التصنيفات
رسائل إلى نفسي

رفيق الطريق

6081597522_450ec236e1_o

9/7/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 1:35 مساءاً

لانملك اختيار والدينا، لانملك اختيار الموظفين في الشركة التي نعمل فيها (مالم نكن الملاك)، لانملك تحديد من سيكون أخاً أو أختاً لنا، ولكننا نملك اختيار الزوجة، واختيار الأصدقاء.

في الطريق نقابل الكثير، بين مادح معجب لايرى عيوبنا، وبين ذام ناقد لايرى محاسننا، يسعدنا موقف أحدهم بقدر مايسوؤنا موقف الآخر، وتمر الأيام ولا يبقى من المدح والذم إلا أثر الإجراء الذي اتخذناه تجاه المواقف.

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

الإمامة

6230181268_4384907998_o

1/7/2011م

المنزل (غرفة النوم).. الساعة 6:55 مساءاً

لو فهمنا أبعاد “إنما وضع الإمام ليؤتم به” لتعلمنا الكثير من سلوكيات القائد والأتباع.. يختار الإمام ابتداءً وفق معايير واضحة، ويندر أن توكل الأمور في الإدارة بهذه الدقة والوضوح إلا في المنشآت الكبيرة ذات السياسات واللوائح المتقدمة.

والإمام مرجع لجماعته، فهو خطيبهم، وناصحهم، وحلال مشاكلهم الأسرية والتربوية، يجمع كلمتهم ويتقدمهم في الصلاة، بالرغم من ذلك كله فهو بشر يخطئ ويصيب، ولا يعني تقدمه على الناس أنه أفضل منهم في كل شي، فأنا لا اعرف اسم إمام الجامع الذي كان الإمام أحمد أو غيره من الإئمة يصلون فيه، ومن هم أئمة الحرم والجوامع الكبيرة في الأجيال الخمسة الأولى مثلاً بالرغم من قربها من الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولكنه يقود الجماعة ويتعامل مع قضاياهم اليومية.

خلف الإمام أصحاب العقول كما أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأننا نتعلم ألا يمشي ولا يقف خلف الإمام إلا رجال تتوفر فيهم معايرهم الخاصة بهم كذلك، ولو حاولنا لاستنباط لقلنا:

1. علم صحيح واسع يعتمد عليه.

2. عقل فاهم واعي مدرك يسترشد به.

3. اسلوب ملائم في الحوار والنصح وايصال التوجيه إلى المقابل.

وهم مع كل هذه المميزات ليسوا الإمام، ولا يملكون في حال أخطأ الإمام في الصلاة وسهى إلا أن ينبهوا، والتنبيه ليس سوى تسبيح يتلائم مع العبادة التي هم فيها، فإن انتبه الإمام وصحح خطئه كان بها، وإلا يتابعوه في الخطأ ويعالج الخطأ في وقته الملائم من خلال سجود السهو. وبعد السجود وتصحيح الخطأ لايبقى من رواسب الموضوع شي، فمبجرد السلام ينتهي الموقف، ويأتي الإمام في الفرض التالي ليؤم المصلين دون أن يقال هذا هو الساهي، كيف يعود؟ وغير ذلك مما يعاب به الإمام وينتقد به.

وقطع صلاة المأموم والمشي بين يديه لايضر، لأنه متابع للإمام، بينما لو مر بين يدي الإمام فسيؤذي الجميع، فالضرر على الإمام يصيب المأمومين، وكأننا نتعلم هنا أن حماية الصف من خلال الإمام أعظم من حمايته من خلال الاهتمام بأنفسنا ورعايتها.

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

ذكرى

7979866167_fff0be3b6e_b

18/6/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 09:40 مساءاً

الذكريات جزء غريب لاندري أين يختبئ منا في بعض الأوقات، نبحث أحياناً عن شي فقدناه، ونقلب في جنون في صفحات عقولنا وفي أروقة مسارته فلا نجد مانريد، ثم فجأة وبدون سابق إنذار تنهال علينا الصور والمعاني. فتمزق قلوبنا وتهيم أرواحنا بسببها.

رائحة عطر يضعه إنسان تربطنا به، ابتسامة إنسان عابر ترجع صدى صوتٍ في أعماقنا، موقف أو شجرة أو صخرة أو قلم أو منديل يحيي ذكرى في قلوبنا.. لايمكن أن نفر من الماضي وذكرياته، حتى مانتوقع أنه قد نسي يعود إلينا فجأة واضح المعالم. لاننسى الأمور بصورة قطعية فأحياناً نضرب على جباهنا ونغمض أعيننا ونقول بصوت طويل حار “ياالله، من أين أتت هذه الذكرى”.

ذات يوم انتقل صديق عزيز على قلبي إلى رحمة الله، ولأنه قريب مني فقد أخفى الزملاء الخبر عني وبدأ كل واحد يتهرب حين يلاقيني، حتى جائني شخص مبتسم وأخبرني بالأمر وصبرني، لم أتأثر كثيراً على غير المتوقع، ووقتها بدأت أعرف أنني لا أتأثر بالرحيل.. وبقيت لوحدي يومها إلى ساعة متأخرة، ثم أويت إلى فراشي وما بعقلي شي مميز من ذكريات الراحل.

اليوم الثاني استقيظت كعادتي ومضى كل شي طبيعي، حتى جاء وقت صلاة الظهر، فتوضأت وشعرت بغصة وشوق إلى صديقي، ودخلت المسجد، وحين أردت أن أكبر للصلاة لاحت مني التفاتة إلى شخص يريد أن يدرك الركعة، فلمحت وجهه والتفت مذعوراً، نعم كنت مذعوراً ، وبحثت عن الرجل وكررت النظر إلى وجهه ثانية، ثم هدأت نفسي فكبرت وصليت.. لقد أصبحت أرى وجه صديقي في كل وجه أراه.. وأسمع صوته يهمس في أذني يذكرني بالطريق.. مرت سنوات، ولازلت رغم انقضاء السنين أعود فأبصر كل الصور.

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

خيارات

6041756408_10120acdcb_b

15/6/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 11:00 مساءاً

الإنسان يسير في مدى الخيارات المفتوح، من أقصاه إلى أقصاه.. من التسليم والتخاذل إلى التمرد والتسلط، يمكنه أن يلزم حقلاً ويعمل أجيراً مقابل طعامه ونومه، ويمكن أن يحمل سلاحاً ليغتصب الأرض ويقتل مالكها، يمكنه أن يقْتُل ويقُتل، أن يكون مظلوماً أو ظالماً، لايمعنه شي سوى مايضعه من ضوابط لنفسه، وضوابط الإنسان تتكون بسببين هما:

1. الإيمان.. وهو العامل المؤثر لو تبناه صاحبه، ولو فقد العلم فقد يعطي أثراً عكسياً ولذلك فأصعب الحروب هي التي يحركها الدين.

2. العلم.. ويكون فيه بصيرة وبعد نظر حتى في بعض مستوياته البسيطة.

لي صديقة أفريقية سوداء خشنة الشعر على حد وصفها، تختلف عني في كل شيء، التوجهات والجنسية وكافة التفاصيل، ولكننا نجتمع في المنطق، قالت لي رأيها في الثورات القائمة، تقول بأن هذا الأمر كان لابد وأن يتم منذ زمن، وأنه بسبب تأخرهم في الحصول على حقوقهم سلط عليهم من يتمادى في طغيانه ويسلبهم حقهم، لم أعلق على كلامها، فمن يقضي وقته بحثاً عن وظيفة يعيل منها صغاره ويحلم بفرصة العمل في قطاعات الدولة ذات الاستقرار الوظيفي العالي والمرتبات البسيطة، لو يسّر له التعيين في قطاع الجيش فسيكون هو نفسه من سيواجه الثورة، اللذين يقفون في الميادين لو كانو في الزي الرسمي لواجهوا الميادين.

لماذا نفكر أننا نُظلم لو لم نجد حجزاً في الخطوط؟ لماذا نفكر أننا نُسرق لو وجدنا فاتورة الجوال مرتفعة؟ لماذا نفكر أننا محرومون إذا لم نعط منحة أرض؟ لماذا نفكر أننا نُهان ونُقهر لو صادنا الرادار وحرر مخالفة سرعة؟ لدينا خيار آخر في كل حالة مما سبق، ولكننا نقارن أنفسنا بالآخرين في كل مرة، فلماذا يجد الآخرين حجزاً وأرضاً ولاتحرر لهم المخالفات ويسرقون خطوطاً هاتفية بينما لا نتمكن من ذلك.

بعض من ينتقد السرقات يبحث عن فرص التحايل، يفرح لو أضاف شيئاً مجانياً لنفسه، وليته يمتلك الأشياء النوعية، غالباً مايمتلك الصغار من اللصوص الرخيص من الأشياء. بينما تذهب التحف الثمينة للصوص الكبار. بمقياس ما ستكون الأرض التي مساحتها 2000 متر مربع كبيرة جداً، ولكنها في مقياس آخر صغيرة لاتزيد عن أن تكون موقفاً للسيارات، في النهاية لو راجعنا حساباتنا فسنتمنى العودة لنقطة السلامة، نقطة الصفر، حين تكون الخياريات كلها متاحة ونحاول أن نغير من أنفسنا ومن مصيرنا، وقتها سيكون الأمر قد انتهى ولا يمكننا العودة من جديد.

(الصورة بعدسة: Ash)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

صمت وثرثرة

SONY DSC

9/6/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 12:30 مساءاً

الصمت أبلغ تعبير.

أبجدية الصمت تتشابه لكل الانفعالات.

انكسار الشفة السفلى وإطباق العليا تساوي معاجم البلاغيين.

الصمت حوار طويل تتم فيه تصفية الكلمات التي يمكن الاستغناء عنها، هذه الكلمات تغذي الضجيج بمداد لاينقطع من الضوضاء البعيدة عن المنهجية.

كل صامت ملك عرضت عليه الكلمات فرفضها.. ليست ثمينة بما يكفي ليهتم بها.

الثرثار يعجز عن الصمت .. الصامت يرفض أن يكون عاجزاً.

الصمت بلاغة التجارب.. لا يحوي حروفاً.. بل إجراءات.. هو أكبر من مساحات الجسد.. تجده في ساحات الأعمال.

الصامت يعمل في هجير التكاليف.. ليغطي مكان ثرثار الظل.. سيستظل بما بناه حين تزول الشمس عن جدار الثرثار.

في ابتسامة الصامت جواز عبور للأرواح.. في ابتسامة الثرثار أمر طرد من القلوب.

لن أفقد حروفي القليلة حين يفقد الثرثار مصداقيته بسبب وعود لم ينفذها.

ستشرح ابتسامة الصامت ما يحاول الثرثار شرحه بالكلام.

حين يموت الصامت يذكرون صمته ضمن محاسنه.. حين يموت الثرثار يذم بكلامه.

سيفقدون ما كان الصامت يقوم به.. كان ينهي الأعمال بدون ضجة.

حين يرحل الثرثار سينتهي الضجيج ونعمل في صمت وهدوء.

أكتم نفسك.. ركز نظرك.. اجمع قوتك.. انطلق لتحقيق هدفك.. الثرثرة ستفقدك كل ذلك.

أبي صامت في حياته وموته.. علمني وأنا أراه أكثر مما سمعته من المتحدثين.

حاولت الثرثرة وضحكت.. لم أفهم معنى الحروف.. اللغة مختلفة تماماً.

أخذت نفساً عميقاً وأغمضت عيني في رضا .. لقد ثرثرت كثيراً.

(الصورة بعدسة: ريان المنصور)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

ذكريات

5/6/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 12:30 مساءاً

لي صديق يمني قريب من نفسي، قريب لبساطته وصدق لهجته، أتحدث معه بأسلوب لم أتحدث به منذ سنوات، كلمات الأخوة التي كنت أقولها لمن رحل لم أعد استخدمها، ولكنني معه أخرجها من لفافتها التي لففتها بها يوم أن ودعت آخر قلب في الطريق.

نتحدث عن الحنين للأرض، ولست ممن يحنون للمكان كثيراً، إلا مكاناً واحداً تنقلت فيه في سن الشباب وحملت منه أطيب الذكريات وأقوى الآلآم.. في البداية كنت أفكر بالألم فأهرب منه، ولكن “البيضاء” كانت تتغلغل في صدري دون شعور مني، ووجدت نفسي أستيقظ يوماً لأهرب من الألم إليه، ومن جبال البيضاء القاسية إلى ذكرياتها السعيدة.

هو مغترب مثلي، ولكنني جربت الهوى ولم يجربه، يحسدني؟! لا أدري.. ربما، في بعض الأمور لا ندري أيهما أشد ألماً، أن تعيش الحدث أم تفكر به.

أسمع صوت كلاب تنبح تجري خلفنا، ورجل منا خبير بهذه الأمور يحمل في يده أحجاراً، وكلما اقتربت الكلاب منا رمى حجراً خلفه دون أن يلتفت لها، فتجري تشم الحجر ثم تكتشف أنها خدعت فتعاود الهجوم عليها، ويتكرر الأمر مرة تلو المرة، وهو يخدعها لتعود تطاردنا ثانية، أملاً في لحظة غفلة تهاجمنا فيها وتنهش أقدامنا.

نمر على قرية يفكر أهلها في الغدر بنا، نبيت في سهر وقلق وتعب، ونتحرك قبل الفجر، أسمع صوت الليل وكائناته، ونسمات الفجر تلامس وجوهنا وقلوبنا المتعبة، وأشعر بالشوق لكل حجر مررنا به، لكل نهر قطعناه، لكل جرح أصبنا به.

بعض الحب لايفهم.. لاتدري لماذا يخترق قلبك، يأسرك، ثوب تعلم أن فيه حتفك وتصر أن ترتديه، لأنك تجد فيه الستر والسلامة، يحميك ويحتويك، ويمد يده لينقذك من نفسك ومن جاهلية تحيط بك.

استقيظ في الليل وأنا أردد ابيات غزل، كأنها بكل قساوتها وحقدها وألمها فتاة أتغزل فيها، أرسل لها قصائدي، وأمد يدي أخطب ودها.. لقد جربت الحب، ولم أتمكن من مجارات الآخرين في حبهم، حبي الحقيقي من نوع مختلف.. حبي الحقيقي لرفقاء الطريق، ولتعب الطريق، ولأشواك وأشواق الطريق.

هذه الروح المتمردة لم تعرف معنى الاستقرار إلا في الساحات، في الارتحال بين نقطة ونقطة، في المسيرة والعمل، لم تستقر إلا في غربتها، لم تجد الروح إلا حيث سكبتها، لم تحتضن السماء إلا عندما تخلصت من الأرض، لم تشعر بالأمان إلا حين هاجمت الخوف، إنه ثمن الغربة المعجل، نقبضه في الدنيا قبل أن تخرج أرواحنا، نرى السعادة في صفوف ميزتنا عن غيرنا، في ابتسامة ساذجة لانعرف بأس صاحبها إلا حين النفير.

رعاك الله يا أرضي، سقاك الله من دمنا، من الشوق المعطر بالأريج وبالدخان، يفوح بدربك البارود، يزكمنا ونبسم ملء أفواه تصر على محبتها.

(الصورة بعدسة: ريان المنصور)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

تسويق..

3/6/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 2:49 فجراً

حين بدأت في تدوين رسائلي هذه كنت أجزم بأنه لا أحد سيفهم بعدها سوى (نفسي)، ومن أخبره بتفاصيل الفكرة ممن حولي، ولأنني انشغلت في الفترة الأخيرة وانشغل من حولي بأمور الحياة والعمل والدراسة فلم أصرح لأحد عن أي شي، واكتفيت بالكتابة. كنت أعيش مع النص كقطعة مستقلة لاترتبط بأي شي، كان أشبه مايكون بتقرير أرفعه لنفسي لكي تعرف تحركاتي وأشواقي وأنني لازلت في مجاهدة قوية مع نفسي.

ليس عبثاً تدويني الرسائل لنفسي.. فالأيام تؤكد ضرورة البعد عن الآخرين.. لم أندم على تحويل العلاقات الخاصة إلى علاقات عمل.. ولأنني رجل تسويق فسيكون بمقدوري بإذن الله الوصول لرضا العميل، دون أن يكون العميل جزءاً مني.

من سيكون معك في طريق لايعرف إلى أين سيؤدي؟ ولا لماذا يسلكه؟ لابد وأن يكون قطعة منك، والآن قل لي بربك كم قطعة منك خارج حدود جسدك؟ من المحظوظ الذي يشاركه من حوله كل حياته دون شك في القرارات؟ رايت في حياتي الكثير، ومما رأيته أن الأهداف والمصالح تجمع العلاقات في كل مستوياتها تقريبا، عدا في حالات خاصة حين ترتبط الأرواح بمبدأ واضح المعالم وليس مجرد عاطفة أو كلاماً انشائياً.

ونفسي هي فقط من يقاسمني نفسي.. ويفهم اختياراتي.. ويتحمل تجاربي المريرة.. ويهديني تجاربي السعيدة.

أحياناً (أعتب) لا أقول (أكره) التسويق..

لأنه يضطرني لمخالفة طبيعتي..

ولست ملزماً بالعمل في مجاله.. ولكنه للأسف الشديد مجالي..

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

شيخوخة

2/6/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 3:47 فجراً

بالأمس كتبت عن الشعرة البيضاء الخجولة في ذقني، تبدوا كئيبة حتى أن اللون الأبيض ليس صافياً كعادته عند الأخرين، وكنت أظن أن الشيب أبرز علامات الشيخوخة، ومع أني (بشهادة الجميع) لازلت في عز الشباب إلا أنني توقعت أن أشعر بالفخر كوني كبرت وأصبحت شيخاً، لا أدري وقوراً أم لا فقد بدأت أعمالي الخاصة في هذا السن ولبست ثياب الشخصية المهنية العاملة الكادحة.

من قال أن الشيب أبرز علامات الشيخوخة؟ قالت لي زوجتي أن فاطمة (العاملة المنزلية) أخبرتها وهي تهمس بأنني لم آكل شيئاً بالأمس عدا السلطة، ثم قالت لها بأسلوب النساء حين يسرون شيئاً لصديقة قريبة يبدوا أن (بابا) كبر في السن ولم يعد يشتهي الأكل. حتى أنت يا فاطمة!! لم أشعر بموضوع السن قدر شعوري بكلامها، ربما لأنها شخص غير متوقع، بمعنى أننا لانلاحظ من حولنا من العاملين في بعض الأوقات ولانتوقع أن يكون لهم نظرة وفراسة.

ذات يوم ذهبت لسوق الخضار، ولي عادة في التعامل مع أصحاب الخدمات (العربات) في المنطقة، وهي أنني أعطي الذي لايشترط تسعيرة معينة للعربة أضعاف القيمة التي كان يحلم بها، إضافة لأمور أخرى عملتها كمعايير للتعامل معهم.

قلت لصاحب العربة كم تريد؟ قال الذي تعطيني سأقبل به، قلت أعطيك ريالاً واحداً، تقبل؟ قال اقبل.. قلت سر بنا على بركة الله، حين انتهيت من التسويق وقفت أمامه وأخرجت ريالاً وأعطيته اياه فابتسم وقبله وشكرني، فأخرجت مبلغاً آخر أكبر من أجرته المعتادة وأعطيته اياه، فابتسم وشكرني وأخذه، ثم قال أنا أعلم أنك ستدفع، قلت لم؟ قال لأنك شخص طيب، قلت ما أدراك أنني طيب؟ أنت لاتعرفني، وأتوقع أنك ستقول هذا الكلام لكل العملاء. قال لا، أنا أعمل هنا منذ اثنتي عشرة سنة، وأعرف من يدفع ومن لايدفع.

انتهى اللقاء، ولكنه تركني أفكر في كمّ التجارب الإنسانية عند هؤلاء، وخبراتهم التراكمية في الحياة، لماذا ندرس أنماط الشخصية التي وضعها علماء النفس أو الاجتماع أو التسويق ولا ننتبه للطبقة العاملة التي تحتك بأنماط البشر كلها وتراهم غالباً دون أقنعة، دون رتوش، فمعهم لايوجد عبارة (طال عمرك) (سعادتك)، هم ببساطة من يعرينا في كثير من الأوقات من كل الاضافات ويرون الحياة الحقيقة لنا.

لأمي حفظها الله (وهي أكبر مني سناً بالتأكيد) عادة مع العاملين والعاملات، فعامل النظافة يكلف بمهمة أسبوعية تعطيه مقابلها مبلغاً، والعاملة واحدة من البنات (حسب تعبيرها)، وتعني بالبنات أخواتي، فتضعها في الجدول معهم شأنهم شأنها. بل ربما قالت للبقية (وقد قالت بالفعل) انتبهوا لبنت الناس، استحوا وقوموا ساعدوها، اتقوا الله فيها، وهكذا تنال العاملة حظاً من المعاملة والراحة لاتناله الأخوات، لأنها غريبة، ولأنها ضعيفة، ولأنها يتيمة (حتى لو كان أبويها أحياء)، ولو رفضت العاملة أن تجلس في غرف البيت شان البقية تغضب أمي فمكانها في المنزل يساوي الأخريات، أو لتذهب إلى أهلها. وهكذا تجد لكل إنسان مكاناً في قلبها الكبير، وأجد نفسي محباً للسير في أثرها فأعامل الناس بأسلوبها، وأزيد عليها التأمل في حياتهم وتجاربهم.

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

الحب

31/5/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 12:17 مساءاً

أصعب الحب هو مايبدأ بقتلك، كل شي فيه سيقودك إلى الموت حتماً، فإن لم تمت فستبكي على نفسك، صدقني ستبكي، الحب حياة مستقلة خارج حدودنا المكانية والزمانية، لن تسأل نفسك سؤالاً مما يعرفه الناس، وستظل تنظر لحبك على أنه حياتك وسر وجودك (إن صح التعبير).

من السهل أن تقرأ هذه الكلمات تحت مكيف فلا تشعر بحرارة هجير يعيشه العشاق، من السهل أن تضع نشيداً بدف أو بإيقاع أو حتى أغنية وأنت تقرأ وتتمايل مع كلمات حب، ولكنك لن تسمع صوت الأقسام وهي تسحب والانفجارات وهي تحيط بآخرين. من السهل أن تغمض عينك وتشم رائحة بخور أو طعام، ولكن صدقني لن يصلك عبق البارود الذي يملأ أجوائهم.

آه من الحب في سمعي وفي بصري وفي فؤادي وفي عقلي وأركاني.. أنى اتجهت أراهم لا أفارقهم فكأنهم صنعوا من بعض تحناني.. الحب في حقيبة صغيرة تحمل على الظهر وفيها قطع قماش يزهد فيها الكثير وتعني لصاحبها الدنيا كلها.. الحب بسيط في نظر هؤلاء، سمعت برنامجاً عن مصعب بن عمير رضي الله عنه، لمّا أحيط بهم في أحد أخذ يصرخ ويجري والعلم بيده ليلفت نظر المشركين إليه فيغفلوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقتل رضي الله عنه، هذا هو الحب.. أوقات استصعب عمير أن تطول وهو يأكل تمرات في يده.. يراها حياة طويلة أن ينهي التمرة في يده، ويعصرني الأسى وأنا أراهم، وتضيق الدنيا باتساعها وأغمض عيني لأرحل في عالمهم.

هذا الصباح كنت أفكر في شهداء أحد رضي الله عنهم.. بمن يستبشرون؟ بأي زائر يحدثون أنفسهم؟ من الذي يمشي فوق جبل الرماة وهو يتهامسون باسمه؟ هذه أمة بعضها من بعض.. سيل الدم يمتد في عروقها.. مهما طال الزمن ومهما تغيرت الظروف فلابد من أوردة تحمل الشريعة وتسكب أرواحها لتروي المبادئ.

الهجر هو الشيء المؤلم في الحب، ولذلك ستبكي على نفسك، ستقف أمام نفسك لو كنت شجاعاً لتعرف هل كنت مدعياً في محبتك بعيداً عن محبوبتك، أم أنت محروم من وصالها فتبذل جهداً آخر وثالث وهكذا حتى تصل إليها أو على الأقل ترضى أن وصلت إلى منزلتها (ولو مات على فراشه) وأنت صادق في طلبك للقرب.

ويظل الحب مختلف، ولكنه عالم خاص لايعرف حدود مكان ولا زمان.. لاجنسية تقيده ولا حدود.. يظل الحب حباً رغم كل شي.

(الصورة بعدسة: Barbara)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

حداثة..

29/5/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 12:29 صباحاً

لا أحب الغموض في التعامل ولا في الكلام، حتى علم الفلسفة لا أحبه مالم أكن أعي معناه تماماً، بعض الناس يتفنن الغموض في كلامه، في كثير من الأوقات لا أراه سوى دلالة عيب وضعف في اللغة أو التعبير، العرب تعد الكلام الكثير عجزاً، فكيف لو شاهد أعرابي بعض شعراء اليوم وكتابهم؟! ماذا سيكون موقفه؟

البساطة في التعبير شي لم نألفه، حتى عدنا لانفهمه، نظل نبحث عن المعاني العميقة الخفية ونُأوّل الكلام حتى يضيع الجوهر، حتى نغير المواضيع، نحمل الكلام مالايحتمل فقط لأننا لم نتعود على المباشرة والوضوح. أحياناً يقول الإنسان كلمة تشبه كثيراً شعر الحداثة، ففي كل مرة أسمعها أو اقرؤها أظل اتسائل، ماذا يريد؟ وربما فهمتها بصورة مختلفة مرة بعد مرة. في الحقيقة لا أتهم فهمي فأنا بالجملة ذويق للغة ومحب لها.. ولكن يرمي الإنسان كلمة ثم يطالبني أن أفهم بطريقتي.. لماذا؟

في كثير من الأوقات أتجاهل هذا الطلب، وتكوّن لدي سلوك لامبالٍ تجاه من يحبون أن يظهورا بمظهر الغموض. حتى في الإدارة كتبت كثيراً عن وضوح المهام، وفوجئت حين ناقشت موظفة في جامعة من الجامعات ذكرت لي أن المهام تنفذ بفهم الموظف وليس بوضوح المهام، يعني لو تغير الموظف تتغير طريقة التنفيذ، وأعتقد أنها أخطأت في ذلك فلا يمكن أن يكون هذا الحال في الإدارة، مهما بلغ ضعف المدير. هناك سياسات ولوائح تحكم الأمور، ونتيجة عدم الفهم يظهر جيل يتلقى المهام بالوراثة.

سألت موظفاً يعمل في وظيفة منذ ثمان سنوات، هل قرأت توصيفك الوظيفي؟ قال لا. سألته وأنا متعجب وهل قرأت اللوائح؟ قال لا. قلت كيف تعمل؟ قال كما يعمل الآخرون. بالنسبة لي كإداري أفهم أن أخطاء الفريق تنتقل كالعدوى، حتى يفسد الجو تماماً.

لماذا نتكلف الكلام؟ لماذا نتكلف المشاعر؟ لماذا نتوقع أن الأسلوب المباشر البسيط هجوم علينا فننبري نبرر التصرفات؟ يحاول البعض منا أن يكون في خانة تبعده عن الملامة فيدور حول الموضوع ألف مرة على أمل أن يقوم أحد ممن حوله بتصرف يوجه أصابع الاتهام لناحية أخرى بعيداً عنه.

نحب أحياناً، ونتطفل، ونشتهي أشياء، ونصمت ونسأل الآخرين نريدهم أن يثيروا موضوعاً بإجابتهم فنشبع رغباتنا ونكون في الوقت نفسه في قمة البراءة حين يعاتب شخص أو نبحث عن متسبب في مشكلة. صورة من صور الهروب من الذات، بدأنا نكذب حتى على أنفسنا، نقف بجانب المرآة لنرى من حولنا ونوهم أنفسنا أننا لسنا هناك، لانستطيع أن نواجه حسن أو قبح ذواتنا.

لو أننا التفتنا بهدوء لأنفسنا لرأينا أن الحسن كثير وصور الجمال أكثر، ومانعتقده سلبياً ونتهرب منه سيكون صورة مكررة في نفوس الكثير وليس عيباً تفردنا به.. بل قد يكون اختياراً طبيعياً.

وبالرغم من كافة محاولاتي لم استطع.. وبالرغم من كثرة من حولي إلا أنني أعود لنفسي ثانية.. لو كانت نفسي تحدثي لسألتني كيف حالك؟ ولو سألتها لأجابت “نفسك”، إذاً هي تشعر بكل شي.

 

(الصورة بعدسة: Rutger Spoelstra)