التصنيفات
رؤى

البيادق

 8975858457_5b57350069_z

كتبت سابقاً عن الشطرنج.. ليس من حيث الحل والحرمة وإن كانت هي الأصل، ولكن من ناحية أخرى هدفت من خلالها العيش في آفاق تربوية تأملية. وقد لقي الموضوع صدى متبايناً في نفوس الكثير.. فعاش البعض في آفاقه وبقي البعض يفكر ويعيد النظر في المعاني، فيصل لأمور ويبتعد عن أخرى ويتقلب في رحال الموضوع.

اليوم أعود ثانية للشطرنج.. ولكن ليس للرقعة بل للبيادق، أي لاعبي الرقعة. فإن كنا قد قلنا أن حياتنا تشبه رقعة الشطرنج في بعض جوانبها فإننا من ناحية أخرى لابد وأن نكون بيادقاً نتحرك ضمن إطار الرقعة.

الحركة المختلفة للاعبي الشطرنج تغطي الحركات المحتملة لدينا.. فالمسير البطيء الثابت في المقدار والاتجاه.. أو الوثوب في حركة جانبية وتخطي كل العراقيل.. والمشي بشكل قطري وضمن إطار واحد ثابت في الشكل والمضمون.. والحركة الحرة في كل اتجاه وبأي مقدار.. كل هذه حركات سنراها من خلال أقل معرفة ونتعرف عليها وعلى نتائجها.

–       يمثل الجندي أقل التحركات.. إذ يتحرك في اتجاه واحد وبخطوة واحدة. ولكنه من خلال هذه الحركة توفر لنا:

* التغطية لمن بعده من البيادق القوية.. وهو بهذا يعطي صورة للتضحية في واقعنا، نتعلم من خلالها نموذجاً متميزاً للجندية المنتجة المضحية. فما ضر أن يتنازل من أجل بيدق هو في الحقيقة أكثر نفعاً.. وما ضر أن يعترف بأنه أكثر فائدة.

* التقدم وإحراز النتائج.. وامتلاك مربعات جديدة، وإضافة حدود جديدة لي.. فعلى الرغم من البطء والمحدودية إلا أن التأثير موجود.. فلا يحقرن أحد دوره في الحياة.. فالكل يعمل، والكل يبذل.. ولو كان البذل يسيراً فإنه سيثمر.

بل ربما تزداد الثمرة بوصول الجندي إلى آخر الرقعة.. وهنا تنتهي مهمته.. وتكتمل رسالته.. ويصل لدرجة أعلى من البذل حين يعيد إلى الساحة بيدقاً آخر يكون قد أصيب في مرحلة من مراحل اللعبة وخرج، يعيده ليواصل العمل.

* القضاء على بعض بيادق الخصم.. ليمهد حركة البيادق الأخرى التي تقف بجواره.. ولينهي تحركات خصمه.

وبودي أن نتأمل في الرقعة.. فلكل حجر دوره في المعركة.. وبينما تقف البيادق الكبيرة في الخلف.. نجد هذا البيدق قد وقف شاهراً رمحه في وجه عدوه.. ضاغطاً على أسنانه في عزيمة وإصرار.. وباذلاً في صمت نتعلم منه.

–   ونرى القلعة قد احتلت أطراف الرقعة.. وبحركة حرة غطت الأمام والجانب.. موفرة حماية لبقية البيادق ومشكلة خطراً يعرفه أهل اللعبة.

–   ثم ننتقل إلى الفيل وحركته القطرية الغريبة.. وظاهرة التخصص في الحركة.. وتغطية جانب معين من الساحة.. ومع أن أحدهما يتحرك ضمن المساحات السوداء فقط إلا أن النتائج المشرقة التي يحرزها، وكذلك المصالح التي يحققها تجعله يبقى في مكانه المظلم راضياً.. وكأنه في واقعنا يقول بأن لابد من رجال يعملون في الليل لينام المجتمع آمناً.. كما ولابد أن يعمل أشخاص في الظلام ليحمي الآخرين ولتبصر الأمة النور.

–   الحصان.. لاشي يقف في وجهه فحركته المتميزة تؤهله لتجاوز أي عقبة أمامه.. تماماً كما يحدث في حياتنا.. حيث يستطيع البعض تجاوز العقبات الموجودة.. وهذا التجاوز في الحقيقة يحتمل أن يكون بطريقة مشروعة صحيحة.. ويمكن أن يكون بطريقة أخرى غير شرعية.. ويحكم الأمر هنا إيمان الشخص.. وتؤثر الهمة كثيراً في حياة البعض.. الكل يمكن أن يكون حصاناً.. ولكن البعض يحب أن يبتعد عن الأمور العالية.. ويرضى أن يكون دائماً في الأرض.. فروحه لم تألف التحليق.

–   وبنقلة واحدة فقط نصل إلى الوزير.. ذلك البيدق الجبار، الذي يتحرك في كل الاتجاهات.. فليس لصلاحيته حدود.. فهو وثاب دائماً.. ومصدر خطر كبير.. ولذلك فهو مؤثر، ويستحق بجدارة أن يكون موضع ثقة الملك.

–   وأخيراً نصل إلى الملك.. ومع أنه أقل البيادق حركة.. إلا أنه أكثرها تأثيراً.. فهو الموجه والإداري.. وباسمه تتحرك كل البيادق.. وبنهايته تنتهي اللعبة.

والآن..

رحلنا مرة أخرى مع الشطرنج.. ولو تأملنا قليلاً لوجدنا في كل شي حولنا رابط يدفع لعمل.. ولكن لمن؟ لعالي الهمة..

 

(الصورة بعدسة: Fer Montero)

Creative Commons License
كتاب آت by Abdullah Ali is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.
Permissions beyond the scope of this license may be available at www.aalsaad.com

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..

تعليقين على “البيادق”

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.