التصنيفات
همسات

مساحة الذكريات

8209119616_05dee0bae5_z

قلت لزوجتي بأنه لايوجد ذلك الإنسان الذي نقول أننا لن نعيش بدونه، لن نستطيع الحياة من غيره، لانتصور كيف ستكون الأيام في حال غيابه، في الحقيقة مما يرعبني في تصور العلاقات هو معرفتي بأن العلاقات كلها يمكن أن تنتهي مهما بلغت قوتها.

ذلك لايعني الرغبة في العزلة أو قطع العلاقات بمن حولنا أو الندم على الارتباط، فغيابهم يترك أثراً متفاوتاً من حيث العمق والألم، ولكنها الواقعية التي تجعلني أستمر في حياتي ليقيني بأن الزمن لم يتوقف لحظة الفراق ولن يتوقف أوقات الحزن.

ستشرق الشمس في الغد دافئة كما أشرقت اليوم وأمس، وسيطالبني مديري بالانجاز، وفريق العمل بالتوجيه، ويقف أمامي مراجع غاضب يطلب إنهاء معاملته دون الشعور بتمزق روحي، وسيلح علي أبنائي بمتطلباتهم اليومية، ترى هل سيشعرون بحجم الهوة في روحي بغياب من أحب؟ ربما في حال ارتباطهم بالطرف الآخر سيكون لديهم حزناً خاصاً بهم، ومع قلة المسئوليات سيجدون الوقت الكافي للإهمال في بعض الواجبات أو الغفلة عن مظهرهم الشخصي ولو قليلاً، ولكن الحال معي مختلف فحتى في قوانين الاجازات سيمنحوني يوماً واحداً حال الجنازة لأتمكن من انهاء مستندات الراحل أو القيام بدفنه وتلقي التعازي فيه والحزن قليلاً عليه، ثم سأباشر من الغد، وفي الولادة الحال مشابه تقريباً، ولكنهم لن يعطونني يوماً واحداً لأبكي على فراق من أحب أو حتى لأزور صديقاً عزيزاً أصابته جلطة فشلت أركانه وتمنى رؤيتي كرغبة وحيدة له قبل أن يموت.

إذاً أين عمق محبتنا وأشعارنا وجنونا بمن أحببنا؟ إنها مساحة الذكريات، منطقة في المخ تخزن كل لحظة نرغب في تذكرها أو لانرغب، وتظهر متى ماكان الوقت مناسباً، ومع الأيام يقل تحكمنا في استعراض محتوياتها، نعم نحب حد الجنون، ولكننا للأسف لانصاب به، بل نبقى في قمة وعينا وعقلنا لنحاسب على جنوننا ونتابع القيام بمهامنا، نطمع فيمن نحب ولكننا لن نوقف الزمن لنبقيه لحظة بجوارنا ونجري خلف كل ثانية تقربنا منه، إذاً هي هذه المساحة الوحيدة التي يكون للجنون فنون فيها، نتخيلها بشتى الصور ونطلق زفرة وضحكة ودمعة وشوق مع كل صورة في شريطها الهائل المحاصر لأرواحنا كالأسلاك الشائكة برغم نعومة الكثير من الذكريات.

 

(الصورة بعدسة: Fer Montero)

Creative Commons License
كتاب آت by Abdullah Ali is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.
Permissions beyond the scope of this license may be available at www.aalsaad.com

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.