التصنيفات
رسائل إلى نفسي

الطفل..

22/5/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 1:30 ليلاً

يظل داخل الإنسان طفل، أنا لا أنكر الطفل في داخلي، لماذا أنكره وهو مرحلة نتمنى العودة إليها كلما شعرنا بالحنين للأيام الجميلة. حين كنا أطفالاً كنا نفعل كذا، وحين كنا صغاراً كنا نقول كذا، فعلنا هذا، وذهبنا هنا، قمنا بـ..، وهكذا نتكلم عن الطفولة ونحن نبتسم.

حين نكبر نبتسم للأطفال بقدر مانقمع الطفل في داخلنا، لذلك أطلقت عنان طفولتي، حين أكون في المكتب فأنا الرجل في مكتبه، وحين أكون بين أولادي فأنا الأب بينهم، وحين يأتي وقت الطفولة فأنا أكبر الأطفال وأكثرهم حركة ومشاغبة. وهكذا بدأت أجد صفاء الابتسامة وحلاوة الدلال، ولذة الحركة.

الطفولة لمن حولنا تحمل الكثير، الأنس بهم، الشعور بالأمان معهم، الحاجة إليهم، الفرح برؤيتهم، ألا تجدون في هذا كله مبرراً لإظهار الطفل في داخلي؟

قررت أن آنس بما حولي بدل النفور منهم، وأطوي غربة تمزق أعماقي في مكانها في مساحات الظل، فمن حولي لايشعرون بها ولن يهتموا فلماذا أكشف أوراقي أمامهم؟ شارك من يستحق المشاركة فقط.. لاتعط من حولك شيئاً لايقدرونه.

قررت البحث عن أمان لأنجز أعمالي بدلاً من الخوف الذي يجعلنا نتلفت ونشك في كل كلمة وكل حركة من حولنا، ولماذا أصر على الخوف ومساحات الأمان واسعة، قد يطمعون ولكن غالباً لن يؤذونك بعمق، حتى بعض الإيذاء من حولك بسيط لايتعدى خدشاً في ظاهر جلدك.

قررت أن أتكامل معهم، فمن منا يستطيع عمل كل شي بمفرده؟ هل سيكون كلنا طبيباً؟ كلنا مهندساً؟ كلنا فلاحاً؟ كلنا عالماً؟ الكثير ممن أعرف لايستطيع عمل قطعة خبز لنفسه، ولايتعارض هذا مع العزلة، فحتى في الطريق الصحراوية نقابل رحالة أخرون فنشير لهم بأيدينا لنمد معهم جسور ثقة، فنجعل الجسور لمن حولنا.

قررت أن أفرح، على الأقل سأبتسم، من سيمنعني؟ من سيهتم؟ حقيقة قليل من سيشعر بها فلماذا التجهم؟ لماذا يضيق صدري وأحصد كلمة جارحة ممن حولي لعبوسي وقلة تواصلي معهم؟ كرجل “عنيد” سأستشعر التجلد وإظهار الفرح لمن حولي.

من صفاتي أنني مستمع جيد “في الغالب”، يقول البعض عن تعابير وجهي أنني “صيني التعابير”، أي لايفهمون ماذا أريد، مارأيي في كلامهم، ولكن هذا الوجه ينقلب حين أشم رائحة عطره ليتحول إلى ابتسامة وشعور بالسعادة، تتغير الملامح حين أرى حبيباً إلى قلبي وتقرأ في خطوط وجهي تعابير اللهفة والشوق.

أنا رجل يحسن الحب كما يحسن العمل وأكثر، وبدأت أعلم نفسي الطفولة والانطلاق، لايهمني مايراه الآخرون في أنفسهم فلست فارضاً على أحد رأيي، ولايهمني أن يتكون الناس مثلي، فلن أكون مثلهم ولن يكونون.

 

(الصورة بعدسة: غدير محمد)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

من يربي؟!..

20/5/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 12:45 ليلاً

لم أتعجب كثيراً حين رأيت حذاء ولدي خارج الصندوق المخصص للأحذية، ومع أنني أضع حذائي في المكان المحدد، ومع أن عدد المصلين أقل بكثير من عدد الصناديق إلا أنه من المألوف أن تجد الأحذية خارج الصندوق، ونادراً مايلتزم الناس بوضع الحذاء في المكان المخصص له. كنت أتوقع تأثير المحيط على التربية، ليس فقط في مسألة صغيرة كوضع الحذاء في مكانه، أو إلقاء المناديل من نافذة السيارة، بل حتى في الأمور الكبيرة كالتأثير في الاختيارات السلوكية والمنهجية الفكرية.

من الذي يتولى التربية؟ اصبح الكل يربي، والكل سيحاسبك ليس على تقصيرك في التربية، ولكن على تربيتك خلافاً لما يرون، ومع غياب المنهجية التربوية، بل ووجود منهجيات مخالفة لما تراه، فقد أصبح الحذر التربوي إن صح التعبير والاهتمام بتوفير بيئات تربوية مناسبة من أهم المسائل التي يبحث عنها المربي. البيئة التربوية تبدأ في المنزل ولا يمكن تحديد نقطة نهايتها، لإنها ستمر بكل منطقة يمكن أن يمر عليها ابني او بنتي.. المدرسة، الأصدقاء، الحي، المدينة، الحدائق، وغير ذلك.

 

(الصورة بعدسة: Ash)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

مشاعر وعناوين..


18/5/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 2:30 عصراً

أفتح جوالي وأمر على قائمة طويلة من الأسماء، تزيد عن 500 اسم، أفتح جهازي وأنظر إلى العناوين البريدية تزيد عن 700 عنوان، ولأنني أتعامل مع الكلمات ثلاثية الأبعاد فلكل اسم صورة تنطبع في ذهني، وشريط من المشاعر والذكريات، لكل اسم تعبير يخصه، هنا ابتسامة، وهنا تكشيرة، وهنا ضحكة خفيفة، وهنا شتيمة. المشاعر لايشترط أن تكون إيجابية قحة، عاطفية مكتملة العاطفة، كما لايشترك أن تكون عدائية متوثبة، يحكم المشاعر طبيعة العلاقة والمواقف مع الاسم المعروض.

أقضي لحظات الانتظار في مراجعة الأسماء وإنهاء بعض المكالمات، مئات الأسماء من الرجال والنساء، وروابط غريبة خفية كالموجات التي ينقلها الجهاز تجسدهم أمامي.

ثلاثية الأبعاد التي أتعامل بها تجعل الاسم روحاً تمشي، تحدثني، أرى حركات الجسد وكأنه واقف أمامي، أشعر بأثر الابتسامة، ونظرة التشجيع أو اللوم، أو حتى العاطفة.

القدرة الكبيرة على التخيل والتحليل نعمة من الله، وبقدر مافيها من تميز فإنها متعبة في بعض الأوقات. في بعض الأوقات لاتقبل تصرفاتنا ممن حولنا، ربما لأنها تكون صدمة لهم، وربما لأنهم صدمة لنا. تعلمت الصدمة المشتركة في التعامل، هذا لايعني بالضرورة وجود خلل في طرف من الأطراف، ولكنها الخيارات الغير متوقعة، ومدى استيعاب كل طرف وبعد نظرته للأمور من حوله. يمكن كذلك ملاحظة الفرق في الأرواح القريبة التي تقبل الأحداث بكافة تفاصيلها، ثم تتعامل معها بطريقة تعالج الموقف وتبقي المودة.. ولمثل هؤلاء يكون الحنين ورسائل النفس ومساحات الظل ومعاني البعد القريب.

نحتار أحياناً في تحديد توقعاتنا ممن يحيط بنا ربما لأننا لانعرف مالديهم.. مع الأيام ستتكشف الأمور ويكون الاختيار أسهل.. ونعجز في أوقات أخرى عن تحديد ماذا نريد بالضبط منهم، لأننا لانعرف ماذا نريد، الأمر هنا يعود إلينا، إلى مستوى صراحتنا مع أنفسنا.. إلى تحديد احتياجاتنا وترتيب أولوياتنا. في بعض الأوقات نعرف مانريد ولكن نخجل من المصارحة وتوضيح ذلك.. نظن أننا في أمان أكثر حين نتكتم.

قليل هم من يكونون كأنفسنا ويعرفون مانريد، حين نختص إنساناً بأسرارنا فلأننا نثق فيه لدرجة مكاشفته بذواتنا.. كل أسرارانا موقعة بإهداء لإنسان ما، تماماً كمجموع الخبرات التي حصلنا عليها بتواقيع الآخرين.. نعطي من قلوبنا من يحمي قلوبنا، من يكون دماً لها لكي تنبض. إذا لم نجد في واقعنا القلوب النابضة فمن الصعب أن نجدهم في قائمة اتصالات أو قائمة بريدية.. ولو وجدناهم فهل سيحققون فعلاً القرب لنا لدرجة تبعث الدفء في قلوبنا؟

(الصورة بعدسة: رهف الشبل)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

جبال ورمال..

16/5/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 7:00 مساءً

ليس بسر محبتي للحياة البرية البسيطة، محبتي لليل، والغنم، والهدوء، والكلمة الطيبة والشعر على وجه الخصوص.. المدنية تأكل قلوبنا، تتسع المدن على حساب أصالة وبيئة سليمة، تماماً كما تتسع مساحات التأثير في قلوبنا حتى لايبقى من صفائها إلا مساحات متناثرة طالتها يد التغيير والترميم.

كنت بالأمس أحب الجبال وأرى نفسي صقراً في سمائها، اليوم أضفت لحبها حب رمال الدهناء، الكثبان الحمراء المتكسرة والمتكونة هنا وهناك في مساحات شاسعة لا نهاية لها، أراقب مرور الرياح على صفحتها الذهبية حاملة ذرات من رمالها مداعبة لوجهي وناقرة على مقدمة سيارتي. كلما زادت الرمال زاد الحنين لهذه الأرض، لذلك لايخرج منها أهلها، ومن خرج سيعود إليها، لأنها تحتوينا بنعومتها، عكس الجبال التي تربينا بقسوتها فنتفلت منها حين نكبر.

نقبض على ذرات الرمل ونراقب تساقط حبيباتها بهدوء، بينما تتمزق أصابعنا وهي تتشبث بالصخور، نأنس بليل الصحراء بينما نهاب ليل الجبال، المساحات المفتوحة تشعرنا بالسكينة، بينما تتحفز أرواحنا لحركة كل شجرة وظل كل صخرة.

المدن تقتل إحساس السكينة والتوثب، نعود ممزقين من طعنات اليوم لنتجرع سموم التكييف والغرف الضيقة، اللون اخضر والأصفر ليس سوى خربشات تشكيلية في لوحة فاسدة، أفسدت ذائقتنا. سكون الليل، ونشاط الفجر، وحركة الحياة من حولنا تتغير في المدن.. يحل مكانها صخب الليل وموت النهار وسوء الطباع وتوتر الأخلاق.

درجات الألوان في الطبيعة لاتقارن بأذواق الألوان الصارخة في المدن من حولنا، حتى القيود ملونة بألوان مستوردة لاتمثل ثقافتنا، لاأعرف الأسماء ولا الصور، أسير في الشوارع أسيراً لخطوطها البيضاء والصفراء وإشارات المرور وسيارات ساهر المنشترة على جانب الطرق، أتوقف أحياناً لأستلقي على الرمل وأغمض عيني، ولكن صخب الشاحنات ينتزعني من المكان ليطوح بي في الهواء كريشة مزقتها الرياح ومزقتها الكواسر من جناح عصفور ضعيف.

أجمع شتاتي وأعود لسيارتي استبدل الأصفر الذهبي بالأسود الممزوج بعرق العمال وتعبهم، ويومية لاتكاد تكسوهم ثياباً نظيفة.. وأتطلع لكل ناقة تقف تراقبنا وأفكر، هل تبكي لنا؟ أم تتعجب لصمتنا وبقائنا في القيود السود الممتدة من روح إلى روح.

وأنتظر الليل بفارغ الصبر.. لاأنس لي في المدن، على الأقل بقدوم الليل ينتهي يوم من عمري، وأنتظر التحرر القريب.

(الصورة بعدسة: عبدالله البلوي)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

رسالة إلى مهند..

15/9/2011م

شقة جاري (الصالة).. الساعة 12:30 مساءً

يسألونني عنك يا مهند.. من تكون؟..

قلت لهم رفيق درب.. غريب مثلي.. يشعر بنبضي وتمتد عروقه في جسدي.. جمعنا المبدأ.. الغربة.. الحزن.. الشوق.. الحب.. حر من الأحرار.. أصمتته الأيام، وليس أول من صمت.. دار بيني وبينه حوار ولم يسجل ولم تحفظ منه نسخة.. والا كنتم ستقرؤؤن الألم وتسمعون صراخ الشوق في الحروف الصامتة..

من لي بمثل مهند؟ يقرأ في صمتي تفاصيل الرواية.. ويضم بقايا ثيابي المضمخة بعبير الشهداء وعبير القذائف.. نترافق فوق سيارات الدفع الرباعي في جبال لم يثبت فيها سوى الرجال.. كل الحياة تختزل معهم.. لم يبق منها سوى حقيبة خضراء وثلاث علب تونة وأربعة شواجير ودفتر وقلم..

جسدي مقيد بالأرض.. لكن روحي تجري تصرخ.. تتعلق بالقوافل المغادرة إلى السماء.. تتجمد الدموع في عيوني من برد القلوب.. وتحترق الأرض من تحتي من ألم المجاهدة.. أتعثر وأقف وقد تمزقت ملابسي وتمزق كفي وأمسح دمعي بيد مختلطة بالدماء والتراب.. وأعود إليه لأقرا في حروفه أخبار الرحلة.. وأودع الراحلين..

وعدت إليك ثانية.. هنا أبكي.. فهل تقرأ وهل تبصر شريط الحب في دمعي؟ هنا أشتاق ألقاكم.. فتحملني وتتركني وأجري في طريق الحب ثانية.. هنا جاجي، سراييفو، ومأسدة رأيناها.. هنا أطوي بصمت سر من أهوى.. أعود إليك ثانية.. أقبل مخزناً بارد.. أضم لصدري الرشاش.. هنا أبكي.. هنا أبكي..

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

أنا وأنت والإبداع

14/5/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 2:50 عصراً

الأفكار الإبداعية صعبة.. كثرت مساحات العمل حتى قل أن تجد فكرة هذه الأيام.. الأفكار تبدأ بخيال واسع وسخرية في كثير من الأوقات، المتميز هو من سيصبر وسيجتهد لتحويل الفكرة إلى واقع. يخلط بعضنا فيظن أن من ضروريات الإبداع الخروج عن الدين. البعض لايخلط ولكنه مقتنع أن الدين متحجر لايصلح للتطوير، وأعتقد أن السبب في ذلك يعود إلى:

  1. عدم معرفة الدين بالصورة الصحيحة التي تجعله يعمل على أدواته فيستفيد منها في تطوير فكرة في حياته.
  2. أنه يخلط بين المنهج والسالك، بمعنى يخلط بين المتدين والدين، فيحكم على الدين بالجمود من خلال تعامله مع أشخاص لايقلون عنه علماً بالدين.

النظرات العامة لاتصلح لكل الأحوال، وبالرغم من وجود الكليات التي يتعامل بها الناس إلا أن هناك مايشذ عن القاعدة، فمثلاً الأصل في الإنسان حسن الظن، ومع ذلك فالحكم بالقرينة معتبر شرعاً.. أي أن حسن ظني لايعني تسليمي المطلق بأفعال الناس، “لست بالخب، ولا الخب يخدعني”.

التبرير في علم النفس أسلوب دفاعي.. أي أسلوب انهزامي بلغة أخرى، ولايكفي التبرير لإقناع الناس بتميز مبادئنا، التأصيل هو الحل، أي وضع القواعد الكلية للناس من أحسن فلنفسه، ومن أساء فعليها.. لي زميل درس الهندسة المعمارية في إيطاليا، يحدثني أنه ركب سيارة نقل عامة في يوم من الأيام وفجأة هجم لص على سيدة مسنة وخطف حقيبتها وفر، وحاولنا أن ندركه ولكنه كان أسرع منا.

وبين همهمات الركاب وتذمر السيدة المسنة قال صديقي: ينبغى أن تقطع يد هذا السارق، فأيده الجميع، أعمارهم مختلفة، ولكنهم شهدوا الموقف فاتخذوا القرار نفسه، كذلك هي أمور الدين، منطقية سيقبلها الجميع لملائمة الفطرة، البعض ينظر للحدود على أنها قسوة وتشويه للمجتمع وعناصره، ولكنها في الحقيقة حماية له من مخاطر داخلية لن تتوقف عن العبث مالم تواجه الإجراء اللازم. لاداعي لأن نبرر كل شي، هذا دين له ضوابطه، تماماً كسيادة فرنسا وجرأتها في منع الحجاب باعتباره حق لها، كذلك الدين له تشريعه، يقبله من يريد ويلتزم به، ولاينكر علينا أحد لقبولنا بأحكامه جملة وتفصيلاً.

 

(الصورة بعدسة: سديم البدر)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

علامات

 13/5/2011م

شقة الشباب (المجلس).. الساعة 10:00 مساءً

لا أدري متى كسرت نظارتي بالضبط.. ولكنني أتذكر أنني قررت وقتها بكل هدوء ألا ألبسها مرة أخرى، ولا أراجع طبيب عيون من أجلها. هل كنت أعني تلك النظارة تحديداً أم جنس النظارات عموماً؟! لا أدري في الحقيقة، فقط قررت أن أنسى الأمر وأتعايش مع الوضع الجديد، وهكذا أغلقت صفحة استمرت معي من بدايات المرحلة الابتدائية إلى مابعد الجامعة والعمل. منتهى العناد، وعناد بارد في الحقيقة لم يهتز لي رمش وقتها، تعايشت مع الوضع الجديد لا أذكر إذا ماأصابني صداع أم لا، فقد قررت كذلك ألا أتناول أي مسكن أيضاً.. وربما أكون قد تعبت في البداية في تحسس موضع النظارة فوق أنفي، أو تعبت من شدة التركيز، ولكنني لم أهتم بكل هذا.

هذه الأيام بدأت علامات الشيخوخة تظهر علي، أبعد أصابعي عن وجهي لأتمكن من رؤية أظافري لأقصها، مع التركيز وتصغير عيني لأرى بوضوح، أرى الأشياء البعيدة، ابتسمت، تفائلت خيراً.. على الأقل ليس ضعف نظر.

بدأ الصيف.. أو لأقل بدأ شعوري بالحر.. أصبحت أحب الحر.. لم أعد كما السابق، لابأس فالمتغيرات كثيرة من حولي، هذا ليس بالتغير المزعج لكثير ممن يتعاملون معي. هل من حولي مساكين؟ ربما أحتاج لعمل استبيان للتعرف على تأثيري عليهم ومدى سعادتهم بالحياة معي. النظام، المنهجية، الرؤية البعيدة، التنظيم، والرغبة الشديدة في العزلة، والهدوء في التعامل مع بعض المعطيات والحرارة مع معطيات أخرى. ربما تكون فكرة جميلة أطبقها في القادم من الأيام.

هل يمكن أن نجسم الأحداث والأشخاص من حولنا؟ هل يمكن أن نعيد معدلة الإنسان (يعني صياغته بطريقة برمجية) بحيث يمكن تركيب قطعة مكان قطعة؟ قد نرتاح لأننا سنستبدل قطعة مكان قطعة، إنسان مكان إنسان، أفكار مجنونة كما يقول الزملاء.. هم لا يقولونها مذمة، ولكن حين نجتمع ونقرر أن نعمل مشروعاً ويكون مبدعاً نصل لأفكار غريبة، في بعض الأوقات لايمكن تطبيقها ولكن أحياناً تطبق مع بذل جهد متميز. هذه الطريقة ستمكننا من معالجة جوانب سلبية في شحصياتنا للتأقلم مع من حولنا، وقد لاتكون جوانب سلبية بقدر ماتكون موائمة بين المكونات الإنسانية والسلوكية والفكرية للصورة التي نسميها الحياة.

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

منهجية

10/5/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 7:40 صباحاً

لم أكن أنتظر قرآءً لصفحتي هذه.. كانت مني إليّ فقط. ولماذا سجلتها؟ لتراها نفسي.. فهل كل قارئ نفسي؟

كاتب لم يفهمني.. وآخر احتار فيّ.. الغموض، الحيرة، الصعوبة، هذه أوسمة نلتها في عالم الشبكة العنكبوتية.

أصبت بالزكام منذ يومين، أعلم ماذا ستقول، لا.. لم أذهب إلى الطبيب.. وأعلم أيضاً فيم تفكر الآن، عنيد، مهمل، لايهم، لن أذهب.. وهل كل وعكة تستعدي طبيباً؟

أنا غير.. هذا تعليقها في هذه الساعة، هذا شعورها على الأقل ولو لم تقله علانية، الحياة القصيرة تحد من خياراتنا، لاأملك الرغبة في كثير من الأشياء التي يعملها الآخرون، غرور؟!! هي تعلم أنني لست مغرور ولكنني لا أهتم بالاختيارات الشخصية للآخرين، لكل إنسان طريقة، أسلوب، سلوك، ليراجع كل واحد حساباته ويصحح مساراته.. أنا أريد الاستقرار، والاستقرار علمني وضع معايير لأتمكن من اتخاذ القرار الصحيح في الوقت الصحيح.

 لن أجادل في الصح والخطأ، سألتزم منهجيتي، ولكنني سأضع أفكاري.. سأتكلم عنها صراحة، هذا ماأؤمن به، كما أنني أتقبل قناعات الآخرين فأنا أؤمن بقناعاتي، ليس صعباً أن أغير فكرة، ولكن المشكلة من الذي سيلتقي معي في معاييري؟

الدين معياري، الحلال بين والحرام بين، ليست هذه المشكلة، الأمور المشتبهات هي مانخوض فيه ونختلف.. عفواً هل قلت أنه لاتوجد مشكلة في الحلال والحرام؟!! معذرة، فالحلال بين والحرام بين والخوض فيها كثير.. كل يوم تتسع دائرة الحلال، دائرة الحرام تآكلت، وأصبحت دائرة الحلال باهتة، لم تعد ناصعة بينة كما كانت في السابق، ستكتمل الصورة ذات يوم لتصبح الأمور كلها حلالاً.

ينقص العلم الشرعي، والكل أصبح مفتياً، كتبت عن حقيبة الأدوات ذات يوم، لم أكن أتوقع أن تصل الأمور إلى هذه الحالة، كل إنسان يحمل حقيبة إفتاء.. يضع مايريد من معايير ويختمها باسم الدين، يتكلم باسم الله، يضع رصاصة في رأسي باسم الله كذلك. قررت الصمت ولكن صمتي ثورة لم تعجب المتكلمين.. قررت العزلة حتى أنني اشتريت سيارة لذلك.. سأقضي ساعاتي الأخيرة مع أبنائي بين الرمال.. لحظات صفاء في ساعات المدن المجنونة.

لاأشعر بالرغبة في مشاركتهم أطروحاتهم، أمرّ على حججهم الواهية فأشعر بالامتعاض، تفتقر إلى الكثير من المقومات، تملك وسائل نشر ليس إلا، ولكنها لاتملك الشرعية لغياب العلم والمنهجية. مامعنى منهجية؟ اسأليهم مامعنى منهجية؟ وكيف نخطط على أساس المنهجية؟ ابتسمت لهذا السؤال، حتى بعض من أحب أزعجهم حديثي عن المنهجية، ولكن المنهجية هي من تحقق الشرعية وتحدد مسارات الطريق.

يطرأ على بالي زيد بن عمرو بن نفيل رحمه الله، يبعث يوم القيامة أمة وحده، كان يفر من غضب الله.. ويفر من الضلالة، في الأخير قرر التوجه لله لوحده في عالم اختلطت فيه الأوراق، كنت أفكر في الكهنة اللذين يحدثونه، لن تكون يهودياً حتى تنال نصيبك من غضب الله، وفي الرهبان حين يقولون له لن تكون نصرانياً حتى تنال نصيبك من الضلالة!! إذاً لماذا تصرون على غضب الله وعلى الضلالة؟!! سؤال حيرني كثيراً.. ماهذه الشخصية المعوجه! كانت كل الخيارات في يدهم، وكانوا قلة، ومن حولهم كثرة وثنية هي أسوأ حالاً منهم، وبقي مهاجر هنا ومهاجر هناك، عرفهم الإسلام بعد ذلك بحنفيتهم.. أعزّ الناس من عبدّ نفسه لله.

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

لقاء الغرباء

6/5/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 7:10 مساءً

بالأمس التقيت بمهند.. الشي المشترك بيني وبينه الرسائل، كلانا كتب رسائله الخاصة به، ولكن الأدوات كانت واحدة.. كنت أروي بقلمه ويروي بقلمي.. تتشابه الأصوات، الأسماء، الأحداث، الأهداف. لماذا يكتب اثنان بقلم واحد؟ هل يمكن أن تتطابق المعطيات بينهما؟ الطريق يتشابه، والأثار تتشابه كذلك، نتفق في الألفاظ أحياناً، ونختلف باختلاف التجربة والخبرة الحياتية.

أعجبني وصف أطلقه “كنا كالطيور نبحث عن غصن”، وأجبته وقتها “كنا طيوراً من غصن لغصن” لم نكن نبحث عن الغصن لذاته، بل لنقوم بدورنا في الحياة.. تغيب الأدوار في حياة الكثيرين، لماذ لم ننس؟ لماذا حفرت الأيام في ذاكرتنا، بقيت الصور نابضة، الآثار نابضة، الذكريات حية تتحرك. هل سيراها الآخرون ويشعروا بها؟

فكرت هذا اليوم كثيراً في الحكمة من وجودي ضمن الأحداث، ماحدث كان تاريخاً كتب بألف قلم، لكل قلم لغته الخاصة.. كنا العملاء والقتلة، والأبرار الصادقون.. كنا كل شي وكل وصف يمكن أن يطلق.. البعض منا يحمل أوشاماً في جسده غير وشم الذاكرة، مساحة يتحسسها ليتأكد من تطابق الأحداث، الواقع يحمل امتداداً للماضي، في أجسادنا وأجساد الراحلين.. لم أرى في حياتي قبراً ناطقاً يمكن أن تأنس الروح بالقرب منه كقبور الراحلين، حفرت بأيدينا وأودعنا فيها أحب مالدينا.. ابتسم إذا وقفت على القبر وكأنني أسمع صوت صاحبه، أصوات التكبيرات تنطلق لتحملني مرة أخرى إلى كل شبر وكل التفاصيل.

في كثير من الأوقات أغمض عيني لأرى صورهم، أسمع أصواتهم، وإذا فرحت ابتسمت لهم، كل التفاصيل معهم تأخذ واقعاً محسوساً، الأصوات والأشكال والروائح.. هنا رائحة البارود والعرق والغابة والنار والقهوة التركية يعدها عبيدة العجوز وهو يبتسم، لاأحتاج لأغمض عيني لتذكرهم، ربما كنت أغمض عيني لأبتعد عن المحيط المادي من حولي.. قليلة هي الأشياء التي تتشابه عندي، لكل صورة خصوصية ولكل صوت نغمة ولكل رائحة عبيرها الخاص بها. يتمزق قلبي لكل صورة، لكل صوت، ولكل رائحة تمزق بعبيرها ذاكرتي وقلبي ومساحات الظل في نفسي.. اسمع صوت ألم الذكرى كالسكين يمزق أشرعتي، أشعر به حاداً حارقاً.. أجري حتى أسقط شوقاً لهم.. أمد يدي أمسح قبورهم، وحقائبهم.. ابتسم لصورهم ولأطفالهم، أمسح رؤوس أطفالهم وأذرف في أعماقي الدموع على البقاء بعدهم.

لكل منا أدوات يكتب بها، الأحياء والأموات، المدارس والمساجد، المنازل والمقاهي، الذكريات الباسمة هنا وهناك، والخنادق والبارود وجبال ركضنا فيها حتى تمزقت أحذيتنا وتمزقت قيودنا التي تربطنا بالأرض.. حتى في الكتابة نخفي ملامح الأماكن والأسماء، نخاف من كل شي، لازال في أعماقنا الخوف من الحدود والقيود.

في ساعات الانتظار اتأمل مخزون الذاكرة.. مابقي في جعبتي وشواجيري غير حروفي وذكرياتي، أشحن مخازني وأنقل صوري عساها تروي للآخرين شيئاً مما حدث.. لم أعد أقرأ ماحدث بطريقة واقعية.. كل شي تشوهت ملامحه.. أصبح الكثيرون يكتبون مايريدون بأقلامهم وأفكارهم، ثم ينشروه ويتقبلوا الشكر على تجارب لم يعيشوها.

هل جربت أن تدخل محلاً للتصوير فيعطيك العامل صورة أخرى ويجبرك أن تأخذها باعتبار أنها تخصك؟

هل ستقبل في الجوازات أو الأحوال المدنية لو قدمتها وهي ليست لك؟

إذاً لماذا يصرون على أن نحمل جوازات وصوراً ليست لنا!! يضعون صورتهم الشوهاء ويقولون هذا أنتم..

 

(الصورة بعدسة: ريان المنصور)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

صدق

4/5/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 10:00 مساءاً

صَدَقَ، يَصْدُقُ، صِدْقاً، فهو صَادِقْ..

الصدق في التعبير لايعني أن تقول شيئاً يخالف المحيط من حولك، وفي الوقت نفسه فالتعبير بصدق عما تريد يحتاج إلى شجاعة، فبلا شك ستجد من يرفض الفكرة وقد يعاديها. حين تتبنى مبدأً تحتاج إلى الصدق، وفي الغالب فالمبادئ المتحركة تثبت أصحابها إلى الأرض، تبدأ من ثبات العمل، وتنتهي بثبات اللحود.

هل أنا مضطر لشرح كلامي؟ يفترض أن الرسالة لنفسي ويكفي فهي تفهم ما أريد قوله، ثبات العمل أن تمحى كلمة الراحة من قاموسك، فحتى في أوقات راحتك ستكون نفساً حرةً عاملةً، وتنتهي بخروج نفسك في هدوء.

مشكلة الصدق ليست في التعبير، بل في الفهم.. ستعبر بصدق وستفهم بألف كذبة وكذبة.. حروفك التي تقولها تخرج بألف صوت كل إذن تسمعها بالصوت الذي تريد.. جرب أن تنادي إنساناً سيلتفت لك كل الناس من حولك مهما اختلفت الأسماء. حين يسالك البعض سؤالاً تصمت، ليس بحثاً عن إجابة، ولكن بحثاً عما في رؤوسهم، كيف تعيد الكلام لهم دون أن تخسر ودون أن تتضرر..

كل الكائنات تعبر بصوتها، يمكنك أن تدرس سلوكياتها وتعرف ماتريد، الإنسان لايعبر بصوته، يعبر بألف صوت وصوت، من يملك القدرة على التعبير المستقل سيخرج من المسابقة في الجولة الأولى، يبقى الأعيّاء منا فقط، من تهتز المنابر من فراغ كلماتهم، أصواتاً كالملحمة، ولكنها مجرد أصوات.

جرب وحشة الليل في الجبال، كل الأشياء من حولك تتحرك، وتشعر بفراغ في صدرك، تتمنى أن يضيق صدرك ليضم قلبك وتشعر بالأمان، وتغمض عينك ليقوى قلبك، تنظر إلى النار المشتعلة أمامك.. الألسن المتراقصة باردة تكاد تتكسر كالزجاج، وتعود لتغمض عينك ثانية، ولكي تكون صادقاً ستقوم بالفعل نفسه في كل مكان.

المشكلة في الصادقين أنهم ثابتون، يدرس الإنسان المتغيرات ليس ليتغير ولكن لكي يتبنى الثوابت..

 

(الصورة بعدسة: هناء الجنيدل)