التصنيفات
رسائل إلى نفسي

وهم الاستقرار

09/08/2012م

منزل أنسابي (الملحق).. الساعة 08:00 صباحاً

أسير في بعض الأوقات في الشوارع الخالية إلا من جرائد قديمة ملقاة بإهمال يعبث بها الهواء.. تثير حركتها قشعريرة في جسدي، وأضم يديّ محاولاً جلب الدفء في ليالي الشتاء الجبلية.. هكذا كنت في طفولتي.. وحين كبرت ارتحلت كثيراً، فلم يبق بحر أو جبل أو صحراء إلا ومررت به إما مقيماً أو عابر سبيل.

توقعت ألا أجد أحداً.. وهذا ماكنت أحتاجه بصراحة.. وقت أقضيه مع نفسي في حديث صريح لايلبسه البحث عن العبارة غموضاً أو يغير من معناه، ثم صدى يوصله كرسائل البريد.. ولكنه قصاصات روح تنتقل لأرواح مهتمة به، تنام مبتسمة في انتظار حلم جميل، أو تتقلب وهي تضرب أخماساً في أسداس علها تجد حلاً أو تتوصل لفكرة تحقق من خلالها أحلامها.

الخطوة الاخيرة في طريق الاستقرار ليست خطوة سهلة.. وقد تكون خداعة في بعض الاوقات، نتوقع أننا مقدمين على خيارات وردية ونفاجأ بها رصاصية داكنة كسماء شتاء يوغسلافيا الملبدة بالغيوم، العاطفة لايعبر عنها باللون الرصاصي، اللون الرصاصي يعطي ايحاء بالسجن، بالشتاء المميت، برائحة الفحم والأشباح المتحركة فوق ندف الثلج المبللة والشارع الموحل والثلج البني المبتل بماء العربات اللاهثة.

وهذي مشكلة نحاول ان نضحك على أنفسنا بإعادة تلوينها، ونأمل بتجاوز عقباتها دون أن ننظر إلى أجندة الشتاء وقائمة المهام التي يجب علينا القيام بها لتجنب صقيعه. في حياتي يظهر اللون الرصاصي كثيراً، لا أقول أنه شيء لايتدارك، فقد أتقنت اللعب بالورقة الداكنة، ولكن لتفاديه يجب أن نتعلم وضع الرؤية المشتركة، أن نوحد القوى لنتمكن من قبول الأشياء والتعامل معها بطريقة صحيحة.. حتى تحت انهمار الثلج يمكن أن نرى بصيصاً من نور في المنازل المبعثرة في الجبال، يمكن أن نرى قطرات مطر متساقطة تظهر مع أنوار السيارات العابرة في الطريق الصامت.

من الفروق في الرؤى للنظرة المادية.. للناس مساراتهم في التعامل مع الاحداث.. النسبية واسعة.. هل ستكون خياراتك ملائمة لمن حولك؟ لقد رأيت الكثيرين يعيشون في أودية متعددة ضمن الخيار الواحد.. بين من يموت متبنياً له، ومن يعارضه حتى الموت، وتستمر الحياة القاسية تجلد هذا في تمسكه، وهذا في محاولات تقبله.

الأمر نفسه من فروق الرؤى وجدته في التعامل مع الشخصيات.. الصامت الراغب في الهدوء، الباحث عن مساحة جديدة من السكينة.. بعيداً عن الصخب اليومي وجداول القطارات المزدحمة والمحطات وضجيجها، هل سيجد الدفء مع شريك محتمل؟

والشريك الجديد المقدم على أعاصير من الاحتمالات ليس وحيداً في الحقيقة، ولكنه سيضطر للوقوف صامداً دون أن يسانده أحد ممن يتعاطفون معه.. سيقف كنخلة تعاند أقوى موجات الريح.. ينكسر منها بعض جريدها، ويغطي الرمل بعضها، فلا تكاد ترى من لونها الأخضر إلا بقايا شاحبة.. مشروع رصاصي جديد.. فهل سيصمد ويعطي نتيجة؟

في هذا الوهم القاسي سنغمض أعيننا مراراً محاولين إرجاع البريق للزهور الذابلة، آملين تذكر الألوان لما حولنا من أشياء، راسمين بالسحاب صوراً كنا نطاردها في مواسم الصيف، أو متخيلين فراشاً وعصفوراً وسنجاباً يطل علينا في خوف وحذر ثم يجري سارقاً من أفواهنا ضحكات سعادة وبراءة مرحبة بالطبيعة.. بل سارقاً من قلوبنا قطعة من نبضنا فلا نشعر بأعمارنا المسروقة المتابعة له.. وننتبه لمنبه شاحنة تمرق بجوارنا ناثرة على ملابسنا المبللة ثلجاً متكسراً وماءً جامداً وشي من الألم في شتاء قلوب هاجمها الخريف والشتاء معاً.

 

الصورة بعدسة: جود السعد

 

رخصة المشاع الابداعي
هذا المُصنَّف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي نسب المصنف – غير تجاري 4.0 دولي.

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.