المنصور)

التصنيفات
رؤى

شمس الأصيل

 الحياة تمضي كاليوم، تبدأ بالشروق، وتنتهي بالغروب، واليوم يمر بما تمر به الحياة من ظلام يشقه الفجر، ومن هجير يحرق القلوب والأرواح، ثم برود آخر، نسمات يأنس لها الإنسان المتعب خلال مسيرته، فصقيع يجمد العواطف.

الشمس في الصباح صغيرة، مضئية لامعة، كالشاب المنطلق المتقد حماساً، يرى كل شي فرصة ليشرق عليه ويلهبه بعزيمته، عكس شمس العصر التي هذبتها الحياة فخبت شعلتها واكتست اللون الأصفر واصبحت أكثر دفئاً وقرباً من الناس.

تبدو الشمس متعبة باهتة، من خلال خبرتها تعلمت أن تهب الناس دفئاً ونوراً، علمتها انكسارة الظهيرة كيف أن الأيام تدور، وأن الدنيا لا تدوم.

شمس العصر أشبه بالأم، تراقب أبنائها من خلال أستار الغيوم، ومن خلال الشفق، ثم تلقي في رحمة ردائها الأخير على الأرض التي تستعد لمواجهة الليل البارد، تصر أن تبقى معهم لآخر لحظة، حتى بعد سقوطها خلف الأفق.

الشباب لايتعلمون، ستشرق شمس الغد بنفس القسوة، مبهرة منطلقة تشق السماء، لاتعطي فرصة لأحد لكي يراقبها، بمجرد ارتفاعها تمارس قسوتها، بينما تعود ف يالمساء وهي صامتة، تراها تفكر فيما جنته طوال يومها؟ ترى هلهذه الغشاوة التي تكسوها بقايا دمع سكبته حين فهمت مافعلته؟

شمس العصر كالأم الكبيرة، تراقب أبنائها يعودون إلى منازلهم، تبتسم لأحفادها يجرون هنا وهناك، تضمهم في دفء لتشعرهم بالقوة، تتذكر أيام الصبا، كانت تحرقهم بسياطها، يجرون أمامها في كل مكان خوفاً من التأخير عن مدرسة ووظيفة، الظلال المنكسرة تشي بمشاعرها الممزقة، ستفارقهم بعد قليل.

تضعف الشمس حين تكبر، لم تعد تملك خاصية الإحراق والتبخير، يقف الغبار والسحاب الصغير حاجباً لها، كانت عنيفة في شبابها، تصليهم بلظاها لترفعهم لطبقات الجو الباردة قبل أن يسقطوا ثانية مشتتين على الطرقات، وتلبس في فخر تاجها الملون بألوان الانتصار.

وفي نهايتها تنزل الشمس لتكون بمستوى نظر الناس، قريبة منهم، يلامسها الأطفال بأصابعهم الرقيقة، قبل ساعات كانت متعالية لايستطيع أحد أن يرفع راسه ليراها، ولو حاول تحرق عينه فيغمضها في استسلام، مع الأيام نتعلم أن نكون متواضعين.

 

(الصورة بعدسة: سومار أحمد)

التصنيفات
رؤى

أصابع

– الناس كالبصمات.. يختلفون بالرغم من تشابه الخطوط..
– الأنماط البشرية محدودة.. نحن نماذج يعاد تكررها.. كأصابع اليدين..
– لكل شخصية نظير.. قريب منها في الشكل ولكن قد تختلف الاختيارات.. كالإبهام الأيمن والأيسر..
– البشر يحبون الفضول.. كالأصابع تقف متراصة حول راحة اليد الفارغة..
– البشر يحبون القيود والزحام.. كارتباط الأصابع بالكف..
– ظاهر الأصابع قاس كعلاقاتنا بالآخرين من حولنا..
– الراحة الناعمة قد تتسبب في صفعة مؤلمة..
– نصافح الآخرين حين نقابلهم.. تحاول الأصابع تكوين علاقات وكسب حلفاء..
– حين تنفر من إنسان ترفض الشد على يده.. تكتفي بملامسته لأن هذا أقل في الإرتباط..
– مهما تشابكت الأيدي لابد أن تنفصل في النهاية.. لكل كف امتدادات لانراها.. سيرحلون ذات يوم..
– الهوية شي ثابت كالظفر.. جزء منا يعطينا المنظر والأمان.. الانسلاخ منه مؤلم..
– بعض المتغيرات كطلاء الأظافر.. قد تغرينا لكنها دخيل يجب إزالته في وقت ما..
– في النهاية.. يبقى لكل كف أصابعه المرتبطة به.. كالأسرة من حولنا..

 

(الصورة بعدسة: رهف الشبيل)

التصنيفات
رؤى

مراحل القمر

تمر مراحل حياتنا وهي تشهد تطورات تمتد لتشمل كل التفاصيل الجسدية والفكرية والمعرفية، وبين مد وجزر نراقب أنفسنا ونحن نرتقي أو ننحدر، تماماً كمراحل القمر المولود على شكل هلال يظهر من الشرق لتشرق أنفسنا معه ايذاناً بالولادة، وينتهي في المغرب ليطوي صفحة من حياته القصيرة وحياتنا القصيرة كذلك مقارنة بعمر الحياة. لكن القمر يحظى بفرصة الولادة الثانية والثالثة والعاشرة، ليعود في كل شهر من أعمارنا بحياة جديدة ماراً بنفس المراحل، بينما تنتهي حياتنا بساعة وفاتنا.

فرصة الولادة المتكررة ننالها تربوياً وفكرياً ومهنياً.. فيمكن أن نعطي مرة بعد مرة، نتعلم من أخطائنا، ونكمل النقص في شخصياتنا، في دائرة من العمليات والممارسات لنصل إلى ذروة عطائنا حين اكتمالنا المعرفي ونضجنا وشعورنا بالرغبة في العطاء والحاجة للتميز.

قبل أن نصل للنضج نمر بمرحلة نقص في المعلومات وشح في الأدوات، كما أننا لا نفهم الأمور بالصورة التي نعالجها حين يمتد بنا العمر، الرغبة في الإنطلاق المميزة للشباب تقحمنا في المخاطر، وقلة الوعي في التجارب تحرمنا بعض الفرص، ولكن الأمر بعد النضج يأخذ صورة أخرى فالذي ينقصنا وقتها ليس سوى الطاقة المحفزة للعطاء، والرغبة في البذل، نتيجة ردات فعل أو تكاسل عن التكاليف.

الفراسة التربوية ستجعل من يرى تميزك يعقد عليك أملاً في نضوج مميز، وسيظل يراقب تطورك منتظراً ساعة بذلك، وسيتألم حين يرى تأخرك عن بذل مميز بعد نضجك، سيفرح بنموك واكتمال صفاتك، كما سيشمت فيك من يبغضك ويتمنى نقصك، بل حتى من ينافسك في المجال نفسه من أقرانه قد يشعر بالسعادة نتيجة تعثر تمر به نتيجة خطأ في التأسيس أو انتكاسة مؤقتة. ومن وقف معك في مسيرتك وساهم في تطويرك سينتظر العائد من جهده ولو كان في أبسط صوره كمشاركة في هدف أو شعور بالامتنان وتقديم الشكر لما قام به. وحين تكتمل وتظهر في موقف يميزك سيرى الناس جمالك، وبالرغم من أن الكمال شي نسبي ولن يكون يكون تاماً إلا أنك ستتميز به، ومابقي من صفات نقص يخفيها بريقك وثباتك ووضوحك.

لاشيء يبقى على حاله في هذه الحياة، ولذلك قد تبرز قبل نضجك في موقف وتتأخر في الموقف ذاته بعد أن تعقد عليك الآمال وتبلغ مرحلة النضج، يؤثر فيك عدة عوامل مادية ونفسية، يؤثر عليك الإيمان تماماً كنقص الموارد، ولكن هذا التذبذب لن يكون مقلقاً إذا كان في حدود المسموح به، ويمكنك تمييز ذلك بمراجعة منهجيتك والتعرف على حالة التراجع إن كان مؤقتة فتعمل على التحسين، أو كانت دائمة فتعمل على التصحيح. هذا الضعف والقوة ثم الضعف والقوة سنة كونية ستظل مستمرة مابقي الإنسان، والمطلوب منه معرفة نفسه ومايميزها وينقصها، ومعرفة أهدافه وإلى أين ستوجه، والتعرف على محيطه ومافيه من أدوات يمكنه الاستفادة منها، وفي حال وجد النقص يبدأ في معرفة أسبابه وطرق تفاديه، واختيار المسار الصحيح الملائم له.

لاتكفي الرغبة في الأشياء للقيام بها، بل لابد من القدرة على التنفيذ والتحقق من ملائمة الاختيار. ثم وكمنازل القمر يبدأ في تحديد مكانه الملائم، ليعطي منه مايناسب المرحلة ويتفاعل مع المعطيات بصورة صحيحة.

من حولك من أجرام ليسوا مثلك، ولكنكم معا تشكلون خارطة السماء، ولكل جرم دوره، فأد واجبك وقم بدورك بصورة صحيحة، والزم مسارك في ظهور مشرق يدير الزمن ويظهر في وقت ملائم، وفي غروب رقيق يترك مساحة لظهور من يكمل دوره ولايعرقل مسيرة العمل.

سر في مسارك في ثبات واستكمل النقص وفق رؤية واضحة طويلة المدى، ومهما تغير مستوى الأداء لاتمل من التصحيح والعودة من آخر نقطة ينبغي عليك العودة إليها لضمان السلامة. ومهما رأيت نفسك بعيداً فثق أن هناك أعيناً تراقبك وتفرح برؤيتك، وبين اكتمال يسعدها ونقص يجرحها ستظل قمراً في سمائها تنتظر ظهوره كل مرة ليأخذ بيدها ويرشدها في متاهات الحياة.

 

(الصورة بعدسة: ريان)

التصنيفات
رؤى

قصر وهاوية

كل مرحلة من حياتنا تمثل حياة جديدة.. ولادة، فطفولة، فمراهقة، فشباب، فشيخوخة، فموت. الموت في الحياة القديمة، أو بالأصح نهاية التجربة القديمة تعني بداية تجربة جديدة أو حياة جديدة. ثم تتكرر العملية نفسها بغض النظر عن زمنها. المرحلة الابتدائية ست سنوات، تنتهي لتبدأ المرحلة المتوسطة ثلاث سنوات، وتسلمنا بعدها لنبدأ الدراسة الثانوية لثلاث سنوات، ويكمل بعضنا التجربة العلمية بأربع سنوات في الجامعة، ويقل العدد في الدراسات العليا، وبعضنا يتوجه إلى سوق العمل ليخوض تجربة مختلفة، وهكذا. الصورة تشبه صورة الطفل الذي يرى الأشياء لأول مرة فيتعجب منها ويبدأ في استكشافها، ثم يصبح الأمر طبيعياً بالنسبة له فينتقل إلى استكشاف شيء جديد.

التجارب تتشابه في بعض معطياتها، وتتنوع في معطيات أخرى، الأمر يشبه الطرق في المدن، فالطرق تجارب حيوية تمثل قرارات مصيرية، والطرق الداخلية قرارات فرعية تقل في أهميتها وخطرها عن القرارات الأخرى، وهكذا يأخذ حجم القرار ومدى تأثيره حجمه بحجم التأثير الذي سيحققه في حياة الفرد.

طوال مراحل حياتنا، نحمل رصيداً تراكمياً من التجارب، ننطلق من خلاله في أحكامنا، ونعبر به عن رغباتنا، وبقدر مانحسن التعامل مع المواقف يكون التميز في الخبرة، وتتجلى سلامة الرأي وصحة المنهج.

في محيطنا هناك صوتان يعلوان:

–        صوت منظم متزن يمثل أنظمة ولوائح نسير عليها، أسميه صوت القانون، أسميه الدين ويسميه غيري باسم آخر باختلاف الخلفية التربوية عندنا.

–        وصوت عشوائي مختلط ينتج عن التقليد وتلقف الأصوات الهائمة في الأثير الفكري من حولنا.

صوت القانون يشبه القصر في بعض النواحي ومنها:

  • أنه منظم، ومترابط، يكمل كل قانون القانون الآخر.
  • أنه يرتبط بالموارد المتاحة سواء المادية أو البشرية.
  • أنه قد يقيد بالزمان والمكان.

الصوت الآخر يشبه الصدى، فلو وقفت على شفا جبل وصرخت لرجع صوتك، في المرة الأولى سترجع الكلمة فقط، ثم يرجع التكرار الآخر، وفي كل مرة يرجع يختلط بموجات الصرخة الأصلية ويأخذ الصدى في التشوه. وفي حال وجود عدة صرخات يزيد الاختلاط.

فلو سقط إنسان من قمة الجبل فسيصرخ، وسيكون من المؤسف أن يتلقى بعض من يقف على القمة صدى صوت الساقط في الهاوية ويردده على أنه مبدأ أو قانون. إن الساقط يصرخ ولا يعبر، فكل مايقوله وقتها هو محاولة للتوقف عن الانحدار، ومن هنا تجد التعارض في بعض الشعارات والمبادئ التي تعلن من حولنا. لأنها ليست سوى صرخات متفرقة لاتحمل معنىً ولا تناسب مجتمعاً.

إن القوانين والشرائع تتميز بأمور منها:

  1. التنظيم. فللمهام تاريخ بداية ونهاية، وخطوات عمل وإجراءات تنفيذ، وقوانين تحكم مبدأ الثواب والعقاب.
  2. التدرج. في العقوبة، في الثواب، في الأوامر، ومراعاة الطاقة الإنتاجية للفرد والمجتمع.
  3. التكامل. فقوانين مالية، قوانين اجتماعية، وقوانين أسرية، وقوانين سياسية، كلها تصدر لتكون جزءً واحداً متكاملاً يحقق الصورة النهائية للعمل.
  4. الملاءمة. فهي تراعي الفرد والمكان والزمان، وهي في مقدور مواطني الإقليم، الذين يتعاملون معها بشكل دائم، بينما أصوات الساقطين لا تحمل سوى رغبات الشخص ومحاولته لإنقاذ نفسه بالصراخ. وفي الهاوية تتردد صرخات ساقطين آخرين لتختلط وتعطي مزيجاً من الضوضاء اليائسة، وتوحي بالسقوط.

ومن هنا ينتج عندنا نوعان من القرارات:

  1. قرار ينتج عن اقتناع، ويصاغ نتيجة خبرة ومعرفة. ويتقيد بالأنظمة. والأنظمة الصحيحة لن تتعارض مع القناعات وسيجد الفرد فيها راحة وطمأنينة، وفي رأيي أن الشرع هو النظام الأصلح، لأنه يحمل العصمة، وهو الأمر الذي وصل إلينا عن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم. والتاريخ يشهد بوجود الوازع الديني في تكوين المجتمعات، بغض النظر عن دينها ومدى تمسكها به.
  2. قرار ينتج عن تأثر بأحداث خارجية مختلفة المعايير والمعطيات. ويحمل طابع العشوائية نتيجة التكرار لما وصله من الصدى المختلط.

فرق بين قرار في قصر وصرخة في هاوية. وفي عالم اليوم تتردد وتعلن القرارات والشعارات والمبادئ من حولنا، نراها في شاشات التلفاز، في لوحات الإعلانات، في الصحف، في الشبكة العنكبوتية، بل ونراها في تغير سلوك أبنائنا من حولنا. وفي ظل غياب المنهجية وتشوه مفهوم الدين، وضياع الهوية وغياب معاني المروءة والسمة العربية، يسير البعض منا في طريق الهاوية، ربما ليضيف صرخة إلى سجلات الساقطين.

 

(الصورة بعدسة: Rutger Spoelstra)

التصنيفات
رؤى

الشطرنج

في الرقعة ستة عشر بيدقاً..

في الرقعة أربعة وستون مربعاً..

نظل نتحرك في كل الاتجاهات وبشتى الصور.. نجوب مربعات الرقعة كلها..

لماذا ؟

لكي ننتصر..

حياتنا هذه صورة مكبرة للرقعة.. الطاقات العاملة هنا وهنا.. والأماكن التي نتحرك من خلالها.. ونوعاً من التشابه في الحركة المدروسة غالباً.. أو العشوائية أحياناً.. مع وجود احتمالات الخسارة عند الحركة، والحركة مع العلم بوجود الخسارة، والخسارة الاضطرارية أو الخسارة لتحقيق مكاسب أكثر، أو الخسارة مع عدم فقدان شي من البيادق، كل هذه صور من التشابه.

ومع كل الحركة، وأنواع التخطيط الذي نقوم به أثناء اللعب يخرج المنتصر دائماً بنفس النتيجة.. امتلاك بعض مربعات الرقعة.. لا يقل مكسبه عن مربع، ولا يزيد أبداً عن ستة عشر مربعاً.. إذاً لماذا التعب؟. التعب في اللعبة كلعبة مطلوب لأنه دلالة تميز، ولكن التعب في الحياة لماذا إن لم يكن من أجل التميز؟

لابد من العمل والسعي لتثبيت النفس في الأماكن الصحيحة.. هذه الأماكن التي هي مجالات الحياة كلها.. العبادات والمعاملات، بشتى صورها ومختلف أشكالها.

رغباتنا كلها هي مربعات هذه الرقعة.. البيت والأسرة، الوظيفة، الأملاك من معمار وغيره، التعليم وتربية الأبناء، ومن ضمن المربعات المستويات الإيمانية المختلفة، الهموم للدين والأمة، والهموم المتنوعة التي لا يسلم منها إنسان.

لماذا نهتم لما يصيبنا؟.. ألسنا ضمن الرقعة لم نخرج منها؟.. أليست أقدار الله نافذة فينا؟.. إذا لماذا الهم؟.. هذا الأمر الذي يؤرقني كم يشغل في الحقيقة من رقعة الشطرنج، كم خانة أخذ من حياتي، وكم هي حقيقته.. بمعنى كم يستحق فعلاً منها؟.. لماذا ننظر أحياناً على أن الرقعة ليست سوى مربع واحد فقط، ومربع أسود.. مع أن الرقعة لازالت أربعة وستون مربعاً.. ومشكلتي هذه ليست سوى مربع واحد منها.

هل هذا المربع الأسود الذي غطى على اثنان وثلاثون مربعاً أبيضاً يستحق أن يحرمني السعادة الموجودة في المربعات الأخرى.. رؤية أقاربي، نجاح وظيفي، تميز دراسي، روحانية وارتقاء تربوي، كلها غابت بسبب هم ربما يكون بسيط. وهل هذا المربع أياً كان يفوق همي لأمتي؟..

ومهما احترفنا اللعبة تظل خاناتنا ثابتة.. العدد لا يتغير إلا بالنقص.. وإنما هو التميز الذي نتحدث عنه، وتقليل الخسارة في العدد.. أي أننا لن نأخذ شيئاً من الرقعة التي هي حياتنا غير رزقنا من المربعات. كم نحرم أنفسنا، وكم ننسى، وكم نجهل، وفي النهاية تظل الرقعة أربعة وستون مربعاً وتظل البيادق مرصوصة عددها ستة عشر بيدقاً تتحرك ضمن مساحة لا تتعدى أربعة وستون مربعاً.. أمتلك منها في أفضل الحالات ستة عشر مربعاً فقط.

نصف الرقعة أفراح.. ونصفها أتراح متنوعة.. ويثبتنا في المسير ما غلب عسر يسرين.

 

(الصورة بعدسة: ريان المنصور)