التصنيفات
قبور الياسمين

محطات

10346704_10201833581232925_646251643_n

كان علي أن أرحل سريعاً.. فهناك سفر طويل أمامي.. بقيت في المطار وحيداً.. فكرت أن أعطي الرجل بعض المال.. عرفت أن هذه أساليب الكثير منهم.. بدأت أفكر في الطريق الذي سأسير فيه هذه المرة.. كنت أتوقع أن أكون مراقباً فحاولت ألا يظهر على وجهي شئ.

عاد إلي الرجل وقد ختم جوازي بختم الخروج.

–        يمكنك الرحيل.

–        أشكرك.

–        ولكن …

نظرنا لبعضنا ودام صمتنا لبضعة لحظات.. أخذت حقيبتي الصغيرة من الطاولة وضعتها على كتفي.. ابتسمت له بهدوء.. ألقيت عليه التحية وأسرعت للحاق بالطائرة.

أصبحت الآن أعرف أين أنزل.. توجهت لفندق متواضع.. صغير ولكن نظيف. نظيف من كل النواحي.. حتى النواحي التي لا أريدها..

بدأت في دراسة وضعي بعمق.. كنت قد أعددت خطة سير مصغرة والآن علي النظر في هذه الخطة بناءً على المعطيات التي أمامي.. أريد التحرك لمكان جديد.. كيف أصل ومن سيساعدني.. بدأت أعتمد على المافيا كثيراً.. هي ضربة حظ، ربما أصل وربما أقتل على يدهم.. ولكن رأيت أنها أسلم طريقة..

كانت الرحلة هذه المرة صعبة للغاية.. رأيت في الرحلة رجالاً خمنت أنهم عرب، بدا لي أنهم تجار لم أحاول التحدث معهم.. ولم أخرج أي كتاب أو مجلة للمطالعة.. حرصت على ألا يعرفوا أنني عربي، وفكرت في الاستفادة منهم.

مررنا على عدة مطارات.. ووصلنا للمحطة الأخيرة.. تحرك الرجال، وتحركت خلفهم ببطء.. كانت مخاطرة مضحكة ولكن أردت أن أجربها.. المضطر يركب الصعاب. وكما توقعت.. هناك من سينتظر هذه المجموعة.. كنت أريد أن أصل لفندق أرتاح فيه ومن هناك سأتدبر أمري..

في الخارج توقفت سيارة ومعها سائق لأخذ هؤلاء الرجال.. كنت قريباً منهم اقترب مني السائق أراد أن يأخذ الحقيبة ابتسمت له ومددتها برفق وشكرته.. كدت أن أضحك ولكن خشيت أن ألفت النظر.. طوال الطريق لم يتحدث أحد.. عرفت أن المجموعة ليست مرتبطة ولكن اجتمعت لمناسبة معينة.

وصلت المدينة.. كانت كبيرة أخذت حقيبتي وبهدوء خرجت من بينهم وبدأت أسير وحيداً.

 

قبور الياسمين

(الحلقة السابقة: قافلة رجل ومطارات> يتبع > الحلقة التالية: الجبال)

(تصميم الصورة: هنادي الصفيان)

Creative Commons License
كتاب آت by Abdullah Ali is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.
Permissions beyond the scope of this license may be available at www.aalsaad.com

التصنيفات
تربويات

لهذا تعثرت

8826947016_2a9e3f6bd5_b

“بعض العوائق في التأهيل تعطي دلالات بعيدة وتحتاج إلى تأمل للخروج بفائدة استثنائية من دروسها.

وتعثر البعض في اغتنام الفرصة، له ارتباط بعيد، ويعطي مؤشراً على طبيعة الأشخاص وطريقة إدارتهم وتوجيههم نحو الهدف وإعطاء الصلاحيات لهم في مواقع الحياة المختلفة للقيام بأدوارهم فيها”..

في الماضي كتبت عن أسباب تعثر بعض الأنماط في الدراسة وتوقفها في مرحلة من المراحل، ومن ثم عودتها ثانية بعد مضي سنوات من عمرها إلى مقاعد الدراسة وتميز بعضها.

ربما أعطي نفسي الأولوية للكتابة الجريئة حول هذا الموضوع لأنني متخصص في علم النفس، ولأنني مررت بهذه التجربة في مرحلة من مراحل سابقة قبل أن أكسر القيد وأرجع ثانية لأنهي بحمد الله تأهيلي الأكاديمي الجامعي والماجستير وأحصل على دبلوم اضافي متخصص.

ومن خلال ما أسجله هنا فأنا أسعى لكسب السبق في طرح فرضية قد تفتح باباً لباحث آخر متفرغ وعنده الإمكانيات ليكمل المشوار ويكون شريكي في استكمال تفاصيلها ووضع أطرها، ولأنني مهني فأنا اصطدم مع الأكاديمي عادة في منهجيات البحث، ذلك أنني أفصل بين البحث الأكاديمي وبين العلوم التطبيقية التي أؤمن فيها بالخبرة العملية والاستقراء للأحداث وردات الفعل مع ضرورة الالتفات إلى المعلومات وصحتها وقوة المراجع التي تناولت الموضوع.

الاستقراء يعرفك على الدوافع الحقيقية، ولتحقيق ذلك فأنت تحتاج إلى الكثير من الخبرات التراكمية، تحتاج كذلك إلى مهارة تحليل المواقف إلى مكوناتها الرئيسية، الفرد والحدث والشعور والبيئة والزمن، تحتاج إلى التعامل مع هذا كله كمصفوفات يتم التبديل بين مكوناتها لمعرفة الاحتمالات، وستخرج بنتائج ظنية بعد هذا كله، ولكنها تكفيك للاسترشاد، ستكون سبقت من حولك على الأقل في ملاحظة مايجري حولك منذ البدء وحتى اللحظة، ومع العائد والتحسين وتوخي الدقة سيتم زيادة نسبة الصحة، وسيكون لتحليلك أثره في التعرف على جوانب السلوك المعقدة.

من خلال قاعات الدراسة ومراقبة الامتحانات ثار ذات السؤال في نفسي مرة بعد مرة، “لماذا تعثر هؤلاء عن إكمال الدراسة؟” لماذا تعثرت قبلهم؟ لماذا تخرج فلان وفلان وهم أقل مني ذكاءً؟ وسرعان ماكنت اعود إلى القدر مؤمناً بالخيرية ومعتقداً بأن هذا هو الأصلح للناس، ومن خلال التأمل في السلوك والملامح كونت انطباع فرضيتي الأولي، سجلت هذا في خماسية ملخصها بأن هناك خمسة صفات تميز المتعثرين، يكفي علامة منها لتكون سبباً في التأخر مالم يكسرها صفة أصلية ترفع صاحبها وتعطيه ميزة النجاح، وإلا فصاحب هذه الصفات لابد وأن يقف رحمة بنفسه وبالآخرين ممن سيتعامل معه، وهذه الصفات هي:

القسوة:

هذا النمط سيكون عامل ضغط سلبي على محيطه، سيعيش الفريق في توتر تحت إدارته، لاتكلفه بالقيادة دون ”حدود صلاحيات“، ”دليل تعامل إنساني“، ويبرز سلوكه في:

* طبيعة المهمة المطلوبة.

* طريقة التعامل.

عدم الاهلية:

أنت هنا أمام شخص متأخر عن محيطه، لن يرضى الفريق بقيادته وسيبحثون عن مخارج للابتعاد عنك، غالباً لايصلح للقيادة، ولكنه قد يؤدي بعض المهام التنفيذية المحدودة. وقد تنقصه الكفاءة في:

* مستوى القدرات العقلية.

* مستوى المهارة.

القابلية للانحراف:

هذا النمط قوي ولكنه يدور حول ذاته، ىيشترط أن يكون قاسياً، ولكن ولائه أقل للمنشأة، قد يستغل سلطاته ويكوّن علاقات تخدم أهدافه. انحرافه قد يأخذ شكلاً من التالي:

* فساداً سلوكياً.

* انحرافاً مالياً.

الغرور:

هذا القائد يعمل لوحده برغم منصبه، يعطيه الفريق أقل الواجبات ويتخلون عنه، لذلك لن يستثمر الطاقات، ولن يؤمنون به. سبب غروره قد يكون:

* لتأثيرات المادة والغنى.

* توفر المؤهل والمعرفة.

* قدراته على الابتكار.

المكابرة:

”العناد“، ”الإصرار“، ليست أموراً سلبية، ولكن المواقف تحكمها، انتبه للقائد الذي لايتراجع عن الخطأ، فقد يقود الفريق نحو الهاوية. المرونة مطلوبة وتمنحه الثقة، والسلبية سببها:

* الإصرار على الرأي الخطأ.

* التشدد في المواقف.

وأخيراً فهذه الفرضية تخصني ولكنني مؤمن بها، ربما يأتي اليوم الذي تصبح فيه نظرية تملأ الدنيا ثم حقيقة مثبته، من يدري.

 

(الصورة بعدسة: Fer Montero)

Creative Commons License
كتاب آت by Abdullah Ali is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.
Permissions beyond the scope of this license may be available at www.aalsaad.com

التصنيفات
القصيدة

مناجاة طيف

8767041654_47115ded24_b

رأيـتـك مـــنــــي كـحـبـل الـوتـيـن.. كـروح تـعـيـد نـقـاء الــسـنـيـن

وبــعـــــد قــــــلـيـل رأيـتـك طـيـفـاً.. سـرى فـي عـالـم الـراحـلـيــن

تُـرانـي غـدوتُ عـلامـة شـــــــــــرٍ.. فـخـفـتِ الـبـقاء وخفتِ الحنين

وقـد كـانـت الروح منى ستسعى.. لـكـسـب ودادك لـو تـعـلـمـيـن

تـقـولـيـن لا لـن أخـوض التجارب.. كـفـانـي عـذاباً فـأصـمـت حين

أعـيـد الـسـؤال وكـلـي رجــــــــاء.. ومـا كـنـت يـومـاً مـن الخائنين

وأكـتـم فـي الـقـلب سر التياعي.. اداري اشتياقي وصوت الأنين

أيا طـفـلـة قـد قـتـلـت فـــــــؤادي.. أيـرضيك عـمـري ومـاتـطـلبين

لـقـد كــنــت لـحـظـة صدق أصيل.. فـأودعت قـلـبي سيفاً مكين

رحــلـت وخــلــت بــأنــي يــبـــاب.. أمـرغ روحـي بـجـمـر وطـين

لـقـد كـان يـكـفـيـك قـولاً جـمـيـلاً.. فـإنـي الأصـيـل كـما تعرفين

أدوس فــــــــؤادي لـــو رام خـــوناً.. وأحـمـي بروحي حياةً ودين

طـويـت اللـيـالي جـريـحـاً كسيراً.. تـأذيـت مـنـك فـلـو تـعـلمين

وكـنـت الـصـدوق عـلـى كل حـال.. وأفـخـر أنـي مـن الـصـادقين

تـعـلـمـت مـنـك الـكـثـيـر الـكـثـير.. فمني الجريح ومني الدفين

هو العمر يمضي بنا كيف يمضي.. فمني السلام إلى الراحلين

 

(الصورة بعدسة: Fer Montero)

Creative Commons License
كتاب آت by Abdullah Ali is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.
Permissions beyond the scope of this license may be available at www.aalsaad.com

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

حُبٌ وشيب

SONY DSC

18/8/2011م

المكتب.. الساعة 3:45 فجراً

اليوم تأملت شعرة بيضاء في صدري.. لقد تجاوز الشعر الأبيض حدود لحيتي وشعري، فهل بقي في قلبي نبض يهتف للحب؟ أنا مؤمن أن حبي يختلف عن حب الآخرين، حبي كان كهلاً منذ أن كنت طفلاً، فالحب العابر يمر كالقطار، تتابع صوره بسرعة، وفي الحقيقة لانشعر بالصور القريبة، بل نركز أنظارنا على الصور البعيدة لنملأ أعيننا من جمالها.. فقط يبقى الحب الحقيقي في حياتنا.. حب المبدأ والأسرة.

الأيام تجمع الشتات، في وقت ومكان غير متوقعين، فهل نشعر بنبض قلوبنا الحارق إذا ذكر من غاب عنا ممن نحبه؟

التصنيفات
طائر المئذنة

الأجنبي

Picture14

لن أحاول أن أكتب الأمر وكأنه قصة قصيرة، ذلك أنني أنتقد الكثير من الشباب ممن يبحثون عن الألفاظ الصعبة ليكتبوا مقالاً أو قصة.. ولكنني باختصار أريد أن أكتب قصة صاحبي. لمن أكتبها؟ ولماذا؟ لا أدري في الحقيقة، كل الذي أعرفه أنني لابد أن أكتب عنه وأوفيه شيئاً من حقه في واقع أنكره وتجاهله.

وقف أمامي بقامته الممشوقة وأشار إلى صدره بكلتا يديه ثم قال بأسلوبه المثقف جداً:

–        لنكن واقعيين، فأنا مهما يكن “أجنبي”. وطرح يديه إلى جنبه في حركة تدل على تذمر وألم.

لم أحاول أن أقاطعه.. بل حتى الابتسامة التي أحتفظ بها حين أراه شعرت أنها قد لاتكون مناسبة. ولذلك لم أعلق بأي شيء.

–        الأولاد كبروا يا عزيزي.. ومهما يكن فلهم مطالبهم. غداً سيبحثون عن جامعة تقبلهم، ولن تتسنى لهم الفرص لأنهم “أجانب”.

مد رأسه باتجاهي ليرى تأثير كلامه علىّ.. ثم تابع كلامه بنفس الأسلوب المرير:

–        وإذا عادوا إلى بلادي ماذا سيحدث؟ سيقال لهم أنتم “مغتربون”. في بلادي يقال لي “مغترب”، وهنا يقال لي “أجنبي”، فقل لي بالله عليك ماذا أفعل؟.

لم يكن سؤاله مما ينتظر جوابه.. ولذلك بقيت محافظاً على صمتي. كنت أشعر أنني في قفص اتهام، وأنني مدان، وأن صاحبي سيقول لي في أي لحظة أنت تتحمل جزءاً مما أنا فيه، وهكذا بقيت ملامحي كلها تنتظر اللحظة التي ينفجر فيها صاحبي.

–    عاد يتابع كلامه في انفعال حزين: أنت في بلادك.. إذا ضاقت بك الأرض توجهت إلى الجبل أو إلى الصحراء وبقيت مع بعض الشويهات وانقطعت عن العالم.. من الذي سيبحث عنك؟ لاأحد.. أنا وأشار إلى صدره، أنا لا أستطيع فعل شيء بسبب كوني أجنبي.

–    سبحان الله.. بقيت أتأمل وجهه الأسمر ولحيته البيضاء، كان في العقد الرابع، في أواسطه فيما يبدو لي، وربما في أخره أو بداية الخامس.. وكنت أتعلم منه الكثير.. وأجد في صفاء نفسه صورة فريدة للماضي الجميل. ومع ذكره للجبال عدت إلى موطني.. أحقاً يمكن أن أجد فيه الاستقرار.. ولكنني تركته بحثاً عن رزقي، تماماً كما فعل هو، الفرق بيني وبينه أنني لست بحاجة لكثير  من الإجراءات التي يمر بها صاحبي حين يرغب في السفر.

أردت أن أشاركه في حزنه.. كنت أتمنى لو أستطيع فعل شيء من أجله، ليس مساعدة مني، ولكن لأن هذا واجب علي تجاهه.. إنه مكسب لابد من المحافظة عليه. أفقت من تأملاتي على صوته.

–    أتعلم أنني أتكفل بتذاكر الأولاد؟ إذا جاء أحد منهم أو جددت له أوراقه أو أي مصاريف تخصهم فأنا وحدي من يدفع.. الشركة لاتدفع لهم شيئاً.. ولذلك فأي إجازة تعني الكثير  بالنسبة لي.. واعتمدت على نسبة الأرباح في الشركة، ولكنها تتدهور. ماذا أفعل يا أخي؟

ظللت محافظاً على صمتي.. ثم رأيت أنه من اللائق أن أقول شيئاً.. ربما لاينتظر مني جواب سؤاله، ولكنني بلا شك كنت مديناً له بشيء. ماهو؟ لا أدري، ولكن شعور الاتهام ظل مسيطراً على مشاعري فحاولت التملص.. قلت له بتلعثم:

–        المهم أن تتأكد أنه ليس لي ذنب في هذا.

شعرت أن ردي ليس في محله، كان يبتسم في مرارة، ربما كان من المناسب أن أظل صامتاً.. وشعرت بالارتباك.

أشار إلي بيده، ثم مسح شعره وقال بنفس الإيقاع الحزين:

–        لا عليك.. نحن نخدع أنفسنا ببعض العبارات، “الأشقاء العرب”، “إخواننا العرب”، ولكن في الحقيقة أنني أجنبي!

 قال ذلك وأمسك بقميصه ورفعه كأنه يثقل عليه ويريد التخلص منه.

لم أرد عليه.. ظللت أنظر لأصابعي وهي تقرع الطاولة دون أن تحدث صوتاً ثم قطع علي تأملاتي:

–        أتدري، قبل شهر زوجت ابنتي.. أردت العودة بزوجتي وأولادي.. ضاقت الأمور قليلاً.. قالت لي زوجتي إلى متى؟ شعرت أنني تعبت وقتها.

أحسست به في تلك اللحظة.. ربما أكون قد مررت ببعض الظروف المشابهة ولذلك فهمته.

–        إلى متى؟، إلى متى؟ ألقى برأسه إلى الخلف وأخذ يراقب السقف.

قطع كلامه رنين الجوال.. تأمل قليلاً في الرقم، ثم رد على المتصل في مرح.. كلمات بسيطة أنهى بعدها المكالمة وحاول أن يسألني عن أمور حياتي.

عاد للوقوف ثانية، ونظر إلى الخريطة المعلقة خلفه وأشار بحركة عشوائية.. احتوت حركته الخارطة كلها. لم يقل شيئاً.. تعبيره هذا أبلغ من قوله.

تمنيت أن أقف وأعانقه، شعرت بقربه، حاولت أن أعبر، خانني تعبيري.. لم أجد عبارة تناسب شموخه.. عظيم أنت يا أخي. عظيم أنت. ابتسمت له رد عليّ بابتسامته المشرقة. ضرب فخذيه وقال:

-هيا بنا، قم بنا لنتناول الغداء معاً.

(تصميم الصورة: هنادي الصفيان)

Creative Commons License
كتاب آت by Abdullah Ali is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.
Permissions beyond the scope of this license may be available at www.aalsaad.com

التصنيفات
رؤى

المغناطيس

13061616553_271c101165_o

 الألوان تعرِّف ولا تغيّر، الحقائق والأدلة نضعها ونميّز بينها بعلامات وألوان، هذه هي الفكرة ببساطة، ولكن الألوان لاتغيّر المواصفات، لاتعطي شيئاً جديداً، لو كان التغيير سهلاً لكان الإنسان ألف إنسان، كلما تعثر في مرحلة من حياته أبدل نفسه بأخرى.

المغناطيس بأقطابه أوضح مثال على ذلك، فأقطابه ليست حمراء ولا زرقاء، ولكنها موجبة وسالبة، اللون يدل عليها، لو أبدلت اللون سيبقى لكل قطب خواصه الأصلية، ولكل قطب تأثيرات على المحيط من حوله.

في تعاملاتنا مع الأقطاب سنخضع لذات القوانين الفيزيائية، سننفر ونصطدم بمن يتوافق معنا في الخصائص، سيكون من الصعب وجود قائدين في محيط واحد، حتى في عالم الغاب سيكون من الصعب وجود قائدين للقطيع، من الصعب البقاء في نفس المسمى لشخصين يحملان نفس التفاصيل، سيسعى واحد منهما للتميز والتقدم، صحيح أننا قد نجامل ونتعامل وتدور العملية، ولكنها تدور بتكلف كما نفعل حين نمسك قطبين من نفس النوع بيد واحدة محاولين فرض بقائهما ملتصقين. لاشيء يجمعها سوى القوة التي تتحكم بهما، سوى القانون الذي فرض بقائهما في منطقة واحدة متقابلين.

مهما اقتربنا في حياتنا الشخصية فسيبعدنا التشابه في المواصفات، نحتاج إلى التعددية لنتعايش، نحتاج إليها لنتكامل، يكون التكامل بلقاء الصفات الملائمة، لماذا ننجز جميعاً نفس المهمة؟ لنكل المهمة للأكفأ ولنقم نحن بما نحسن عمله، الموجب والسالب في المغناطيس هي مؤهلات ومواصفات، ضع نفسك في المكان الصحيح لتعمل مع الفريق بشكل صحيح وتنتج.

المغناطيس قائد موثر، غالب المحيط من حوله برادة تتجمع في انتظار توجيهه، الخير موجود فيها كالخير في الأرض المباركة التي نعيش عليها، لكنها تحتاج من يطهرها وينقيها من الشوائب العالقة بها، ومن الايجابيات التي قد تظهر في وقت لانحتاجه فتكون أقسى في ضررها من السلبية، كالرغبة في القيادة ومخالفة القوانين التي تنزع في صدور البعض فيعارضوا بها الأكفأ ويشتتون الفريق.

برغم الخير في الناس إلى أنهم يدورون حول الأقطاب، ليس لهم إرادة، ينتظرون راي القائد ليعملوا به، حتى من كان يملك الراي سيخاف من اتخاذ القرار وينتظر غيره ليقرر بدلاً عنه، جرب أن تضع البرادة فوق ورقة وتحرك المغناطيس أسفلها، اذهب يمنة ويسرة وراقب كما كنا نفعل حين كنا صغاراً البرادة اللاهثة حول القطب، نحركها في عبثية لنستمتع بمنظرها وتشكيلاتها، وهكذا يفعل القائد لو لم يكن مؤهلاً وذو رؤية واضحة وأهداف محددة، سيلعب بعقول وقلوب الكثير ليحقق ابتسامة وقتية، ثم يرمي بهم ليبعرثهم دون أمان، ولا انتماء ولا هوية.

لايوجد غيرك في القيادة، فلا تنتظر أن تجد قائداً في البرادة، ولأنك المغناطيس فضع نفسك في مكانك الصحيح مع المغناطيس من حولك لتتم الدائرة وتصلون جميعاً لهدف مشترك. الثياب التي نلبسها لاتغير مواصفاتنا، لاتهتم بالألوان وتأكد من أصالة الصفات.

(الصورة بعدسة: Björn Wunderlich)

Creative Commons License
كتاب آت by Abdullah Ali is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.
Permissions beyond the scope of this license may be available at www.aalsaad.com

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

شوق وقيود

 8285015684_b9ea20f1de_o

15/8/2011م

منزل صديقي (غرفة الضيوف).. الساعة 3:45 فجراً

أمي.. ضاقت على ولدك السبل.. بين قلب لاهٍ.. وروحٌ معلقة.. يهدني الشوق يا أمي وتقيدني الذنوب.. تحملني الذكرى فأطير، ويصدني الواقع فيرديني.. لم أستطع التحرر من قيودي.. هل لأنني لم أجد يداً تحررني أم أنني أعشق قيدي.. حاولت مراراً، والحقيقة أنني حاولت مجتهداً.. وفي كل مرة أطير أسقط.

التصنيفات
القصيدة

كان سراب

SONY DSC

قبل ساعات رحل خالي (رحمه الله ورحم أبي وجدتي وموتانا) بعد غيبوبة استمرت لشهرين..

طوى برحيله عمراً من الغربة لم يعرف الاستقرار..

غصن ولد مقطوعاً وعاش حياة أشد انقطاعاً..

وهذه المرثية هي معارضة لمرثية كتبتها شقيقتي حفظها الله..

وهي شاعرة أفصح مني لساناً..

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

لماذا المطار؟!!..

SONY DSC

10/8/2011م

المطار (صالة المغادرة).. الساعة 4:30 فجراً

بعض الناس يتحرك في الأمكنة العامة بدون حياء، لاأدري أي متعة يجد، ولكن قطعاً لن أكون مثله في يوم من الأيام، صحيح أنني قد أنطلق في بعض الأوقات ولكن أظل محافظاً على الآداب العامة.

وتبقى المطارات وصالات الانتظار هي المكان الأكثر سكينة بالنسبة لي، الضوضاء هنا مختلطة، كلمة عربية تتخلل كلمات جاراتي الهنديات، وصوت النافورة يشد من أعصابي فلا أفكر في الاسترخاء، أنظر لانعكاس وجهي في المرآة أمامي، تلمع من خلفها بين لحظة وأخرى أنوار السيارة في مدرج الإقلاع، ها أنا أعود لمنزلي مرة أخرى، أعود كالطائر لاأحمل سوى جناحي، هذه المرة فوق الجناح حقيبة المحمول بدلاً من حقيبتي الخضراء، ومنزلي هذه المرة ليس سوى المطار.

التصنيفات
همسات

حرف وفكرة

س

أتقلب في جذل بين الفكرة المميزة والحرف المعبر البليغ، ليس بالتكلف ولا بالتأويل والتقليد، بل بالإبداع الأصلي الذي يعطي دلالاته وله تأثيراته. فالفكرة عندي تتكون من عدة عناصر تماماً كالآلة، والربط بين المكونات بطريقة صحيحة يعطي آلة سليمة قادرة على العطاء، كما أن الأدوات التي نستخدمها في التركيب تمثل اللغة والتحليل والربط والاستنتاج، ومن شأن هذه أن تعطي شكلاً جمالياً يزيد من وضوح الفكرة وقبولها وانتشارها.

قد لايتخيل الكثير أثر الكلمة في نفسي، ماذا تفعل الكلمة بي، فالشعر جنوني، أذوب مع كلماته، كأن الأبيات سكاكين حادة تقص عظام صدري، تؤلمني الأبيات، تؤلمني طرباً، أبدو كالسكران، كالممسوس، أغيب عن كل شيء مع الشعر، تنتزعني الكلمة انتزاعاً، تحملني وتلقي بي بلا رحمة لترض عظامي وتسحقني، كأنني أصاب بتيار كهرباء يسري في جسدي فيربطني به، فلا أستطيع تخلصاً منه ولا يتوقف عن تعذيبي، ولو ترك الخيار لي لظللت مرتبطاً به أرفض أن يعتقني.

أشعر بالذئب في داخلي يركض مع الكلمة، يحوم حول نفسه في القفص الضيق بلا توقف، فإذا أمسكته عوى ألماً، يظل يحفر الأرض الخرسانية بأظافره حتى تدمي، أرحمه فأطلقه فيعود للركض والعواء، لايحركني مثل وقع الكلمة وصوت الرصاص، عذاب لذيذ هو الرحيل مع الحرف، فهم وشعور بالمعاني، الحرف قاتل يقيدني ويتفنن في تعذيبي، لا أدافع عن نفسي أمامه، بل أسلمه الأدوات بيدي ليعذبني كما يشاء، آه أيتها اللغة، آه أيتها العربية.

 

(تصميم الصورة: هنادي الصفيان)

Creative Commons License
كتاب آت by Abdullah Ali is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.
Permissions beyond the scope of this license may be available at www.aalsaad.com