التصنيفات
القصيدة

أنت النور.. أنت الروح

ضعي فرشاة أسناني..

ضعي ثوبي..

ضعي عطري..

وأبياتٍ من الشعر..

ضعي قمحاً يذكرني..

بجود عطائك الممتد..

في أرضي..

ضعي نوراً لكي يهدي..

بلج البحر أشرعة..

يمزقها عنا سفري..

ضعي يا شيخة الأمجاد..

قرآناً..

وتأريخاً..

فمنك النور يغمرني..

بظلمة ليلنا يضوي..

أيا أماه أفديكِ..

يذوب الشعر من وجدي..

ولي عذري..

فكل قصائدي تبكي..

حياءً من معانيكِ..

رأيت النور منطفئاً..

فحيرني..

وآلمني..

وأخبرني بأن الشمس قد كسفت..

وأن الأرض قد ذبلت..

وكل الكون مندهش..

يحن لكي يلاقيك..

أيا أماه..

أعياني فؤاد غاص في التيه..

وأنت الدرب يا أماه..

عودي كي أناجيكِ..

وقولي أنني طفل..

فكل طفولتي ضاعت..

وتاهت في مغانيكِ..

أيا أماه..

هذا القلب محترق ويبكيكِ..

فأنت النور..

أنت الروح..

أنت الحب.. أفديكِ..

 

(الصورة بعدس: ديبو)

التصنيفات
همسات

أبي

أبي

منذ أن رحلت افتقدت هذه الكلمة.. أبي.

أشعر بالحنين إليها.. وأشعر برغبة في أن أقولها.. ولكن لمن؟

بالأمس ذهب معي ولدي.. تذكرت عندما كنت أذهب معك.. أمسك بإصبعك.. أسألك عن كل الأشياء.. أتلفت هنا وهناك.. تبتسم لي حيناً وتوبخني حيناً.. ولكن كنت أحس بحبك.

أتذكرك في المنزل.. صمتك، هيبتك، وجلوسنا حولك.. وتحاشينا النظر إلى وجهك.

أتذكر عندما كنت أريد شيئاً.. ضحكت من نفسي.. كنت أخاف أن أطلب منك، مع أنك لم تكن تقول لي شيئاً.. كنت أسأل أمي.. كنت مهيباً يا أبي.

أبي.. أحن لهذه الكلمة.. لو كنت حياً فسوف أبكي عند قدميك..

سوف أقبلها وأضمك لأضع رأسي في صدرك..

سوف أغمض عيني وأنام..

سوف أتدفأ في حنانك..

أشعر يا أبي بقسوة الدنيا.. نعم لا تخف.. لازلت رجلاً كما أوصيتني.. لا يرى الناس مني سوى البسمة.. ولكن كنت أعطيهم البسمة وأخذها منك.. واليوم أعطيها ولا أجدها يا أبي.

أنظر لطفلي.. سيفتقدني يوماً ما.. لا أدري متى، ولكن بالتأكيد سيفتقدني.. ربما لن تكون لديه الكثير من الذكريات عني.. أما أنا ففي ذاكرتي كنوز الذكريات..

تذكرت يوم أن كنت تضربني.. لم تكن تضربني كثيراً.. ولكن كنت أنتظر يوم الضرب هذا طول السنة.. خوفي كان يمنعني من أمور يراها غيري عادية ولكن هي التربية.

أبي.. أحبك.. نعم أحبك.. وأفتقدك..

أحب كل شي فيك.. تقول لي أمي أنني أشبهك في بعض الأمور.. أشبهك في مظهرك.. أشبهك في غضبك.. واليوم اكتشفت أنني حينما أمشي أقلد مشيتك.. لو علمت أمي بهذا ستضحك علي كثيراً.

أتذكر يا أبي صمتك.. وتربيتك بالنظرة.. كنت أهابها ولكن تعلمت منها.. ربما لهذا لم تكن محتاجاً إلى ضربي كثيراً.. الحر تكفيه الإشارة هكذا كنت تقول لي.. ابتسامتك المشرقة ياأبي أتذكرها.. أفتقدها أيضاً.. وافتقد دفء يديك..

أتذكر يوم وفاتك.. وأتذكر تمددك على السرير.. أتذكر يوم أن أخذتك إلى المستشفى.. وأتذكر يوم أن أغمض الطبيب عينك.. تردد في أن يصارحني بالخبر.. لم أكن خائفاً من الصدمة.. فقد علمتنا الصبر.. فقط خفت على أمي أن تعلم بوفاتك.. ولكنها أيضاً تعلمت معنى الثبات.

اليوم يا أبي أزور قبرك.. أقبل التراب الذي دفنت فيه.. كم حوى هذا التراب من الخير.. ضم المآثر كلها.. آه ياأبي.. رحمة الله عليك.

 

(الصورة بعدسة: سديم البدر)

التصنيفات
همسات

أدباء ومدربون

 

أسوأ تجربتين تمر على الثقافة هما:

  • سيل المسميات الكبيرة التي أغرقت بها الساحة، كالمدرب المعتمد، المدرب المحترف، المدرب العالمي، وغير ذلك.
  • فتح الأبواب بلا ضوابط ليكتب ويشارك من ليس مؤهلاً في علم ولا فكر ولا أدب.

التدريب يقوم على أمرين:

  1. توفر المعلومة النظرية والتي تأتي من خلال:
  • الدراسة.
  • القراءة.
  • البحث.
  • والتدريب نفسه كمدرب أو متدرب.
  1. الممارسة الحقيقية للمهام.. والعمل في ميادين فعلية وتحيات حقيقية، فينقل لنا تجربته ويصور لنا حلولاً واستراتيجيات مبتكرة تضيف معنى للتجربة المعروضة.

وتصدي بعض المدربين الصغار (سناً أو علماً أو خبرة) للتدريب، بناءً على اعتمادات من جهة غير منهجية ولاتمثل الخيار الأفضل في التأهيل، والحديث بأسلوب فخم متكلف أو تمثيلي يعد مؤشراً سيئاً، والمشكلة أن بعضهم يحسب على الثقافة والمثقفين.

والفكر والأدب والكتابة كذلك تعتبر هماً ثقافياً، لأن البعض يمارسها بتكلف ودون علم ولا تجربة أيضاً، كلمات رنانة توحي بالثقافة والإطلاع نسمعها من هنا وهناك، شي يسمونه أبيات شعر، لا أدري لماذا يسمى شعراً ولاوزن فيه ولاقافية ولاروح ولامعنى، أو قصة متكلفة ممجوجة لثقافة لاتناسب ثقافتنا، ولم تبن على تجربة لنقبلها، أو تطاول على الدين باسمه، خوض في مسائل فقهية دقيقة دون تأهيل علمي على أيدي علماء ثقات يمنحون إجازة الفتوى. هذه الإثارة تعتمد على محاور منها:

  1. الاثارة وإبراز العنصر النسائي.
  2. تحدي المسلمات الشرعية لأنه لاشي يحميها.

ثم ولوجود السيولة يتمكن من الطبع، ولوجود المطبلين يتمكن من النشر، وقد سألت أديبةً فازت بجائزة في القصة عن المنفلوطي، ومحمد عبدالحليم عبدالله باكثير فلم تعرفهم، وسألتها عن البارودي والبردوني ومحمود مفلح فلم تعرفهم.. وسألتها عن القراءة فقالت: لا أحبها.. وسألت آخر عن ابن القيم فقال لا أعرفه، فماذا لديهم ياترى؟

الخلل هنا يكمن في المزاحمة من قبل أشخاص ليسوا بأكفاء، وكيف يزاحمون؟

من خلال نظرة إدارية تسويقية أقول يزاحم لسببين:

1. توفر الموارد ورغبتهم في أن يكون لهم نتاج مطبوع، وبلا شك سيكون لهم قرائهم ومتابعيهم لأي سبب.

2. تقديم مايطلبه العملاء.. وهم هنا شريحة القرآء ومن له مصلحة في إثارة قضية.

والنتيجة النهائية ضبابية حول أصوات مميزة خفتت لعدم وجود فرصة لظهورها، أو شتات لأجيال من الشباب تنبهر بما هو غريب وابتعدت عن المسلمات، ولحين وجود سلطة قوية تحكم المتطاولين وتسيطر عليهم سيبقى الوازع الديني أضعف العوامل الرادعة لمثل هؤلاء المزاحمين.

 

(الصورة بعدسة: بشرى محمد)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

تخفي

2/5/2011م

المنزل (الصالة).. الساعة 2:26 عصراً

من أكثر الصدمات التي تفاجئني إخفائي أفكاري عن نفسي.. لماذا؟ وأتذكر أبيات هاشم الرفاعي: حتى صدى الهمسات غشاه الوهن…. لاتنطقوا إن الجدار له أذن..

لم أنفعل لأي خبر بصورة استثنائية، بدأ يتضح تماماً معنى كلمتي “حُرِمتٌ البكاء”، فلا يكاد شياً مما يجري حولي يجبرني على البكاء.. أعوذ بالله من قهر الرجال.. أصمت لأنني أخاطب نفسي، أغمض عيني وأنسى ماحولي، ستصل رسالتي لها بلا شك.. وستعرف كل شي، لن أضطر للشرح لها، لن أضطر للبكاء، سيصلها صوت نحيبي صافياً ولن يزعجها لأنه تعرف فيه معنى العزة.. وستضمه لأشعر بالأمان وأشعر بوجودها.

نقاط الإلتقاء الكاملة مع البشر نادرة جداً، ليس خطأ أن نختلف، ولكننا لو رسمنا الخلاف فسنخجل من عدم اتفاقنا حول أي أمر. لايوجد معايير ثابتة في التعامل، المتغيرات طالت كل شي، حتى الشريعة بدأ البعض يحوم حولها ويقص منها مايتلائم مع هواه.

كان التعامل مع قطعية الثبوت وقطعية الدلالة وقفاً على العلماء وبعض طلبة العلم، وكنا لانتجرأ على الخوض فيها لعلمنا أن الموضوع يرتبط بمواضيع كثيرة نجهلها، الآن تقتحم كل المواضيع من كل إنسان، “ثقافة”، “ديمقراطية”، “حرية”، تحت كل شعار يقصون من الدين، وخلف الشعارات “جهل”، “إلحاد”، “شهوة”.

التجارب الدامية قدرت المبادئ، تركت أثرها في الطريق ليعرفه السائرون، وروت الأرض لتنبت أشجار تظلل السائرين.

التخفي عن النفس ليس هروباً منها، ولكنه نوع انفصال بين الروح والجسد.. فتظل الأفكار حبيسة العقل بينما تتحرك الروح في حرية، ووقتما تشاركها تشعر الروح بالثقل فتقيد حركتها ويحتويها الانفعال، وهو يأس أحياناً وفرح أحياناً أخرى. هل أتخفي وأكتم لهذا السبب؟ بالتأكيد هو سبب مؤثر ولكنه هل هو الوحيد؟

وأعود إليك يانفسي.. فبلا كلام ستعرفي الأسباب، وربما تخبريني بها ذات يوم.. ربما، من يدري؟!.

 

(الصورة بعدسة: هناء الجنيدل)

التصنيفات
بين الإنسانية والمهنية

دروس من تسونامي

 

 

لانفرح بالكوارث والأزمات، ولكن نتعلم منها مايساعدنا على إدارة الحياة من حولنا.

في زلزال اليابان والتسونامي الأخير العديد من الدروس المستقاة، اخترنا منها مايلائم الواقع ويظهر بوضوح في التعامل مع الحدث.

يمكنك التعرف على الدروس من خلال قراءة الصفحات التالية:

 

1. ضع كافة الاحتمالات:

ليس تشاؤماً أن تدرس الاحتمالات وتضع توقعاتك، حين تخطط للمشاريع توقع كل شي، وضع خطط لمواجهة أي طارئ. ستمكنك الواقعية من تفادي ماقد يطرا عليك من عوامل لم تكن في الحسبان، أو متغيرات لم تكن ممكنة حين بدأت التخطيط.

 

2. جهز الخطط البديلة:

لابأس بأن تتعطل بعض أعمالنا، الحوادث التي تجعلنا نتعثر كثيرة، وضع الاحتمالات سيقودنا لوضع خطط لمواجهة المواقف. ضع لنفسك خطة بديلة أو أكثر يحكم ذلك مايلي:

  • حجم العمل لديك.
  • توفر الإمكانيات.

 

3. احصر كافة الموارد:

ادرس منظمتك بالكامل، تحتاج أن تتعرف على بيئات المنظمة للاستفادة من الموارد المتاحة بالصورة المثلى. لاتبدأ عملك وأنت تجهل مالديك، عمل (SWOT) في البداية سيعطي إشارات تساعدك على التخطيط الصحيح.

 

4. ازرع روح الفريق:

الربط بين الإدارات وفرق العمل سيساعدك في تجنب العديد من المعوقات. التكامل بين أفراد الفريق سيؤتي ثماره وقت الحاجة إليه. درب فرق العمل لديك على العمل التكاملي وازرع الانتماء وروح الفريق فيهم.

 

5. حاول تقليل الخسائر:

مهمة القائد تحقيق الربح دائماً، وقد يتمثل الربح في التقليل من الخسائر. لايوجد عمل بلا خسائر، واتباع الخطوات السابقة سيقلل الضرر الواقع نتيجة أزمة من الأزمات. حاول أن تقارن بين الأولويات، وقدم مايحفظ أصول المنشأة وأهمها البشر.

 

الملخص: يمكن أن نستفيد من تسونامي اليابان عدة دروس تساعدنا في الإدارة ومنها:

  1. ضع كافة الاحتمالات.
  2. جهز الخطط البديلة.
  3. احصر كافة الموارد.
  4. ازرع روح الفريق.
  5. حاول تقليل الخسائر.

 

لتحميل العرض.. تفضل من هنا: http://www.slideshare.net/sadarah/sadarah-5th002-7405671

SADARAH-5th-002

 

(الصورة بعدسة: عبدالعزيز العسعوسي)

التصنيفات
بين الإنسانية والمهنية

فوائد إدارية في الأوامر الملكية

الأوامر الملكية التي أصدرها خادم الحرمين الشريفين للشعب السعودي تحوي العديد من الفوائد الإدارية، وتضع خطوطاً عريضة للمدراء في فن التعامل مع فريق العمل وكسب ولائهم لتقديم أقصى مايمكن لإنجاح الأعمال. تعرف على الفوائد الإدارية من خلال النقاط التالية:

 

1. اكسب جميع العاملين:

اهتم بكافة الشرائح المرتبطة بالمؤسسة، المدراء العامين، المشرفين، الموظفين في كافة القطاعات، وحتى المتدربين. أظهر لهم الاهتمام، تفقد احتياجهم، أشعرهم بوجودهم وقيمتهم، لاتهمل أحداً منهم، وارتبط بهم.

 

2. ركّز على المؤثرين في الفريق:

في كل فريق تجد قادة يؤثرون في توجه الفريق واستعداده للبذل.. ابحث عن المؤثرين في فريقك وادرس إمكانياتهم ومن ثم حدّد لهم المكان الملائم لتضعهم فيه وتكسب أقصى درجات البذل لديهم. ضع القائد في المكان المناسب، تكسب بقية الفريق.

 

3. اعط مكافأة مالية:

لاشي يؤثر كالمادة. للموظفين احتياجاتهم المالية فلا تهملها.. لابد من الشعور بهم والحرص على الزيادة وتحسين الأوضاع بشكل دائم لضمان ارتباطهم بالمنشأة وعدم تفلتهم للبحث عن فرص أفضل. المكافأة السنوية والزيادة تؤثران في المعنويات.

 

4. عالج المشاكل الظاهرة:

يحمل العاملين هم الإسكان بشكل كبير، ويستعد الموظف للارتباط بالشركة طوال العمر لو وفرت له راتباً ملائماً، وسكناً، ومعاشاً تقاعدياً.. ضع أولوياتك متأكداً من أنها تعالج اهتمامات العاملين وتحقق أحلامهم.

 

5. ازرع الأمل:

يمكن أن يتم ذلك من خلال مسابقات توفير الإسكان للعملين، والتحسين المستمر في دخل الفرد.. وتضع المنشأة معايير الأفضلية للحصول على الامتيازات المختلفة، مع مراعاة احتياجات الشرائح المختلفة.

 

الملخص: التعامل مع الاحتياجات، وحل المشاكل، والاهتمام بكافة الشرائح تنجح العمل، ومن ذلك:

  1. اكسب جميع العاملين.
  2. ركّز على المؤثرين في الفريق.
  3. اعط مكافأة مالية.
  4. عالج المشاكل الظاهرة.
  5. ازرع الأمل.

 

لتحميل العرض.. تفضل من هنا: http://www.slideshare.net/sadarah/sadarah-5th001

SADARAH-5th-001

 

(الصورة بعدسة: إياس السحيم)

التصنيفات
قبور الياسمين

غرباء

ربما لم أعد أتذكر الأيام، كل شيء يتشابه، حرارة، برودة، شمس، وغيوم، وفي كل الأحوال يمكن أن تسير، يمكن أن تبدأ حياة جديدة، وطريق جديد، حتى أنت تصبح شخصاً جديداً، في كل مرة تتغير لتصبح أكثر غربة، وأكثر صمتاً. لا أحب المدن، ولكن قد نتأقلم على الحياة فيها أو نجبر أنفسنا على ذلك، والبعض يتأقلم لأنه بالفعل يحب العيش فيها.

ما الذي نجنيه؟ لم أحب ذلك يوماً يا أخي، كنت أميل أكثر فأكثر إلى بيت الطين والحياة البسيطة، المدينة كبيرة، طرقاً واسعة، ومبانٍ شاهقة، وأنا وحدي أسير على رصيف خال من البشر، لاشيء سوى سيارات ومبانٍ من حولي، وبعد قليل وقفت أمام المبنى، هنا تغيرت الأحوال قليلاً، فهناك حارسان وصف من الناس وحركة دخول وخروج لمبنى السفارة، وقفت مع الناس، وبعد الإجراء الروتيني تمكنت من الدخول.

مررت جواز سفري خلال النافذة الزجاجية، أخذه الموظف ونظر إلي بشيء من الشك، ثم طلب من الجلوس وغادر، وبعد قليل جاء رجل بدا لي أنه مسئول في السفارة، وقف أمامي وقلّب جواز سفري، ثم نظر إليّ وابتسم.

–        سألني: ماذا تريد في بلادي؟

–        قلت مبتسماً: تبليغ. وبدأت أفكر ماذا يمكن أن يقول؟

–        نظر بخبث وقال: مجاهد؟

–        ضحكت وقلت: وهل يدل مظهري على هذا؟

–        سكت ولم يرد على سؤالي.

–        نظرت نحوه بحدة، ولكن لم يبد أنه تأثر بنظرتي.

–        قال في برود: راجعنا غداً.

وخرجت من السفارة، هذه المرة لا أحمل هم المبيت سأجد مكاناً، على الأقل أعرف أين أذهب، انطلقت لأستأجر فندقاً، ومن ثم غادرت غرفتي، ذهبت لشراء بعض الضروريات للرحلة، ووضعت أغراضي في الحقيبة، كالعادة لم تكن كثيرة. أعلم أنك تتذكر عاداتي، لكنني أخاطبك وكأنك معي، أريدك أن ترى ماذا فعلت من بعدك، نظرتك، ابتسامتك، وألف كلمة روتها عيناك يوم الرحيل، ابتسامتك التي كانت آخر ماأعطيتني إياه في السفر، وصوتك المتهدج وأنت تبكي وتودعني، كنت أراها كلها في كل خطوة، أتلمس طريقي في الحياة وحيداً، وأعود لمكاني في كل ليلة لأنتظرك وأكتب لك.

–        عدت مبكراً للسفارة، استوقفني الأمن، سألوني: ما الذي تريد؟

–        جواز سفري.

–        متى أحضرته؟

–        بالأمس.

–        قال لي رجل أمن يقف بعيداً: يمكن أن تأتي بعد الظهر، هذا ليس وقت استلام الطلبات.

لم أجادل كثيراً، انصرفت دون نقاش، تعلمت في سفري ألا أطيل النقاش، قد أغلق الطريق بالعناد لذلك آثرت السلام، عدت بعد الظهر كما طلب مني، هذه المرة لم يكلمني أحد، اكتفوا بالتفتيش المتكرر، دخلت وأخذت جوازي وانصرفت.

في السيارة فتحت الجواز وتأملت التأشيرة، بحسب المدون فيها سأبقى شهراً فقط، ضحكت وألقيت برأسي في جذل، هم هكذا دائماً، ولكن ليس مهماً، بإذن الله سأتدبر أمري حين أصل هناك.

تتكرر النغمة بين لحظة وأخرى لتعلن عن موعد الرحلات، بحثت عن مكان أجلس فيه لحين موعد إقلاع رحلتي، المكان صاخب نوعاً ما، مئات الأقدام تسير في وقت واحد وفي كل الاتجاهات، الأطفال يركضون فرحين بالإضاءة القوية  في المكان، وبالمساحة الواسعة، والأرضية التي تساعدهم على الانزلاق، تعجبت من أبائهم كيف يتركونهم، عصير منسكب هنا، وماء هناك، وبقايا طعام تركته العائلة التي كانت تجلس بقربي، مئات الكلمات سمعتها وبلغات كثيرة، حتى ماقيل باللغات التي أعرفها لم يكون عندي معنىً واضح، بدت الكلمات متحركة كالأشباح اللذين يمرون من أمامي، أخذت أراقب الناس في كسل، لست فضولياً ولم أكن أراقب بمفهوم المراقبة، يمكن أن تقول أني كنت أنظر إليهم في تثاقل، أبتسم لاختيارات الناس وأذواقهم، الملابس أيضاً كانت مزيج ألوان، الروائح كذلك كانت متنوعة، بعضها يشعر بالغثيان، تماماً كأشكال وألوان الملابس التي ارتداها أصحابها.

انطلق صوت الموظف يعلن عن الرحلة، كانت رحلتي بالفعل، ووقف العديد من الأشخاص في نفس الوقت، اختلطت مشاعري، بدأت أشعر بالتعب، تذكرت الامتحانات المدرسية، أكرهها، ظللت أتوتر حتى حين بلغت المرحلة الجامعية، يكفي أن تقترب الامتحانات لأبدأ الشعور بالغثيان والتعب. وقفت في صف غير مستقيم، لم يكن صفاً كان خطاً متعرجاً فيه زوائد كثيرة على امتداده، أناس يحاولون الدخول وكأنهم يخشون أن يفقدوا مقاعدهم، شعرت بالضيق، تعودت على النظام ولا أحب هذا المنظر، وأخيراً وصلت إلى موظف الخطوط الجوية، سحب البطاقة وهو يبتسم، مزق قطعة منها وأعطاني جزءاً متمنياً لي رحلة سعيدة.

جلست في مقعدي وربطت الحزام، ثم أغلقت عيني ونمت، كنت أريد الوصول بسرعة، لم يغب شعوري تماماً، فمن حولي الكثير مما يصلني لينغص عليّ، بكاء طفل، رائحة طعام التصق بملابس مسافرين يجلسون خلفي، روائح البهار الشرقية وعطور مقززة، ورائحة عرق حامض من الرجل الجالس بجانبي.

وأخيراً وصلت الرحلة، زكم أنفي هواء المدينة، كل ماشممته في الطائرة تكرر هنا ولكن بشكل أوسع، لم أر بشراً العدد من قبل، سيارات، دراجات نارية، وأنواع كثيرة من البشر يسيرون معي ومن حولي. ركبت سيارة أجرة وطلبت منه أن يأخذني لفندق نظيف، انطلق وهو يشعر بالسعادة، أحسست أنه سعيد لأنه يتوقع أن أعطيه الكثير، كان يتحدث معي ولاينتظر إجابتي، ولم أكن أفهم شيئاً مما يقول. توجه لفندق متوسط الحجم، ولكن حسن الترتيب، بعد أن أنهيت إجراءات السكن سألت الموظف هناك عن أماكن السياحة في بلده، أخذ يعدد لي المدن ويذكر مميزاتها، ذكر مدينة كنت أنتظر سماع اسمها، قرأت عنها من قبل، أشرت إليها بدأنا نتكلم عنها، ولكن كان لكل منا تصوراته.

–        المتاحف هناك كثيرة، سما لي عدداً منها وتظاهرت أنني أدون الأسماء.

–        وكيف أصل إليها؟

–        يمكن أن تستأجر سيارة، سأرتب لك الأمر إذا أردت، ولكن أنصحك أن تتجه إليها عن طريق الجو، سيكون الأمر أسهل عليك.

في يومين كان كل شي قد أُعد، رتب لي الموظف أمر السفر، وحجز لي فندقاً وسافرت. لم أعد أهتم كثيراً للناس، شعرت بالضيق من الازدحام. وعلى الرغم من ذلك كنت أعرف أنني لابد وأن أنتوجه للأسواق لعلي أحقق ماأريد. لم أتكلم مع أي إنسان هناك.. بقيت فترة من الزمن أتنقل بين الأماكن، الأسواق، المتاحف، القرى، الجبال، وفي النهاية وصلت لهدفي الذي أريد.

–        مجاهد؟

–        لم أرد.

–        لا تخف، أنا أريد مساعدتك.

–        بماذا؟

–        تريد الوصول؟

–        لم أرد عليه، ابتسمت وتأملت ملامحه، صغير في سنه، يبدوا أنه ذكي، ولا تخلوا ملامحه من خبث، ربما الحياة علمته كيف يبدوا كذلك.

–        حسناً إذا دفعت لي سآخذك هناك.

–        أشرت إليه، ومشيت.

–        تبعني، جلسنا في مكان مزدحم بالناس.

–        بدأنا نتكلم عن الثمن.

اتفقنا أخيراً على ثمن مناسب، وحددنا موعد التحرك، قال لي أن الطريق شاق وطويل، مر علي في الفندق قبل الفجر، وانطلقنا كالغرباء، كان علينا الوصول لمكان آخر نرتاح فيه، ثم نتحرك ليلاً نحو الجبال، سرت معه، لاأعرفه، ولم أفكر كثيراً في الأمر، لكن لم يكن لدي خيار آخر، أعرف أن الطريق صعب ولكن لا بد من المخاطرة.

 

قبور الياسمين

(الحلقة السابقة: الرحيل الجديد> يتبع > الحلقة التالية: جبال قاسية)

 

(تصميم الصورة: هنادي الصفيان)

التصنيفات
كلمة ودلالة

كلمة ودلالة.. 004

“الثورات تحمل الدماء والجهل بصورة أكبر مما تحمل من الحريات..

والحريات التي تحملها مختلطة، كأعلام مرقعة مليئة بالألوان..

فيها الأسود كسواد قلوب بعض من يحركها..

والأحمر كنهر الدماء البريئة الطاهرة، أو القذرة الموحلة.. التي تجري هنا وهناك..

والأبيض كنوايا البعض الحسنة التي لم تكن درعاً من  الفتنة..

وليس كل من يرفع علماً ينتسب له”

 

(الصورة بعدسة: ناصر الحسيني)

التصنيفات
كلمة ودلالة

كلمة ودلالة.. 003

“يجب أن نهدأ في الأحداث من حولنا.. لأننا أمام خيارات صعبة:

فهناك ممارسات سلبية من طرفين.. كل طرف يتكلم عن المبدأ وكأنه المتحدث الرسمي باسمه.

وهناك استغلال وتحويل من قبل البعض لممارسات الأفراد الخاطئة إلى فرص للطعن في المبادئ.

وهناك توتر قاتل، فالكثير مستعدون لرفع السلاح لمواجهة المقابل.

وهناك جهل فظيع بأبسط مسائل الدين.

وهناك تجاوزات على الحرية باسم الحرية”

 

(الصورة بعدسة: إياس السحيم)

التصنيفات
القصيدة

يا راحلين

وكأن الأرض خلت فلا أنيس فيها ..

وكأنني أسير فيها وحيداً ..

فلا حي غيري ..

ولا راحة ، ولا سكون ..

ــــــــــــــــــــ

هـــل مـسّــك الحب؟.. أم بانت بك الدار؟

أم هــل جــــهــــلــــت فـــلا تأتيك أخبار؟

أم فــــي فـــؤادك الآم مــــبــــرحــــــــة..

مثل الـهــشــيــم إذا ما مــســه الـــــنـار

ماذا دهى الشمــس؟ لم تشرق كعادتها

حــتــى الــنــجــوم تــلاشـــت وهي نوار

الـــمـــاء ســـــم .. وأحــلامي مـــــؤرقة

يا ويــح نـفـسـي قـد ضـاقـت بــــها الدار

ــــــ

آهـ فــــؤادي.. ظـنــنــت الصبر شـيمتكم

عــلام تـــبــــكـــي ؟ أراك الـــيـــوم تنهار

ماذا تــغــيــر يــــا قــــلـــبــــي فـأرقكم؟

لـــم الـــمـــشـــاعر والأشــجــان إعصار

لم الــغــريـــب يــطــيـل البـعد في سفر

يـــــرنــــــوا إلى الــدرب في يأس ويحتار

يــمـــضــــي وحـــــيداً كأن الأرض خاوية

لا خــل فــيــــهــا ولا صـــحـــبـــاً فيختار

ــــــ

يا مـــن يـــلـــوم ولا يـــــدري بــنــازلـتي

أراك تــــقـــــســـو وفي قلبي لظى النار

مـــضـــى اللذين شعاع الشمس نورهم

وخـــلـــفــــوني وكل الـــكــون أســـــرار

فــتــجــدب الـــــروح من هول ومن جزع

وفــي الــحــقــول تـــمــــوت اليوم أزهار

هم الأحبة مـــهـــما طــــــال بــعــدهـم

وهـــم بــــــــقــلــبي أرواح وســــمــــار

 

(الصورة بعدسة: محمد اليعيش)