التصنيفات
تربويات

عصاة.. ولكن بررة

–       أحمد الله أن الله ربي.

–       …..

–       لأنه لو ترك حسابنا على الغير لضعنا.

بهذه البساطة عبرت عما في نفسي.. فمن غير الله يقبلنا؟ من غير الله يتجاوز عنا؟ من غير الله يرحمنا؟ تأملت في مجتمع الصحابة وكم عشقت ذلك المجتمع ولازلت متعلقا به أهفو إليه.

أكان صافياً لم تشبه معصية؟ كلا.. بل إن من تمام كماله أنه كان مجتمعاً بشرياً يحوي كل مايمكن توفره في أي مجتمع.. هذا ليس انتقاصا لهم رضي الله عنهم وأرضاهم.. بل هذا مزيد رفعة في حقهم فلو أنهم كانوا معصومين لقلنا ومن يفعل فعلهم وقد عصمهم الله.. ولكنهم كانوا بشراً وهذا يجعلنا نقف عاجزين أمام شموخهم وعظمتهم.

تأملت في ماعز رضي الله.. شاب يزني ويقام عليه الحد ويقتل. انتهت القصة عند هذا الحد.. لكنها عندي كانت البداية.. ترى هل زنى ماعز رضي الله عنه فجأة وبدون مقدمات؟ كلا بالتأكيد.. تخيلت ماعز وقد استقام وهدي إلى الإسلام.. ثم تأملت حاجته للأنثى.. وتخيلت تلك المرأة التي كنت تمر من أمامه رضي الله عنهما فيفتن بها.. وفكرت فيها وهي المحصنة وهو المحصن.. أي كانت زوجته عنده وبالرغم من ذلك فكر في المعصية تفكيراً قوياً لدرجة أخرجته عن نفسه فوقع ما وقع.. أتلاحظون ما يحدث.. بشر حقيقي.. ثم ماذا يحدث بعد ذلك؟

تؤنبه نفسه.. يلتاع قلبه.. يحس بعظمة ما حدث..

–       يا الله زنى بمحصنة وهو محصن..

–       في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم..

–       وبوجود الصحابة، خير البشر على هذه الأرض..

–       وفي المدينة النبوية..

–       والوحي ينزل.

فتضيق به الأرض، وتضيق به نفسه.. ويفر إلى الله ويسلم نفسه.. يرجو الموت ليحيا.. ليطهر من ذنبه العظيم.. ويشفق عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فيبتعد عنه ويصر على الموت ليطهر وتطهر نفسه.. ثم يرجم رضي الله عنه وجمعنا في الفردوس.

تخيلتم ما حدث.. لم تنته القصة عندي بعد.. تخيلته وهو يرجم أحجار تسقط فوقه تؤلمه الدماء تتفجر، يا الله ارحم ضعفنا.. وهنا يأتيه وسام النبوة.. لقد تاب توبة لو وزعت على أهل المدينة لكفتهم.. عجباً.. لك الحمد يا الله.. في المدينة أبو بكر الذي يزن الأمة.. وفيها عمر الذي يزن الأمة، وفيها كبار الصحابة.. ثم تكون توبة الرجل الذي عصى الله كافية لأولئك الجبال.. أرأيتم الرحمة.. تخيلتم الصورة.. جثة ممزقة، فيها عبرة لكل رجل ألا ينتهك أعراض المسلمين.. اختلط الدم باللحم.. وتبعثرت هنا وهناك.. غطتها الأحجار.. والصحابة يقفون وفيهم خير الأمة.. فيهم من علم الأمة.. فيهم من قاد الفتوح.. فيهم الحفاظ والعلماء.. فيهم أهل الصدقة والصوم والجهاد.. ومعهم خاتم الأنبياء.. ثم يقول صلى الله عليه وسلم أن توبة هذا الرجل تكفي كل أولئك العمالقة.

وتأملت أبي محجن رضي الله عنه.. شاب قوي يفتن بالخمر.. فيشربها.. ويقام عليه الحد.. ثم يشربها ثم يجلد.. في صورة متكررة يمل منها الصالح.. ويتعب معه سعد بن أبى وقاص فيقرر ألا يضيع وقته مع هذا الرجل فكانت المصيبة، أن يسجن ويمنع من المشاركة في الجهاد.

كانت القادسية، وكان السجن، وكان العذاب.. يفوق من سكره ليسمع الخيل والسيف.. يريد النهوض فيمنعه القيد.. يسمع الأصوات فيعجز عن المشاركة.. ترى أي عقوبة هي تلك العقوبة.. رأى فيها ألماً أكثر من ألم السياط.. تمزقت نفسه.. تعذب قلبه.. آه للألم.. فيصرخ مسمعاً الدنيا..

كفى حزناً أن تلتقي الخيل بالقنا ** وأترك مشدوداً علي وثاقيا

إذا قمت عناني الحديد وأغلقت ** مصارع دوني قد تصم المناديا

أترون ما أرى.. أتشعرون بما أشعر به.. من الذي يتألم؟. إنه السكير.. من الذي يصرخ؟ إنه العاصي.. من الذي يجود بدمعه ودمه؟. إنه مرتكب الكبيرة. لم تمنعه معصيته من الحب لهذا الدين والمشاركة.. ثم بصفقة حزينة، وروح منكسرة يعقد صفقة مع سلمي زوجة سعد.. ياسلمى، يا زوجة سعد، أعطني فرس سعد البلقاء.. فوالله الذي لا إله غيره لأن مت استرحتم مني.. وإن حييت عدت إليكم.. أتبكون لما يحدث.. لأن مت استرحتم مني.. نحن إذا ذكرناه ذكرنا البطولة لأنه في عصر غير عصرنا، لكنه كان يرى نفسه حملاً وعبئاً.. إلا هنئياً لكم ياأصحاب الأرواح المنكسرة.. ألهذه الدرجة، موتك أيها الفارس راحة لقلوب.. ويشارك ويعود في قيده ويعلم سعد رضي الله عنه ويغير سياسته فيوقف الحد عنه، ويصعق البطل ثانية.. ووالله لا أشربها أبداً.. كنت اشربها حينما كان يطهرني الحد، أنا الآن فلا.

ما أريد قوله أننا بين هذين النموذجين نرحل..

–       نحمل من الأول حرقة على خطيئة.

–       ونحمل من الثاني ولاء وعملاً لهذا الدين.

لا ادري على أي شي أبكي.. وعند أي صورة اقف.. ومع أي روح أرحل.. كل الذي أقوله أن حمداً لله أننا كنا عبيداً له..

يا عائدا إلى الطريق.. يا غائبا عن المسير.. يا حاملا للمعاصي.. أرايت لخير المجتمعات ماذا حوى.. حوى ذنباً وعودة.. معصية وتوبة.. وهذا ربنا ورب كل شي يرحم ويغفر.. ويعطي ويرفع.. لا يمنعك ذنبك.. ولا تردك خطيئتك.. فقط أقبل عليه.. وأرحل إليه.

(الصورة بعدسة: ديبو)

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..

4 تعليقات على “عصاة.. ولكن بررة”

جيل فريد بالفعل .. كما وصفت وتفضلت ..
ما يلفت انتهباهي أكثر .. ليس فقط عظمة ذلك التواب الأواب الذي استحق منزلة حبيب الله ..!
فالله يحب التوابين ويحب المتطهرين .. والصحابة يجب ان يمثلوا لنا مثالا حيا لهذا الصنف ..
مايلفت انتباهي كثر .. هو كيفية تقبل المجتمع لهذا الذي طيق عليه الحد
اتعجب من ردة الفعل .. اذ انه بمجرد تنفيذ الحد ينتهي الامر .. لأن البغض بغض للعمل لا لذات المرء
.. تلك المخزومية التي سرقت وقطعت يدها .. سمعت مرة انها تزوجت بعد هذه الحادثة !!

ونعيمان رضي الله عنه الذي اشتهر بالطرافة وانه اكثر الصحابة قدرة على اضحاك الحبيب صلى الله عليه وسلم .. واكثرهم مسامرة له .. أصعق عندما اعرف انه هو ذاته الذي كان يطبق عليه حد الخمر فيجلد
في كل مرة امام مرأى الرسول صلى الله عليه وسلم .. ولا بعد تنفيذ الحد مباشرة يجلس مع النبي
ويضحكه فيضحك النبي صلى الله عليه وسلم .. فاذا ما اتى الصحابي في يوم ما وشتمه أثناء الجلد..
يغضب النبي صلى الله عليه وسلم من فعل الصحابي ويعنفه ويقول ، لا تشتمه فإن هذا الرجل يحب الله ورسوله ..!! كيف يجالس النبي صلى الله عليه وسلم رجلا سكيرا !! بل كيف يتقبله في مجلسه ويضحك معه !! لان الامر مرتبط بالطهر .. والنفس تضعف فاذا ماكان الرجل مستورا او نفذ فيه الحد فلماذا نرى تلك النظرات الطاعنة والتي تكون اشد على المرء من الحد .. قد تتسبب هذه الشدة بنفرة الرجل وقنوطه .. وقد نعين الشيطان عليه دون ان ندري ..

جزاك الله خيرا اخي … خواطر هيجت في القلب الخواطر ..

شكرً لكم..

سعدت بوجودكم..

لا أدري عن صحة الروايات التي ذكرتها.. ولكن بلا شك وجود المعصية لا يحلل الإنسان من الولاء للدين..

ليس معنى هذا التهاون في المعصية..

ولكن معناه أنه مهما ابتعدنا فإن هناك مجالاً للعودة..

حين عاد الصحابي لإقامة الحد عليه، لم يكن الصحابي الذي وقع في المعصية..

بل الصحابي التائب الذي يرغب في التطهير..

أي أنه لم يكن عاصياً وقتها، بل تائباً..

ومن هنا زكاه الرسول..

لا أريد الإطالة في هذا الموضوع.. فبالنسبة للصحابة يكفيهم وصف الله لهم: (رضي الله عنهم ورضوا عنه)..

دمتم بخير..

دائماً نجد من قصص الصحابة رضي الله عنهم العبر الكفيلة لان تكون منهج نستقي منه دروس الحياة فكيف لا وقد تعلموا على يد الحبيب خير البشر صلى الله عليه وسلم… فلو خيرت اي زمن أعيش لاختر زمنهم….
بورك قلمكم

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.