التصنيفات
رؤى

نبات الظل والأشجار

 

في مكتبي هناك نوعين من الأشجار، نباتات ظل تزين أرجاء المكان. وأشجار تحيط بالمبنى تعطي شعوراً بالتأثير الزمني. في فخر يخاطبني الرجل الذي أحضرها، يقول: أنا الذي أقنع الإدارة بزراعة هذه الأشجار، كانت كلها عصيِ صغيرة، زرعتها بيدي، وأفرح حين أراها كبيرة، وهو أمر يشير من خلاله إلى مدة خدمته في الشركة، وخبرته التي أكتسبها في إدارته.

في حياتنا الإدارية هناك نوعين من النباتات أيضاً.. نبات ظل وأشجار.. فالأولى شتلات صغيرة توضع لإضفاء منظر يزين المكاتب، قد لاتكون ذات رائحة طيبة، بل ربما لاتعرف أهي حقيقية أم صناعية، وهي لاتثمر فليست للإنتاج، كل الذي تقوم به تغير جو المكان، وهي تستمد حياتها من مصادر أخرى خارجية، فجذورها محدودة الامتداد، تشغل مساحة الإناء الذي وضعت فيه، وأوراقها قصيرة تكون محيطاً صغيراً من الظل.. بل حتى الحشرات قد لاتعيش فيها، لا أدري بسبب العناية الفائقة بها، أم لأنها لاتمثل أي قيمة غذائية أو منفعة بالنسبة لها.

وهي فوق ذلك كله لاتحتمل الشمس، ولا تريد تيارات الهواء المختلفة، وتتأثر بالعوامل فلا تكاد تغير مكانها.

والثانية أشجار ضاربة الجذور، تمتد أحياناً حتى تفسد المكاتب والمباني وبعض مرافق البنية التحتية كتمديدات الماء والكهرباء، وهي بهذا الامتداد تعطي صورة عن خبرات الموظفين العميقة حين لاتسعها مجالات العمل في المنظمات الحكومية والخاصة، تتعامل هذه الأشجار مع مختلف عوامل الجو، تغيراته وتقلباته، وتعطي نوعين من الإنتاج:

– إنتاج غذائي، من خلال ماتطرحه من ثمار.

– وإنتاج لنسميه اجتماعي، وهو إنتاج خدمي يتمثل في الظل.. إضافة إلى نواحي الجمال التي تقدمها.

النوع الأول يشبه تماماً أنماطاً من الموظفين نتعامل معها ونراها ومن صفاتهم:

– أنهم لايمثلون شيئاً أكثر من المنظر اللامع الجميل، الذي يستمد لمعانه وجماله من إدارات أخرى وموظفين آخرين يقومون بتلميعه، وذلك من خلال القيام بعملهم وتقديمه له ليقوم برفعه بنفسه للإدارات العليا، متباهياً بإنجازه، شاعراً بعمق خبرته وأثره في التغيير والتطوير، دون أن يتعب نفسه في تغيير أبسط الأمور أو مراجعة العمل ليتعلم طريقة القيام به مستقبلاً، أو من خلال إضفاء جو المهابة حوله كونه صاحب منشأة أو قريب لمدير أو غير ذلك من الاعتبارات الاجتماعية.

– أنهم لايكونون خبرة، لأنهم لا يعملون، وذلك لأسباب ومنها:

  • لا يحسنون القيام بالمهام. ولا يرغبون بذلك، فطالما هنام من يخدمهم فهم لايحرصون على التعلم.
  • لا يعرفون كيف يحولون المعلومات النظرية التي لديهم إلى معادلات عملية تمكنهم من تنفيذ الأعمال.
  • ليس لديهم الاستعداد للتواضع والسؤال عن طبيعة المهام وكيفية تطبيقها.

– أنهم لا يملكون أمر أنفسهم، فهم كقطعة تنتقل بانتقال الأرض التي أنبتتهم فيها، وقد لايكون انتقالاً بل يكون بحركة قوية للرياح فتذروا رمال الإدارات التي زرعتهم، وتطير معها النباتات المتعلقة بها.

– والنمط الثاني ليس ببعيد عن الإدارة أيضاً، يذكرونني بصنف آخر قابلت بعضهم في حياتي وتشرفت بالعمل معهم، ومن صفاتهم:

– التأهيل القوي، فهم ضاربون بجذورهم في تربة المعرفة يستمدون منها قوتهم.

– الشموخ في مواجهة متغيرات الإدارة من حولهم والتحديات والمخاطر.

– المنفعة التي يقدمونها من خلال النتاج والتدريب، تماماً كتقديم الثمار والظل.

هناك عنصر ثالث يكمل العملية الزراعية، وهو السماد.. وحتى هذا لاتخلوا الإدارة منه، فلو تأملت فستجد نوعاً آخر من الموظفين يلتقي مع السماد في بعض صفتين وهما:

– أنهما يوفران المواد العضوية اللازمة، والتي تشكل قيمة غذائية للنبات والأشجار. فهذا يعطي الغذاء، وذلك يقوم بالتمسح وتقديم الخدمات للتقرب من الإدارة والحفاظ على مكانته.

– أنهما قد يتشابهان أحياناً في إعطاء شعور التقزز، وذلك حسب نوع السماد.

وأخيراً.. اختر لنفسك.. فكن نبات ظل.. أو كن شجرة.. أو كن غير ذلك.

(الصورة بعدسة: أسيل الغنام)

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..

تعليقين على “نبات الظل والأشجار”

اخي العزيز
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حقيقة لا ادري كيف تصل اليك هذه الأفكار وربطها بالأمور الادارية
لاشك أنك عقلية فذة تستشرف البعيد وتؤتي بالثمار
اتمنى لك التوفيق والسداد
ابوحسين

والله سبقنى الأخ ابو حسين فى تعجبه .. ولكن ربما لسبب مختلف ..
مراقبتك لكثير من الامور ورؤيتك لها من زاوية بل زوايا مختلفة عمن عهدناهم ..
ترابط تشبيهاتك وايقاع تشبيهك فيها مكانها الصحيح شىء مبهر فعلا .. سبحان الله

وليس بغريب ما يتمنى كل انسان ان يكون .. ولكن ليس بالامنيات وحدها بل بأفعالنا نكون ..

تقديرى ،،،

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.