التصنيفات
بين الإنسانية والمهنية

أفكار صغيرة.. (002).. المزيج التسويقي

العملية الإدارية ترافقنا في كل مكان..

سهلة إذا عرفنا كيف نتعامل معها..

وهذا دورنا في صدارة..

من هنا:

أفكار صغيرة 002

مع التحية..

 

(الحقوق الفكرية ملك لمؤسسة صدارة)

للمزيد من الإصدارات يمكنك زيارة الموقع: www.sadarah.com.sa

التصنيفات
تربويات

معايير الأربعين

أنا رجل تجاوزت الأربعين، قرأت كثيراً، وسافرت كثيراً، وشاهدت كثيراً، وكتبت كثيراً.. ومن خلال مزيج الكثرة خرجت بقناعات أورثت قلبي السكينة، ومنها أن الناس لن يكونون على شاكلة واحدة فلكل أمة توجه وطريق، فاستوعبت الخلاف واقتنعت أن لكل إنسان حقه في الكثير من الأمور، لم أهتم بالخلاف كثيراً فارتحت من تعب الردود.

حين أقرأ كتاباً جديداً، أو أستمع لأطروحة أو اسمع عن فكرة فإن لي مجموعة من المعايير التي لابد وأن تمر الفكرة بها، تتساوى الكلمة والموقف كذلك في المعايير، فما وافق المعايير قبلته ونفسي مطمئنة، وماخالفها رددته نائياً عنه مؤمناً أنه لايلائمني، وماأشكل علي وهو مهم بالنسبة لي رجعت للمختصين لتوضيحه وعرضه ثانية على المعايير، وإن كان غير ذلك بقي في الذهن لحين الحاجة إليه، ويعود العرض مرة أخرى للتأكد من مدى التطابق والموافقة. ومن معاييري:

– العقيدة.. ليس فقط اثبات وجود الله، بل أمور أخرى تتعدى ذلك، كاثبات ألوهيته، وربوبيته، وأسمائه وصفاته، والسلامة من البدعة، والموافقة لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم، وأي شي يخص الإيمان كالقدر ومايرتبط به من مسائل، ولم أتعب كثيراً في العقيدة فقد أسست على النص، واهتم بالدليل، لست بعالم ولكن أرجع لعلماء أثق في دينهم وأمانتهم وفضلهم وعلى رأسهم الشيخ ابن باز رحمه الله.

– الآداب.. فسلوكيات المجتمع وعرفه لها مكانتها في التشريع، وتؤثر بلا شك على اختيار ممارسة أو تعبير، وكمنهجية اجتهدت في تجنب الفحش أو الدعوة إليه، وحرصت ألا أكون سبباً لفساد الناس، فرق بين معصية نقوم بها، وبين معصية نؤصل لها وندعوا الناس إليها، الحياء زين كله، في الرجل والمرأة، وهو في المرأة آكد، لأنه يفترض أن تكون أكثر حشمة وعفة، فرق بين فتاة تهتم بطهرها وعفتها، وبين أخرى تجاهر بتقصيرها وتروي مغامراتها، وأحببت العفاف وغالبت نفسي عن المعاصي وتعبت وساعدني من حولي ممن يحملون لي محبة صادقة، وأحببت رؤية الخير في أطفالي فحرصت على نقل المبادئ لهم من خلال أمٍ صالحةٍ مصلحةٍ.

– الذائقة النقدية.. ولي ذائقتي في النقد، في اللغة والفن وعلوم الشعور، يمكن أن تكتب ماتريد، ولكنني سأتوقف لأقول لك هذا شعر وهذا نثر، هذا حسن وهذا رديئ، وهذا رسام مبدع وهذا بعيد عن الإبداع، وهذه القصيدة عميقة المعاني، وتلك متكلفة خاوية لاتحمل معنىً ولا هدفاً سوى وسوسات كاتب، وتلك اللوحة حملت قصة واضحة في ألوانها وخطوطها، وهذه لوحة لافرق بين أن توضع بهذا الشكل أو بالمقلوب.

ولست الوحيد الذي يحكم في المعايير، فلكل معيار أهله ممن يعرفون ضوابطه وحدوده، ويؤصلون مسائله وبحوثه، ويحكمون على الصحيح منه وعلى الفاسد، فإن عجزت عن الحكم بنفسي لجأت وقلبي مطمئن إلى الثقات في كل فن فاستشرتهم، وناقشتهم لو أشكل علي شي من كلامهم أو كان غامضاً أو افتقر إلى دليل، حتى إذا بدت لي الجادة توجهت بيقين وثبات وعملت بما اتضح أنه الحق حتى لو خالف نفسي، وانتبهت لمداخل الشيطان في ذلك فأغفلت العقل أمام النص، تسليماً لأمر الله، ووضعت العقل حين أمرني النص بصيرة وتأملاً، فمازلت أتقلب بين تأمل ويقين، ورضاً واحتساباً، لاهياً عن الآخرين، مؤصلاً لمنهجية الصواب، عاملاً بما آمل أن يكون نجاة لي حين أبحث عن طرق النجاة.

قد نتعب في التوصل للمنهجية الصحيحة ولكن السبب الأكبر لذلك غياب العلم الصحيح المبنى على الدليل الصحيح، أو تفسير الدليل الغير الصريح بأصحاب مناهج شرقت وغربت فأبعدت عن الجادة وأضاعت السالكين، والآن عزيزي القارئ، عد إلى المعايير واعرضها على نفسك، فإن قبلتها قبلت خيراً وشريعة، وإن رددتها فما أنا عليكم بحفيظ.

 

(الصورة بعدسة: ديبو)

التصنيفات
القصيدة

لا تعجبي

لا تعجبي..

وخذي فؤادي وأضحكي..

هذا فؤاد ماردٌ.. متقلب..

قد مل من زور الحياة..

بطبعه المتوثب..

لا تعجبي..

فمساء حبي لم يزل..

في عنفوان شبابه..

فخذيه يا أماه.. فهو ربيبك..

واسقيه من آي الكتاب وشهده..

لا تعجبي..

ما كان قلبي قطعةً..

لا يستجيب ولا يعي..

ما كان صخراً صامتاً..

بل كان حراً فاسمعي..

أعطيه من حب الأمومة بردةً..

ودعي الملامة وافرحي..

يا قلب ماذا تبتغي؟

قد كنت صقراً هائماً..

فوق الجبال بلا صفي..

تروي مدامعك السهول..

وتعشق القلب النقي..

وتموت من أجل المبادئ..

لم تكن يوماً دعي..

لا تعجبي..

الحب بركان يهيّج خاطري..

والحب لحن سرمدي..

في فؤادي المبدع..

الحب روح في فؤادي الحر..

أرق مضجعي..

لكن حبي عالم..

فيه العقيدة مبدأي..

لا تعجبي..

فلكم ذكرتك باكياً..

والقلب يرجف خائفاً..

والكون ينزع بسمتي..

فأضاء نورك عالمي..

وأصبت مما أشتهي..

ورأيت فيك سعادتي..

ونشدت فيك تطلعي..

فإذا بحبك عاصف..

ملك الفؤاد وما يعي..

لا تعجبي..

الله قدر حبنا..

ولنا نعيم الجنة..

(الصورة بعدسة: أسيل الغنام)

التصنيفات
همسات

الذكريات

 

ذات يوم كان لي صحبة.. ودعتهم في طريق المبادئ.. وعدت وحيداً.

وأبدلني الله خيراً منهم.. وكتب علي فراقهم وعدت وحيداً.

وتتكرر الوحدة في حياتي.. يوماً بعد يوم.. وعشقت وحدتي ورغبت فيها حتى لكأني لا أعرف من الأرض شيئاً ولست من أهلها. حتى أنكرت نفسي ولم أعد اعرفها.. فكأنها شخص آخر أرغب في نسيانه.

اليوم تدور الذكريات.. وتدور عجلة التجارب.. فلا أدري أوحدة هي وحدتي أم نوع من التنوع في العلاقات.. أتذكر سفري واستقراري.. أتذكر صمتي وكلامي.. أتذكر فرحي وأحزاني.. وأنظر موضع قدمي لأتأمل أصحيح ماأريد فعله أم خطأ.. أتجربة مدروسة، أم رغبة في البعد والتميز.

أذكر خلي في هذه اللحظة.. ذاك الأخ الذي أحببته كأشد ما يكون الحب وترافقنا معاً كأسعد ماتكون الرفقة.. تقاسمنا السعادة.. وتناصفنا المشقة.. وكلها أنواع من اللذة يعرفها الخبير.. لو تأمل فيها لوجدها ابتسامة الأيام وإقبالها.. وأسعد اللحظات وإشراقها.. صورة السعادة التي يحاربنا من أجلها أهل المال والثراء.. رغبة في الاستقرار.. وحباً في الراحة.

وأشعر بسعة صدري.. وأتعجب كيف ضاق على سعته فلم يعد يحوي غير شي واحد فقط.. الموت.

وتدور الذكريات.. فأحن حنين الأحرار.. وأشتاق شوق الأبرار.. وأقلب طرفي لأرى ماحولي ومن حولي.. ولأشعر ثانية بتلك الغربة اللذيذة.. وأستشعر لذة المجاهدة وطول الطريق.. وغربة المبادئ.

قلوب الأحرار تضئ الطريق للسالك.. ودماؤهم مشاعل النور.. وآثارهم نجوم يهتدى بها.. وصورهم متشابهة ولو تنوع الزمان أو تغير المكان.. تشعر بهذا برغم الأسى.. وتلمسه رغم الجراح..

فمن نفس المشكاة خرجت المعاناة.. (حتى يقول الرسول والذين معه متى نصر الله.. ألا إن نصر الله قريب). وهذا الألم بما فيه من تعب ومعاناة ففيه لذة وهو جنة الدنيا التي عرفها الصالحون.. فتمسكوا بدينهم وهان البلاء عليهم.

هكذا أخي الحبيب أعيش بعدك.. يصيبني ما يصيب البشر، ولكن روحي ليست من طينة البشر.. على الأقل هذا شعوري.. تسمو نفسي إذا ضاقت الدنيا بأهلها فأبتسم لها.. فما كنت يوماً محباً لها أو راغباً فيها.. وحين تتقذفهم الناس يثبتني مبدأ حر رضعته مع اللبن.. ويزيدني ثبات ذكركم فكأن الأرض أرضي أسير فيها حيث أشاء.. وكأن السماء سمائي تظللني وحدي من جحيم الابتلاء.

أي أخي.. هل تراني أطلت عليك ؟.. وما علينا فكم تكلمنا في الدنيا كهذا الكلام.. وكم ضحكنا ولعبنا.. وكم عملنا وبذلنا.. وكم تواصينا.. إذا لتكن صفحة ضمن صفحات وصورة ضمن صور.

انتهى كلامي.. لا ادري هل انتهى لنهايته.. أم انتهى لخجلي.. أم انتهى لخوفي.. أم…

كل الذي اعلمه أنني غريب.. والغريب ضعيف.. والضعيف قريب من الله.. وأنا أرجو قرباً من الله، وأنساً به، وشهادة في سبيله.

 

(الصورة بعدسة: ديلمان)

التصنيفات
قبور الياسمين

الوداع

 

عدت في الصباح الباكر إلى السفارة، وجدت نفس الموظفة ولكن هذه المرة ابتسمت لي، وابتسمت مرتبكاً. كنت أخشى أن يرفض طلبي.

–        قالت: استمتع بوقتك.. ومدت لي بجواز سفري.

–        هل حصلت على تأشيرة؟

–        نعم.

–        أشكرك.

ابتسمت وخرجت، كنت أريد أن أصرخ، أن أبكي، أن أجري، رأيت التأشيرة الورقية المطبوعة في الجواز، نظرت لكل شيء بنظرة مختلفة، لم أحس بالتعب، والسهر، والجوع. ولم أفكر في التوقف، بل عدت لبلدي منطلقاً لأجهز نفسي للسفر، وأنهي بعض الارتباطات.

الحياة الجامعية مليئة بالحماس، وبالرغم من ابتعادي عن النشاط الطلابي الصاخب إلا أنني كنت معروفاً في الجامعة بسبب إنجازاتي الرياضية، كان قد بقي على موعد الاختبارات النهائية شهرين، حاولت أن أستكمل كل الترتيبات قبل انتهاء المدة، لم أقرر وقتها إن كنت سأنتظر لنهاية الفصل أم أنني سأنطلق حين أكون مستعداً، ولكن الأيام التي مرت كانت جميلة في نظري، ذهابي يومياً بحافلة الجامعة بدل سيارتي، ومراقبتي للأمطار في الخارج وفترات الصمت في المسافة بين السكن الجامعي وقاعات الدراسة، كل ذلك كان مساعداً لي في الشعور بالهدوء والاستقرار النفسي، الرمال تحيط بالنقطة المنطلقة في طريقها اليومي ونحن في داخلها، والطريق الممهد يرتفع وينخفض بحسب التضاريس ونسمات باردة تصلني من الباب العالق فتشعرني بالألم وأحاول أن أغطي قدمي، ولكن هذا كله لم يمنعني من الشعور بالسكينة والهدوء.

الجامعة مزدحمة تماماً، لأول مرة أشعر بهذا العدد من الطلاب، في كل خطوة يصطدم بي إنسان، لاأدري أهو السبب أم أنا، الناس هنا لايعتذرون ولذلك يصعب أن تعرف من المخطئ، كل ماعليك فعله هو متابعة السير والتجاهل، لايهم من أخطأ، ولا يهم أن يعتذر أحد، وأحياناً تكفي إشارة من الطرفين لتنهي الموقف. في قاعات الدراسة تكون الأماكن محجوزة بالأسماء، ليس عن عمد ولكن عادة اكتسبناها لطول الممارسة، أحب أن يكون مكاني في الصف الأول لأتمكن من استيعاب الدرس، ولكن هذه المرة كان الوضع متغيراً فلم أشعر برغبة في الجلوس، بدأ المحاضر ينادي الأرقام، وقبل أن يصل رقمي غادرت القاعة، ذهبت إلى ركن بعيد خلف الجامعة، لم أزره من قبل، ولكن بعده أغراني بالجلوس فيه بعيداً عن تطفل الطلاب، أو رؤية بعض الزملاء والجلوس معهم، حبات المطر تضرب في وجهي بهدوء وتدغدغني، وأنا أفكر في قراري الأخير، هل أكمل الفصل أم أذهب حين انتهائي من الارتباطات.

عدت للسكن في وقت مبكر، وجدت سيارة أقلتني فركبت معها، ظللت أقرأ قبل أن يقرع باب غرفتي ويفتح في هدوء، امتدت يد سمراء تشير أصابعها الطويلة بحركات دائرية، ووصلني صوت سالم: السلام عليكم، نائم؟

–        لم أتحرك من مكاني، رددت عليه فدخل وهو يبتسم.

–        لم ارك اليوم، هل ذهبت إلى الجامعة؟

–        نعم.

–        متى عدت؟

–        قبل ساعتين تقريباً.

–        أوه.. يعني لم تحضر محاضرات اليوم.

–        لا.

–        لم؟

–        لايوجد سبب، قلت ذلك وابتسمت.

–        آمل أن تكون بخير.

–        أنا كذلك.

تحدثنا عن الجامعة، والامتحانات، ومشاكل الطلاب والمحاضرين، وعن الإجازة، وجدتها فرصة لأعلن أنني سأذهب في إجازة أزور أهلي.

–        الآن؟ هذه الأيام؟ قال ذلك مستغرباً.

–        نعم.. مالمشكلة؟

–        لا مشكلة، ولكن هذا ليس وقت زيارة، تحتاج أن تذاكر.

–        لا عليك لا تحمل هماً.

–    عموماً.. إذا احتجتني في شي أخبرني، قال ذلك وهو يتجه للباب، ثم التفت إلي وأشار بأصبعه في حركة تهديد ثم قال: والنحو، حاول أن تركز فيه، لايمكن أن ترسب فيه، هذا لا يتوافق مع إمكانياتك.

–        ابتسمت وقلت له: سأخبرك إذا احتجتك في شي.

–        نقر الباب نقرات خفيفية وسريعة ثم سلّم وذهب.

قمت سريعاً وأغلقت الباب، وسحبت حقيبتي وجهزتها.. قررت أن أنطلق في الليل لأزور أمي وأخبرها أنني سأرحل، وبعد ساعة كنت في مكتب الخطوط أرتب موعد السفر، وهكذا تقرر سفري بعد أسبوع.

وقفت أمامها، عظيمة هي هذه المرأة، قبلتها وقلت:

–        حان الرحيل.

سكتت.

–        لا تنسيني من الدعاء.

–        ابتسمت لي وقالت في هدوء: انتبه لنفسك.

وعدتها ببذل جهدي. ثم نظرت إلى أختي الصغيرة، رأيت في عينيها دمعة، ولكنها غالبت نفسها ولم تخرجها، ابتسمت لها.

–        قالت: هل سترجع؟

–        أجبتها وأنا أحافظ على ابتسامتي: ممكن، لكن لا أستطيع أن أعد بذلك.

–        قال أخي: لا تحمل همنا هنا، لن نحتاج لشيء.

–    ابتسمت له ووضعت يدي على كتفه، لماذا نقوم بهذه الحركة؟ شعرت أنني سأسقط وأنه جبل، وأنني أعتمد عليه، أراد الله أن يثبتني ويضع البديل في حياتي لأتمكن من الإنطلاق، وهكذا كان أخي.

–        قالت أختي: لا تنس … الإخلاص.

ضمتني أمي، قبلت رأسها، قبلت أخواتي وإخواني وانطلقت، ومن يومها لم أعد أراهم إلا كالسراب.

يعتب علي البعض في وداع أقرب مايكون للصمت، بل لنقل بثقة وداع صامت. إن الصدور كالبركان، تحوي كل العناصر في داخلها وتنطلق في وقت تكون الظروف كلها مهيأة للانطلاق، تعلمنا حين كنا صغاراً أن الرجال لايبكون، وبسبب صلابة البيئة أصبح النساء أيضاً لايبكين، لنا قلوب تنبض بالحب، بذورها الوفاء، وثمارها عطاء، ولكنها تحسن الصمت. تعيش صامتة، وتموت صامتة أيضاً، وحين تبوح بالمحبة تعتبر هذه خطوة أقرب ماتكون للانتحار، خوفاً من أن يكون مقدار الحب في قلوب الآخرين أقل مما هو فيها. 

قبور الياسمين

(الحلقة السابقة: في السفارة>  يتبع > الحلقة التالية: رفيقة الدرب)

(تصميم الصورة: هنادي الصفيان)

التصنيفات
المذكرات

الرأي والمسلمات

 

الحمد لله

معذرة أخي فهذه ورقة سريعة، لكنها قد تكون طويلة.. مالذي يتحكم في حجم القصاصات؟ في بعض الأوقات آتي إليك وكلي شوق لأرسل لك رسالة، أريد أن أقول لك الكثير.. ولكنني حين أبدأ الكتابة أتذكرك فيلجمني الصمت.

  • تعلمت أخي في مدرسة الحياة: ليس كل من يخالفك مخطئ.

فلربما خالفك شخص وهو مصيب لذا لا بد عند المخالفة من التأمل في وجهة نظر الأخ فربما كان الحق معه، فنصحح منهجنا، ونعود عن الخطأ. أنت المستفيد الأكبر من التصحيح.

  • وتعلمت: أن الآراء ثلاثة:

–       رأي فوق رأيك. فهذا أحرى بنا أخذه واتباعه. لأنه أصوب وأرضى لله عز وجل، ويجب أن نسابق إخواننا لأخذ هذا الرأي.

–       ورأي تحت رأيك فهذا نرده مع ملاحظة الاستفادة منه في تجنب الخطأ أو تقوية المبدأ، وعند رده يجب أن نحسن الرد.

–       ورأي مثل رأيك. فهذه الأمور تخضع لعدة اعتبارات. منها الأولويات، والواقع، والمصلحة والمفسدة، وغيرها.

وقسم إن شئت على غرار هذه التقسيمات – خطأ وصواب ومحتمل وغيرها -.

  • وتعلمت: التفكير والتأمل في أبعاد الموضوع الذي أريد فعله.

وهذا أمر يساعدنا على الدقة في تحديد المسار، فنحن لا نريد العجلة التي تجعلنا نجهل واقعنا.. فلا ندرك حقيقة الموضوع الذي نريد معالجته.

  • وتعلمت أخي: التزام الأخ شئ وقابليته لإعطاء الرأي والمشورة أمر آخر.

فأصحاب الآراء الصائبة بين الأخوة قليلون ولا حول ولا قوة إلا بالله.

عموما ربما يكون لنا وقفة أخرى مع هذه النقطة والله المستعان..

ولنا لقاء.

 (الصورة بعدسة: نور صالح)

التصنيفات
بين الإنسانية والمهنية

قلب وعقل

مصفوفات صدارة.. فكرة جديدة من أفكارنا..

نقارن بين متغيرين لنعطي الخيارات للمربي والإداري على حد سواء..

مرحباً بكم..

مصفوفات صدارة.. قلب وعقل
View more documents from Abdullah Ali.

http://sadarah.com.sa/index.php?page=view_version&id=14

دمتم بخير..

(الحقوق الفكرية ملك لمؤسسة صدارة)

التصنيفات
تربويات

سفر واستقرار

لم يبق لي من أماكن الصفاء سوى المطارات.. راقبت المدرجات.. تأملت الناس.. واكتشفت أن الأشياء تتشابه.. الطائرات والناس.. القصص التي أسمعها من جيراني في الرحلات أو في الانتظار تتشابه.. المشاعر والمواقف تتكرر.. هل نخاف السفر أم الاستقرار؟ في السفر تتغير الأماكن.. في الاستقرار نتغير نحن.

حين نعود لمكان بعد مدة من الغياب نبكي على الذكريات، فهل سنبكي على أنفسنا بعد أن نغيب عنها لفترة، ثم نراها وقد تغيرت؟ في تغير المكان يمكن أن نبدأ بداية جديدة، نرى كل شي بإيجابية، نفرح بالمشي بالتأمل، بالأشجار وبالبشر.. لماذا لانفكر بايجابية تجاه أنفسنا ونستفيد من تجاربنا اليومية؟

الأنفس كالأماكن.. لكل نفس خصائصها، وثرواتها، فقط من يمتك حق التنقيب ولديه الرغبة في ذلك سيستطيع أن يستفيد منها.

للخروج من دولتك تحتاج إلى جواز، وتحتاج إلى تأشيرة لدخول دولة أخرى، للخروج من نفسك ماذا تريد؟ ولدخول قلوب الناس ماذا تحتاج؟

هل جربت شعور الترحيل؟ لاترغب في العودة إلى بلدك، توضع في حافلة تحت رقابة وتقلك إلى المطار، في محطة الوصول تشعر بلامبالاة، تتسكع حتى بوابة الخروج، تركب مع أي سيارة دون أن تتكلم، تنظر إلى الأشجار وأعمدة الاضاءة تمر بجوارك دون أن تعني لك شيئاً.. تظل مرتبطاً بالمكان القديم.. ستحتاج وقتاً لكي تتخلص من هذا الشعور الكريه.. لن تتمكن من أداء أي عمل وأنت تحمل في قلبك تأشيرة البلد القديم.

الناس في السفر ليسوا جزءاً من الصورة، هم صور أخرى مكلمة للصورة الكبرى، كقطع البزل.. يمكن استبدالهم بآخرين، الناس في الاستقرار قطعة منك، لو حركتهم مزقت بعضك.. فتشعر بالألم مضاعفاً.. حتى الخباز تناديه بـ(عم).. كأنه من أهلك.. في الصور الكبيرة نتعب لنجد القصاصة المكملة.

في تجارب السفر ينبهر الناس بك.. ستكون أنموذجاً مميزاً بكل مافيك، في الاستقرار لم يعد لدينا معايير نحكم بها.. تختلف المعايير بمرور الزمن.. نحفظ معاييرنا في صدورنا كما تحفظ جدتي المصحف في كيس من القماش خوفاً عليه من الأذى، ويظل في النهاية مصحفها الشخصي، كما هي معاييرنا شخصية.

في السفر قد تتغير بعض المعطيات، وقد تتغير كلها، ماهي الثوابت؟ الموت فقط.. فالسعي وراء الحياة متغير متجدد الصور.. في كل لون تدرجات، لانجتمع في تدرج واحد.. فقط حين نموت نشترك في السواد.. في السفر ترى ماتحب.. الأماكن، الوجبات، الأشخاص، كل شي، يكون عندك عينان فقط، في الاستقرار ترى بعيون من حولك، تأكل مايقدمون، وترى من يزورك في وقت قد لايلائمك، وتضطر لتأخير عمل مهم يخصك لتزورهم في مناسباتهم، وقلما تشاهد ماتريد، وقلما تفتح عينيك.

في السفر تستيقض مبكراً لترى كل مكان، وتشعر بكل دقيقة من حياتك، وفي الاستقرار تنام وتشعر بالتعب، عظامك تؤلمك، ومفاصلك تشتعل، وتراقب العقارب البطيئة في تكاسل، وتتمنى لو تسارع الزمن، وانتهى يومك وغدك وبعده.

وأعود للمطارات من جديد، أذهب مبكراً جداً للرحلات، لايفهم أصدقائي السر، ربما أكون محقاً أنني أنهي بعض الأعمال في وقت الانتظار، ولكنني أراقب نفسي هناك، أبحث عن نفسي، وعن لحظات جميلة قضيتها وحيداً متنقلاً، وعن شاب في العشرين كان جريئاً كفاية ليسافر حول العالم بحقيبة شبه فارغة، وبجيب أكثر فراغاً، وبقلب مليئ غني.

(الصورة بعدسة: ريان المنصور)

التصنيفات
طائر المئذنة

حالة نفسية

 

“هذه ليست مذكرات كما قد يظن البعض.. ولكنها جزء من العلاج.. ومرحلة أوجب علي الطبيب أن أسير فيها حتى أتخلص من مشكلتي. وعموماً تبدو لي هذه الطريقة جميلة فلست مضطراً للكلام لكي أعبر عن مشاعري.. وما أكتبه هنا ربما لا يراه غيري.. وهذا يريحني كثيراً.

في البداية لم أكن مقتنعاً كثيراً بهذه الطريقة.. ولكن وافقت لأقطع الطريق على إصرار الدكتور بأن أكتب كل شيء يدور بخاطري.. ثم سأكون مخيراً بين أن أعطيه ماكتبت.. أم أخفي أوراقي ليبقى الجميع في حيرة يفكرون في سبب صمتي المفاجئ”.

أغلق الدكتور سامي الملف.. واتصل بسكرتيره وطلب منه ألا يُدخِل أحدا.. ثم طلب كوباً كبيراً من القهوة وعاد إلى القراءة من جديد.. كان ذلك الملف يتعلق بمريض اسمه سعد.. شاب في الثانية والثلاثين من عمره.. قدم إليه قبل فترة مع رجل آخر يعرفه سامي.. وبدا بصحة جيدة إلا أنه كان يرفض الكلام أو الإجابة على أي إنسان.. ولذلك لجأ الدكتور إلى هذه الطريقة عله يخرج سعداً عن صمته ويعرف السر خلف الجدار الذي يجلس أمامه.

قلب الصفحات ليلقي نظرة على مواطن متفرقة، استوقفته هذه الكلمات “أنا لا أدري متى شعرت بالتعارض حولي.. كان كل شيء يبدو لي منقسماً البيت والمدرسة.. الأقارب والأصدقاء.. كنت أشعر أنني أعيش في المكان الواحد بأكثر من صورة.. فأبي يأمرني بشيء تأمرني أمي بعكسه في بعض الأوقات.. وفي المدرسة يطلب الأستاذ منا أن لاندخن، ثم يأتي لزميلي ليطلب منه سيجارة.. وهكذا كل شيء حولي”.. توقف سامي عند تلك العبارات وأخذ يفكر.. صحيح ربما كنا في أنفسنا نحمل تناقضاً يدركه هذا المريض.. ترى ماذا نفعل بأطفالنا؟ وأي شخصيات سنكّون فيهم.

أخذ سامي رشفة من القهوة وعاد يقرأ.. “موضوع الكتابة هذا بدأ يروق لي.. لا أدري لماذا!! ربما لأنني أشعر أنني أعبر عما في نفسي دون قيود أو خوف.. أنا أكتب لنفسي فقط.. وإذا أراد الدكتور أن يقرأ فهو مسئول عن نفسه أما أنا فسأكتب ما في نفسي.. وأعبر كما أريد.. أذكر أن المدرس ضربني وأنا صغير.. لم أفعل شيئاً.. فقط قلت له إنني لم أتكلم.. وأن الذي تكلم هو ابن المدير.. فضربني واتهمني بالكذب.. مع أنني حقيقة لم أتكلم.. يومها عوقبت مرتين.. من أجل الكلام.. ومن أجل الكذب.. مع أنني قلت الحقيقة”.. توقف سامي وأخذ يفكر.. هل أفعل هكذا في أبنائي؟ أ أنا مجرم في حق أولادي؟ هل يتكلم سعد عني؟

ترك الأسئلة وعاد يقرأ.. “يظن الدكتور أنني مريض نفسي.. أنا ابتسم الآن.. منذ مدة لم أشعر بهذه السعادة.. ولكن هل يشعر الآخرون بما أشعر؟ ترى لو طلبت من الدكتور أن يكتب كما أكتب الآن، ماذا سيقول؟” توقف سامي وأخذ يفكر.. نعم صحيح ماذا سأكتب.. أأدون مواعيدي؟.. ومشاكل العيادة المالية؟.. أم التباين في شخصيات المرضى؟.. أم زوجتي الغاضبة؟.. أم جاري الذي لم ألْقَه منذ أشهر؟.. شعر بصداع من كثرة الأسئلة وعاد للقراءة.. “ربما سيكتب كثيرا.. ولكن هل سيشعر بالسعادة مثلي الآن.. وهل سيكون صريحاً كما أفعل الآن.. مشكلة الذين لا يعلمون أنهم ليسوا بصرحاء.. أي أن من لم يجرب أن يكتب سيكذب على نفسه.. لأنه يكتب للآخرين.. ولذلك سيحرص أن يظهر بينهم بصورة حسنة”.. صعق سامي لهذه الفلسفة.. ترى من هو المريض الآن؟ لايمكن أن يكون كاتب هذه الكلمات مريضاً.. شعر أن سعداً يعريه أمام نفسه.. شعر أنه يكشف كل شيء أمامه.. كان يتقازم مع الكلمات.. كم يحتاج لشخص مثل سعد يكسر أصنام الكذب في داخله.. المركز والشهادات.. المجتمع والنفاق الاجتماعي.. كل هذا الكذب يحتاج إلى تكسير.

“منذ أن رحلت أمي رحمها الله شعرت بوحدتي.. كانت تعني كل شيء بالنسبة لي.. حتى أبي رحمه الله لم يكن قريباً مني مثلها.. كانت هي الأم والأخت والرفيقة وكل المعاني.. إذا أردت الصدق فتأمله في موقفين.. ضحكة طفل برئ.. ولمسة أم لأبنائها.. كل الصدق يرحل مع هذين”.

ألقى سامي الأوراق ولبس معطفه وخرج من المكتب مسرعاً.. لا يمكن أن يجد سعداً لأن سعداً رحل ولن يعود.. انقطع عن الحضور إلى العيادة ولكنه أرسل إليه هذه الأوراق بالبريد.. أخذ سامي يقطع الطريق في عجلة.. وفي الجزء الآخر من المدينة وقف بيت في الظلمة.. توقفت السيارة عنده ونزل سامي يجري ليقرع باباً بدا مهترئاً نوعاً ما.. وينتظر الرد.. شعر بالثواني تمر كسيف يمزق عنقه.. قرع الباب ثانية وردد الصمت صدى الباب العتيق.. وعاد سامي ينتظر الرد.. وصله صوت ضعيف.

–        من هناك؟

–        أنا.. الدكتـ..  أنا سامي.

انقطع الصوت.. ووقف سامي ينتظر أحداً يفتح له الباب.. ولكن لم يأت أحد.. وفجأة فتح وظهرت امرأة عجوز.. في السبعين من عمرها تقريباً.. غطت رأسها بشال أبيض كعادة نساء القرى.. وألقت شيئاً منه على وجهها.. و…. نظرت إلى الواقف أمامها في شيء من الشك.

–        من أنت يا بني؟

–        أنا.. سامي يا أمي.

–        … لم ترد عليه.. ولكن نشيجاً حمله الصمت حكى القصة.

–        سامحيني أمي.. وألقى نفسه على يد أمه يقبلها.

–        سامحك الله يا بني.

عاد سامي مع أمه في تلك الليلة.. وتحلق الأطفال حول الجدة وهم يجرون.. وسامي ينظر إليهم.. نعم لقد كانت حالة نفسية.. وكان يحتاج طبيباً مبدعاً صادقاً كسعد.

(الصورة من تصميم: هنادي الصفيان)

التصنيفات
القصيدة

لا تسألي

 

هذا الطريق يمزق القلب الحنون..

لا تسألي يا غادتي..

عن دمعتي..

وعن انتحار مشاعري..

فلقد مَضَيْتِ..

وقد بقيتُ..

وقد بكت كل العيون..

لا تسألي..

كيف الأكف تمزقت..

كيف الطريق تباعدت..

كيف المحبة أصبحت..

سفراً.. وصورة رحلة..

لا تسألي..

عن ذنب قلبينا..

فقد صدر القرار بحقها..

وعلى المدينة علقت..

صور لنا ولطفلنا..

تلك البراءة قد ذوت..

وعلى انكسار شفاهنا..

رسموا ملامح غيرنا..

لا تسألي..

فقلوب أخوتنا غدت..

نص القرار..

نسجوا الحبال وأحكموا..

حولي الحصار..

سنوا مدى الآلام..

في وضح النهار..

لا تسألي الأحياء واستجدي القبور..

تلك الشواخص قد بكت موت الزهور..

الطير غاب نشيده..

والنهر ظل طريقه..

وعلى مدى الأكفان..

تاريخ الشرور..

عيشي بضوء الفجر..

وانتظري الرحيل..

واروي الزهور..

بدمعة الصبح الكليل..

فإذا قضيتُ فزغردي..

فالحر لا يرضى بأن..

يمسي ذليل..

 

(الصورة بعدسة: أسيل الغنام)