التصنيفات
تربويات

من قاموس المرأة

من قال أن المرأة لاتغار!! مهما كانت صفاتها فالغيرة هي أنوثتها إن كانت طبيعية، وسلاحها إن كانت تريد إبراز قوتها ومنافستها للرجل. الغيرة لا دين لها، تتساوى المرأة في هذا بغض النظر عن دينها، لونها، جنسيتها، أو أي معيار نريد أن نضعه.

لاتحاول أن تتعامل مع غيرة المرأة، فهي باب ينهي المحادثة المنطقية، جدار أمام الحاجات مهما كانت مبرراتها، لاتحاول أن تقنع امرأتك بالزواج عليها فهذا لن يكون، ومن تقتنع حالة شاذة لاحكم لها، والأيام في كثير من الحالات ستعيدها للغيرة من جديد.

والغيرة طبيعية، لاتتكلف تغييرها، وهي صفة أصيلة، لها مميزاتها، فالمرأة التي تغار تحب، تحب التملك، تحب الاستقلال، تحب الأسرة، تحب التفرد، المهم أنها تحبك، تحبك حد الألم، تحبك فوق الإيذاء، لذلك قد تضربك، قد تهجرك، قد تقتلك، وبلا شك ستتغير حياتك معها وستظل تعالج جرحاً في نفسها، وفي جدار أسرتك.

حين تقرر التعدد فكر في الأمر، فهناك أسرة جديدة، بيت بتكاليفه النفسية قبل المادية، وهناك جدول مقارنة بين المتحقق من المصالح والمفقود من الايجابيات، زن الأمور بروية واسأل نفسك هل يستحق الأمر كل هذه المعاناة؟!

ستبكي زوجتك كثيراً، سيتأثر أهلها سلباً حتى لو جاملوك، سيفرح البعض شماتة بها، ستتألم لأنها أعطتك واهتمت بك، سيكون هذا تصورها حتى لو كانت مقصرة معك الليل والنهار، ولكنها لن ترى بنظرتك وستضيق عليها الأرض، وستضيق عليك حياتك، بيتك، ونفسك التي بين ضلوعك.

ليست الغيرة وراء كل اعتراض في موضوع التعدد، وبرغم دورها الكبير إلا أن هناك اسباباً اخرى لدى المرأة، نعم ستغار حين تتخيلك تعيش مع أخرى وتقوم بكل التفاصيل التي تقوم بها معها، ولكنها ستكون محرجة من صديقاتها الاتي كانت تقسم لهن عن محبتك لها، وخجلة من أهل كانت تقف معك ضدهم باعتبارك السند الذي ترجع له، وستنكسر أمام شامتة عاذلة حاقدة، وستبدأ تقارن وتشعر بالنقص ولو كانت الزوجة الجديدة أقل منها في مواصفاتها، ولا تلام في ذلك كله، وكله مقبول وله مبرر بلا شك، ودورك أن تحاول استيعاب كل هذا ومعالجته وتصبر علي تبعاته التي قد تستمر لسنين، وقد تفشل كل جهودك بعد السنين ليكون الانفصال.

مع الأيام ستأخذ الحياة أشكالاً جديدة، أيام الفرح يقابلها أيام الشقاء، والأمر بيدك في كثير من الأوقات، لاتحاول استعراض رجولتك في فرض طرف على طرف، ولا تقف مع طرف ضد آخر ، اتركهم يحلون مشاكلهم بأنفسهم، ولكن ضع قوانين السلامة الأسرية، لاتجعل الصراع يؤثر على الأبناء، تفقدهم في اجتماعهم وتحصيلهم وتعاونهم، وببساطة كن صارماً في هذا الجانب وليعش الجميع معك مسئوليته، فالكل مشترك في تربية الأبناء، والمصلحة والضرر هنا ستؤثر على كل الأطراف، ليكن بينكما نداء العقل، والقلب، والدين.

التوفيق من الله قبل كل شي، الأمر ليس بقدرة إدارية، بل بتوفيق من الله ورحمة منه، لذلك كن واضحاً من البداية، لماذا تريد التعدد، لاتحاول أن تلبسه لبوس الشريعة، لاتحاول أن تجد عيوباً في زوجتك، لاتحاول أن تعيش في دور المضطهد المحتاج للصدر الذي يحتويه، قل أريدها لذاتها وكفى.

كن نفسك، لاتنظر لمبررات الآخرين، لاعليك من تشجيع غير متزن، أو تثبيط لايتجاوز تجربة أو موقفاً شخصياً أو رأياً يحتمل الصواب والخطأ، إذا عزمت وكنت رجلاً فأكرم كل الأطراف، واحتمل كل الأبعاد، وعش بهدوء بشعار “إمساك بمعروف، أو تسريح بإحسان”، واجتهد ألا تظلم أحداً، ولو فعلت فاعتذر وعوّض المتضرر.

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

ذكريات

5/6/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 12:30 مساءاً

لي صديق يمني قريب من نفسي، قريب لبساطته وصدق لهجته، أتحدث معه بأسلوب لم أتحدث به منذ سنوات، كلمات الأخوة التي كنت أقولها لمن رحل لم أعد استخدمها، ولكنني معه أخرجها من لفافتها التي لففتها بها يوم أن ودعت آخر قلب في الطريق.

نتحدث عن الحنين للأرض، ولست ممن يحنون للمكان كثيراً، إلا مكاناً واحداً تنقلت فيه في سن الشباب وحملت منه أطيب الذكريات وأقوى الآلآم.. في البداية كنت أفكر بالألم فأهرب منه، ولكن “البيضاء” كانت تتغلغل في صدري دون شعور مني، ووجدت نفسي أستيقظ يوماً لأهرب من الألم إليه، ومن جبال البيضاء القاسية إلى ذكرياتها السعيدة.

هو مغترب مثلي، ولكنني جربت الهوى ولم يجربه، يحسدني؟! لا أدري.. ربما، في بعض الأمور لا ندري أيهما أشد ألماً، أن تعيش الحدث أم تفكر به.

أسمع صوت كلاب تنبح تجري خلفنا، ورجل منا خبير بهذه الأمور يحمل في يده أحجاراً، وكلما اقتربت الكلاب منا رمى حجراً خلفه دون أن يلتفت لها، فتجري تشم الحجر ثم تكتشف أنها خدعت فتعاود الهجوم عليها، ويتكرر الأمر مرة تلو المرة، وهو يخدعها لتعود تطاردنا ثانية، أملاً في لحظة غفلة تهاجمنا فيها وتنهش أقدامنا.

نمر على قرية يفكر أهلها في الغدر بنا، نبيت في سهر وقلق وتعب، ونتحرك قبل الفجر، أسمع صوت الليل وكائناته، ونسمات الفجر تلامس وجوهنا وقلوبنا المتعبة، وأشعر بالشوق لكل حجر مررنا به، لكل نهر قطعناه، لكل جرح أصبنا به.

بعض الحب لايفهم.. لاتدري لماذا يخترق قلبك، يأسرك، ثوب تعلم أن فيه حتفك وتصر أن ترتديه، لأنك تجد فيه الستر والسلامة، يحميك ويحتويك، ويمد يده لينقذك من نفسك ومن جاهلية تحيط بك.

استقيظ في الليل وأنا أردد ابيات غزل، كأنها بكل قساوتها وحقدها وألمها فتاة أتغزل فيها، أرسل لها قصائدي، وأمد يدي أخطب ودها.. لقد جربت الحب، ولم أتمكن من مجارات الآخرين في حبهم، حبي الحقيقي من نوع مختلف.. حبي الحقيقي لرفقاء الطريق، ولتعب الطريق، ولأشواك وأشواق الطريق.

هذه الروح المتمردة لم تعرف معنى الاستقرار إلا في الساحات، في الارتحال بين نقطة ونقطة، في المسيرة والعمل، لم تستقر إلا في غربتها، لم تجد الروح إلا حيث سكبتها، لم تحتضن السماء إلا عندما تخلصت من الأرض، لم تشعر بالأمان إلا حين هاجمت الخوف، إنه ثمن الغربة المعجل، نقبضه في الدنيا قبل أن تخرج أرواحنا، نرى السعادة في صفوف ميزتنا عن غيرنا، في ابتسامة ساذجة لانعرف بأس صاحبها إلا حين النفير.

رعاك الله يا أرضي، سقاك الله من دمنا، من الشوق المعطر بالأريج وبالدخان، يفوح بدربك البارود، يزكمنا ونبسم ملء أفواه تصر على محبتها.

(الصورة بعدسة: ريان المنصور)

التصنيفات
القصيدة

بلاء الحب

أغـاب الـحـب أم عـــظــم الــبـلاء … كلانا يـشـتـكـي وبـــه وفــــاء

أعـاتـبـها وأمـضـي فـي خـيـالـي … أعـانـقـها فـيـأسـرنـي الـنـقاء

وتـطـردنـي وتـرسـل فـي حـنين … وروداً فـي مـلامـحـهـا الـصـفاء

بـروحـي مـن لـهـا عـنـدي مكان … يفوق الـنـجم تحسده السماء

بـلـيـت بـحـبـها ووهـبت نفسي … وأفـديــهــا وإن كـــثــر الـــبـكاء

ومابي من جـنـون الـحب شيء … ولـكـنـي يــعــلـقـنـي الـشقاء

أنا الـقـلـب الـوفــي بـكـل حــال … فــمـعـذرة إذا عــظــم الــبــلاء

قـرأت الــحــب مـمــزوجـاً بعتب … فـعـاد الــقـلـب يـحـدوه الـرجاء

ألا يـكـــفــيـك أنك فـي فـؤادي … دلـيـلٌ للــهـدى، أنت الـعـطـاء؟

زرعت الحب في صدري فجاءت … برسم حروفك الأسمى نــماء

(الصورة بعدسة: بشرى محمد)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

تسويق..

3/6/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 2:49 فجراً

حين بدأت في تدوين رسائلي هذه كنت أجزم بأنه لا أحد سيفهم بعدها سوى (نفسي)، ومن أخبره بتفاصيل الفكرة ممن حولي، ولأنني انشغلت في الفترة الأخيرة وانشغل من حولي بأمور الحياة والعمل والدراسة فلم أصرح لأحد عن أي شي، واكتفيت بالكتابة. كنت أعيش مع النص كقطعة مستقلة لاترتبط بأي شي، كان أشبه مايكون بتقرير أرفعه لنفسي لكي تعرف تحركاتي وأشواقي وأنني لازلت في مجاهدة قوية مع نفسي.

ليس عبثاً تدويني الرسائل لنفسي.. فالأيام تؤكد ضرورة البعد عن الآخرين.. لم أندم على تحويل العلاقات الخاصة إلى علاقات عمل.. ولأنني رجل تسويق فسيكون بمقدوري بإذن الله الوصول لرضا العميل، دون أن يكون العميل جزءاً مني.

من سيكون معك في طريق لايعرف إلى أين سيؤدي؟ ولا لماذا يسلكه؟ لابد وأن يكون قطعة منك، والآن قل لي بربك كم قطعة منك خارج حدود جسدك؟ من المحظوظ الذي يشاركه من حوله كل حياته دون شك في القرارات؟ رايت في حياتي الكثير، ومما رأيته أن الأهداف والمصالح تجمع العلاقات في كل مستوياتها تقريبا، عدا في حالات خاصة حين ترتبط الأرواح بمبدأ واضح المعالم وليس مجرد عاطفة أو كلاماً انشائياً.

ونفسي هي فقط من يقاسمني نفسي.. ويفهم اختياراتي.. ويتحمل تجاربي المريرة.. ويهديني تجاربي السعيدة.

أحياناً (أعتب) لا أقول (أكره) التسويق..

لأنه يضطرني لمخالفة طبيعتي..

ولست ملزماً بالعمل في مجاله.. ولكنه للأسف الشديد مجالي..

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

التصنيفات
أكواخ الظلام

بائع الحلوى

وضعت الصواني في شكل جذاب.. وفي نفس الوقت يدل على تمرس في المهنة، فأصناف الكنافة تجاورت لتعطي صورة شهية ترغم الواحد على الشراء.. وبجانبها البقلاوة وأنواعها.. وفي الزاوية وضعت علب حلوى مختلفة الأحجام على شكل هرم وقد علقت فوقها لوحة كتب عليها بخط نسخ جميل عبارة “العروض الخاصة”.

–          محمد.. تعال ساعدني لننقل هذه الطاولة إلى الخارج.

ويتحرك محمد الغلام الأشقر ذو الخمسة عشر ربيعًا ليساعد والده في نقل طاولة بدت كبيرة جدًا بالنسبة له.. ويرفعها في مجهود ظاهر ليمشي مترنحًا.

التصنيفات
رؤى

الإنسان الهندسي

للرياضيات دور في حياتنا، ليست كلمة عابرة فحسب، بل حقيقة علمية، فنظرة واحدة متأملة للكون من حولنا سترينا الأشكال الهندسية والأرقام في عالمنا، سنعرف من خلال التأمل في المساحات والأبعاد أننا نبحر في محيط رقمي، سرعة الضوء والصوت، المرتفعات والأنهار، اتجاه الرياح والمسافات والألعاب الرياضية والنمو والانحذار وكل حركة وسكنة. لكن بالتأمل سنجد صوراً أخرى من الآثار النفسية والتربوية والإدارية تعلمنا إياها الرياضيات.

فالمتخصص الذي تركزت خبرته في تخصصه يشبه المثلث إلى حد كبير، قوي القاعدة كقوة تأصيله العلمي وخبرته الممتدة أفقياً على مدى سنوات، في جهات متعددة وفي ذات الإدارة، أقرب مايكون له المهندس والطبيب، لكنه حاد الرأس كدقة تخصصه، مالم يكن له مصدر معرفي آخر من قراءة أو ممارسة فيخشى أن يرى العالم من منظوره، وتضيق نظرته عن رؤية الإبداع في تخصصات أخرى، هذا النمط في الغالب قوي معتد بنفسه، محدود الخيارات، محدود الارتباطات، منظم ودقيق في الغالب، أكثر ثباتاً من الدائرة، وأسهل في حركته من المربع، ويديرون المشاريع باحترافية.

الشخصية المربع مختلفة وتفاجأنا بمدى تكاملها واتزانها، بين منهجيات علمية متعددة التخصصات والتشعبات وحركية متعددة الأنشطة والممارسات، لكنه بطيئ الحركة، يعمل على نفسه لزمن طويل وتصعب حركته وانتقالاته بالتالي، يحتاج إلى الاستقرار ليتقن مايقوم به وليستكمل المعطيات، مكانه في القاعدة، يمكن أن يؤدي مع مربعات أخرى عملاً رائعاً ويكونون فريقاً متكاملاً، يصلحون كضباط في قطاعات عسكرية ذوي خبرة تقليدية ممتدة زمنياً، أسهل في زواياه لانفراجها، لكنه حازم ويمكن التعرف عليه بسهولة أكثر من المثلث، ويمكنه تقديم الاستشارات والعمل على تأسيس الأعمال.

صديقنا التالي يشبه المربع، لكنه يغلب جانباً على جانب، بين مهنية متنوعة تستفيد من الجانب المعرفي الممتد في القاعدة، ومعرفية محدودة ولكنها كافية لما يحتاج إليه في مرحلته التي يعمل عليها، لاينكر المعرفة ولكنه لايهتم بالموسوعية، يكفيه من المعرفة مايحتاجه لإدارة المشروع، ويغلب بالتالي جانباً على جانب.

يتكامل مع المربع ويبدوا أقرب مايكون لصديق العائلة، في الصف الثاني قد تستخدم مجموعة منهم لتقليل التكاليف فهم مدراء وسط رائعين.

وبرغم جمال الأشكال السابقة فلابد من وجود دائرة بلا زوايا، تعمل كقائد ضمن الصفوف وتقود الفريق من الداخل نحو الأهداف، فالدائرة سهلة الحركة وتتكامل في الأداء مع البقية، يمكنها أن تتدحرج متى ماصطدمت بها زاوية شكل آخر لتجد مساراً آخر تهيئه لبقية المنظومة ليخطوا طريقهم من خلاله، سلسلة سهلة في حركتها، وبرغم غضب الأشكال الهندسية منها وعدم رضاهم عن سياستها المرنة إلا أنها تفرض مكاناً خاصاً لها، وتعمل كرأس في الغالب، مشكلة الدائرة أنها تضيع الكثير من المساحات في محاولات السيطرة على الزوايا، وسياسة الإرضاء للفريق لن تجدي في كل وقت، ولذلك تترك مايمكن أن يستغل في محاولاته لكسب الجميع، القيادة الداخلية مؤثرة وقريبة كالدائرة، ولكن لابد من أن تهيأ بطريقة صحيحة لتكون إدارة نظامية في وقت الحاجة، ولقربها من الفريق فقد تقوم بعدة مهام وتبدل بينها، عكس بقية الأشكال التي يصعب حركته أو تغير وضعها أو اتجاهها.

لاتحاول أن تكون غيرك، فستخسر الكثير، كن نفسك فقط، وستضيف شكلاً هندسياً تحتاجه المنشأة، من قاعدة قوية كالمربع تبني العمل وتؤسس استراتيجياته، أو صفوفاً وسطى كالمستطيل تدير الأهداف المرحلية، أو مشرفين يقسمون العمل ويوجهونه كالمثلث، أو دائرة تقود الفريق وتقف معه شاقة الصفوف دون قيود الزوايا.

(الصورة بعدسة: ريان المنصور)

التصنيفات
رؤى

شمس الأصيل

 الحياة تمضي كاليوم، تبدأ بالشروق، وتنتهي بالغروب، واليوم يمر بما تمر به الحياة من ظلام يشقه الفجر، ومن هجير يحرق القلوب والأرواح، ثم برود آخر، نسمات يأنس لها الإنسان المتعب خلال مسيرته، فصقيع يجمد العواطف.

الشمس في الصباح صغيرة، مضئية لامعة، كالشاب المنطلق المتقد حماساً، يرى كل شي فرصة ليشرق عليه ويلهبه بعزيمته، عكس شمس العصر التي هذبتها الحياة فخبت شعلتها واكتست اللون الأصفر واصبحت أكثر دفئاً وقرباً من الناس.

تبدو الشمس متعبة باهتة، من خلال خبرتها تعلمت أن تهب الناس دفئاً ونوراً، علمتها انكسارة الظهيرة كيف أن الأيام تدور، وأن الدنيا لا تدوم.

شمس العصر أشبه بالأم، تراقب أبنائها من خلال أستار الغيوم، ومن خلال الشفق، ثم تلقي في رحمة ردائها الأخير على الأرض التي تستعد لمواجهة الليل البارد، تصر أن تبقى معهم لآخر لحظة، حتى بعد سقوطها خلف الأفق.

الشباب لايتعلمون، ستشرق شمس الغد بنفس القسوة، مبهرة منطلقة تشق السماء، لاتعطي فرصة لأحد لكي يراقبها، بمجرد ارتفاعها تمارس قسوتها، بينما تعود ف يالمساء وهي صامتة، تراها تفكر فيما جنته طوال يومها؟ ترى هلهذه الغشاوة التي تكسوها بقايا دمع سكبته حين فهمت مافعلته؟

شمس العصر كالأم الكبيرة، تراقب أبنائها يعودون إلى منازلهم، تبتسم لأحفادها يجرون هنا وهناك، تضمهم في دفء لتشعرهم بالقوة، تتذكر أيام الصبا، كانت تحرقهم بسياطها، يجرون أمامها في كل مكان خوفاً من التأخير عن مدرسة ووظيفة، الظلال المنكسرة تشي بمشاعرها الممزقة، ستفارقهم بعد قليل.

تضعف الشمس حين تكبر، لم تعد تملك خاصية الإحراق والتبخير، يقف الغبار والسحاب الصغير حاجباً لها، كانت عنيفة في شبابها، تصليهم بلظاها لترفعهم لطبقات الجو الباردة قبل أن يسقطوا ثانية مشتتين على الطرقات، وتلبس في فخر تاجها الملون بألوان الانتصار.

وفي نهايتها تنزل الشمس لتكون بمستوى نظر الناس، قريبة منهم، يلامسها الأطفال بأصابعهم الرقيقة، قبل ساعات كانت متعالية لايستطيع أحد أن يرفع راسه ليراها، ولو حاول تحرق عينه فيغمضها في استسلام، مع الأيام نتعلم أن نكون متواضعين.

 

(الصورة بعدسة: سومار أحمد)

التصنيفات
قبور الياسمين

قافلة الجرحى

مشينا في الجبال.. إذا تعودت المشي لن تشعر بالتعب.. كنت أشعر بالتعب لو جلست.. رأيت الكل يبتسم برغم ألمه.. كل هذه الأوجه ودعتها فيما بعد.. كان أميرنا رحيماً يبتسم لألمنا وأشعر بمشاركته لهمنا.

بات طابع الرحلة غريباً.. تضحك على الإصابات، وتأنس بهذه القافلة المجروحة.. أتذكر وجه أحد الأنصار.. أصيب بضربة على وجهه فكسرت نظارته، وتورم أنفه.. كان يضحك على نفسه، كلما نظر في المرأة.. تورم وجهه أكثر فكان يبتسم مشيراً لأنفه.

للألم سعادة تفوق ذات الألم متى ما أمتزج الألم بالمبدأ.. تودع إخوانك فتألم لأنك تركتهم وتسعد لأنهم قضوا في الطريق.. تصاب فتألم وتفرح لأنها في سبيل الله.. ترحل فتفرح وتحزن، تألم لترك أرض الجهاد وتفرح لأنك لم تتورط في قتل أخيك.

عند المغيب لاحت لنا مدينة في الأفق.. دخلناها مع بداية الظلام.. توجهنا لبيت هناك.. كان واسعاً لم يكن بيتاً بقدر ما كان قلعة.. قالوا لنا أن هذه القلعة قاومت المعتدين كثيراً.. ارتحنا فيها وتناولنا طعاماً بسيطاً ونمنا.. لم نكن بحاجة للحراسة فقد تولى أصحاب القلعة الحراسة عنا واطمأن الأنصار.. وبالرغم من ذلك لم أستطع النوم. وأخيراً لاحت رايات المجاهدين.. بدأنا نكبر واستُقبل الجرحى بفرح.. أخذوهم إلى العيادة وذهب الأمير مع القيادة وبقيت أنتظر..

–        قيل لي: ستذهب إلى مكان آخر.

–        لماذا؟

–        تحتاج لبعض التدريب..

–        ولكنني مستعد من قبل.

–        لا بد من هذا الإجراء ستنفعك المراجعة.

رحلت مع الصباح مع مرافقي.. لم تطل إقامتنا في المنطقة الجديدة.. تعاون معنا الأنصار هناك.. كنا نريد الانتهاء بسرعة، وعدنا ثانية لبقية القافلة.

الأيام تمر.. أصيب البعض وقتل الكثير.. وزاد العدد.. أصيب صاحب الأنف المتورم مرة أخرى.. كنت قريباً منه وقتها، حملته وجريت.. ألقيت بنفسي خلف صخرة.. نظرت إليه  كانت إصابته خطأً هذه المرة، الإصابة منعت جنبه من التحرك.. وكان لا يزال مبتسماً.

–        كيف تشعر؟

–        ابتسم وقال: بخير.. انتبه للبقية.

نظرت حولي هناك مصابون آخرون.. كانت القذائف تمنعنا من الحركة.. والرصاص كالمطر..

–        قلت له: دعني أذهب.

–        إلى أين؟

–        سألتف من خلفهم.. وأحاول مفاجأتهم.

 

قبور الياسمين

(الحلقة السابقة: راحة> يتبع > الحلقة التالية: رجل ومطارات)

 

(تصميم الصورة: هنادي الصفيان)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

شيخوخة

2/6/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 3:47 فجراً

بالأمس كتبت عن الشعرة البيضاء الخجولة في ذقني، تبدوا كئيبة حتى أن اللون الأبيض ليس صافياً كعادته عند الأخرين، وكنت أظن أن الشيب أبرز علامات الشيخوخة، ومع أني (بشهادة الجميع) لازلت في عز الشباب إلا أنني توقعت أن أشعر بالفخر كوني كبرت وأصبحت شيخاً، لا أدري وقوراً أم لا فقد بدأت أعمالي الخاصة في هذا السن ولبست ثياب الشخصية المهنية العاملة الكادحة.

من قال أن الشيب أبرز علامات الشيخوخة؟ قالت لي زوجتي أن فاطمة (العاملة المنزلية) أخبرتها وهي تهمس بأنني لم آكل شيئاً بالأمس عدا السلطة، ثم قالت لها بأسلوب النساء حين يسرون شيئاً لصديقة قريبة يبدوا أن (بابا) كبر في السن ولم يعد يشتهي الأكل. حتى أنت يا فاطمة!! لم أشعر بموضوع السن قدر شعوري بكلامها، ربما لأنها شخص غير متوقع، بمعنى أننا لانلاحظ من حولنا من العاملين في بعض الأوقات ولانتوقع أن يكون لهم نظرة وفراسة.

ذات يوم ذهبت لسوق الخضار، ولي عادة في التعامل مع أصحاب الخدمات (العربات) في المنطقة، وهي أنني أعطي الذي لايشترط تسعيرة معينة للعربة أضعاف القيمة التي كان يحلم بها، إضافة لأمور أخرى عملتها كمعايير للتعامل معهم.

قلت لصاحب العربة كم تريد؟ قال الذي تعطيني سأقبل به، قلت أعطيك ريالاً واحداً، تقبل؟ قال اقبل.. قلت سر بنا على بركة الله، حين انتهيت من التسويق وقفت أمامه وأخرجت ريالاً وأعطيته اياه فابتسم وقبله وشكرني، فأخرجت مبلغاً آخر أكبر من أجرته المعتادة وأعطيته اياه، فابتسم وشكرني وأخذه، ثم قال أنا أعلم أنك ستدفع، قلت لم؟ قال لأنك شخص طيب، قلت ما أدراك أنني طيب؟ أنت لاتعرفني، وأتوقع أنك ستقول هذا الكلام لكل العملاء. قال لا، أنا أعمل هنا منذ اثنتي عشرة سنة، وأعرف من يدفع ومن لايدفع.

انتهى اللقاء، ولكنه تركني أفكر في كمّ التجارب الإنسانية عند هؤلاء، وخبراتهم التراكمية في الحياة، لماذا ندرس أنماط الشخصية التي وضعها علماء النفس أو الاجتماع أو التسويق ولا ننتبه للطبقة العاملة التي تحتك بأنماط البشر كلها وتراهم غالباً دون أقنعة، دون رتوش، فمعهم لايوجد عبارة (طال عمرك) (سعادتك)، هم ببساطة من يعرينا في كثير من الأوقات من كل الاضافات ويرون الحياة الحقيقة لنا.

لأمي حفظها الله (وهي أكبر مني سناً بالتأكيد) عادة مع العاملين والعاملات، فعامل النظافة يكلف بمهمة أسبوعية تعطيه مقابلها مبلغاً، والعاملة واحدة من البنات (حسب تعبيرها)، وتعني بالبنات أخواتي، فتضعها في الجدول معهم شأنهم شأنها. بل ربما قالت للبقية (وقد قالت بالفعل) انتبهوا لبنت الناس، استحوا وقوموا ساعدوها، اتقوا الله فيها، وهكذا تنال العاملة حظاً من المعاملة والراحة لاتناله الأخوات، لأنها غريبة، ولأنها ضعيفة، ولأنها يتيمة (حتى لو كان أبويها أحياء)، ولو رفضت العاملة أن تجلس في غرف البيت شان البقية تغضب أمي فمكانها في المنزل يساوي الأخريات، أو لتذهب إلى أهلها. وهكذا تجد لكل إنسان مكاناً في قلبها الكبير، وأجد نفسي محباً للسير في أثرها فأعامل الناس بأسلوبها، وأزيد عليها التأمل في حياتهم وتجاربهم.

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

التصنيفات
رؤى

أصابع

– الناس كالبصمات.. يختلفون بالرغم من تشابه الخطوط..
– الأنماط البشرية محدودة.. نحن نماذج يعاد تكررها.. كأصابع اليدين..
– لكل شخصية نظير.. قريب منها في الشكل ولكن قد تختلف الاختيارات.. كالإبهام الأيمن والأيسر..
– البشر يحبون الفضول.. كالأصابع تقف متراصة حول راحة اليد الفارغة..
– البشر يحبون القيود والزحام.. كارتباط الأصابع بالكف..
– ظاهر الأصابع قاس كعلاقاتنا بالآخرين من حولنا..
– الراحة الناعمة قد تتسبب في صفعة مؤلمة..
– نصافح الآخرين حين نقابلهم.. تحاول الأصابع تكوين علاقات وكسب حلفاء..
– حين تنفر من إنسان ترفض الشد على يده.. تكتفي بملامسته لأن هذا أقل في الإرتباط..
– مهما تشابكت الأيدي لابد أن تنفصل في النهاية.. لكل كف امتدادات لانراها.. سيرحلون ذات يوم..
– الهوية شي ثابت كالظفر.. جزء منا يعطينا المنظر والأمان.. الانسلاخ منه مؤلم..
– بعض المتغيرات كطلاء الأظافر.. قد تغرينا لكنها دخيل يجب إزالته في وقت ما..
– في النهاية.. يبقى لكل كف أصابعه المرتبطة به.. كالأسرة من حولنا..

 

(الصورة بعدسة: رهف الشبيل)