التصنيفات
طائر المئذنة

حديث الحقائب

112

سمعت جلبة شديدة وتعالى صراخ الصغار.. ثم فتح باب السندرة القديمة وألقيت حقيبة، وأغلق الباب بقوة وساد الصمت ثانية.

كانت السندرة القديمة تمثل مخزناً لهذه المنازل النصف قروية.. وباستثناء كوة صغيرة مرتفعة لم تكن ترى النور إلا في مرات محددة من السنة، تمثل الفترات التي تهتم فيها الأسرة بتنظيف المكان وبالتخلص من بعض الأشياء القديمة لتوفير مكان لأشياء أخرى ستلقى فيها ذات يوم.

أثارت الموجة التي مرت قبل قليل بعض الغبار.. ثم بدأت الأمور تعود إلى هدوئها ثانية.. وعاد الغبار إلى التراكم ثانية على الأشياء المكومة هنا وهناك. حقائب متعددة المقاسات، قطع أثاث، أحذية مختلفة، مرآة مكسور طرفها تقبع مائلة في ركن قصي، وصناديق فيها ملابس شتوية لم يحن موعد استخدامها، وجرائد قديمة كانت مهمة ذات يوم، ومعاطف الصقيع معلقة على مسامير حديدية وقد علاها الغبار وبدأ العث يرتع فيها.

قطع السكون صوت ضحكة فتية.. فيما تململت الحقيبة الملقاة وبدأت تعدل من وضعها.. ثم التفتت إلى مصدر الصوت وسألت بغضب:

–        لمً تضحكين؟

ارتفعت القهقهة دون اهتمام بالسؤال.. فيما تململ صوتٌ عجوز مستنكراً الضجة..

–        ماالذي يجري هنا؟ لماذا ترتفع أصواتكم.

سمع صوتاً من الزاوية المظلمة في السندرة يقول:

–        يبدو أن هناك ضيفاً نزل علينا.. أهلاً بك أيتها الحقيبة الصغيرة لماذا تبدين غاضبة؟

ردت الحقيبة الصغيرة:

–        أريد أن أعرف لماذا تقهقه هذه الملونة؟

أجابت الملونة:

–        أهلاً بك.. اسمي ليلى، أنا حقيبة ألعاب الطفلة هناك في الأسفل. ضحكت لأنني شعرت بحالك.

–        وما المضحك المضحك في حالي؟ ردت الحقيبة بغضب.

–    كلنا هكذا حين نصل إلى هذا المكان.. نشعر بالغضب في البداية لأننا لم نتعود على الغبار.. ثم نألف الأجواء وسرعان مايصبح شعور الغضب نوع من اللامبالاة.

أخذت الحقيبة تسمح أثار الغبار عن جلدها وهي تغمغم بكلام لم يفهمه أحد.. ثم رفعت رأسها بنوع من التكبر وقالت:

–    ولكنني لست كالآخرين.. الأمر لا يعدو ظروفاً خاصة تمر بها الصغيرة، وسرعان ماستفتقدني وتعود لتبحث عني وتخلصني من الأشخاص غير المحببين.

ضحكت الحقيبة الملونة.. فيما رد الصوت العجوز بنبرة فيها عمق التجربة:

–    جميل، جميل أن يعيش الإنسان بالأمل.. وجميل أيضاً الثقة بالنفس. ولكن الأهم من الإحساس بالأمل هو أن نستمر نحيا به.. ونشعر بقدرتنا على العطاء بالرغم من كل الظروف.

رد صوت خافت من داخل أحد الصناديق..

–        لا عليك يا أماه.. هكذا كنت أقول في البداية، ولكنني اليوم سعيد باستقراري داخل هذا الصندوق..

ثم فتح الصندوق وأطل رأس صغير يشبه فردة حذاء طويلة العنق.. وتابع كلامه:

–    أتريدين الحقيقة.. الرضى بالصندوق أفضل من أسنان كلب تقبض علي، وتجري بي في الشوارع والمزابل، وتلقي بي في النهاية عند بركة ماء خلفتها الأمطار بجوار رصيف قذر.

ثم عاد وأغلق الصندوق.

–        ما الذي يجري هنا؟ ماهذا الكلام.. صاحت الحقيبة برعب.

–        ضحكت الحقيبة السوداء بحنان ثم قالت:

اقتربوا مني يا صغاري وأنصتوا إلي أقص عليكم قصة هذا المكان.

بدأت الحقائب والصناديق تلتفت إليها مصغية إلى قصتها.. فيما أخذت العجوز تروي.

–    في الماضي كان لهذا المكان وزن وقيمة.. لأنه كان محطة مؤقتة.. ففي الصيف توضع فيه أغراض الشتاء، وفي الشتاء تحفظ فيه أشياء الصيف، حتى يحين موعد استبدالها.. وكان الناس وقتها يهتمون باقتناء ماينفعهم.. ولأنهم يعيشون على الأرض فهم يقتصدون في كل شيء.

عالم الناس كعالمنا تماماً.. فلكل شخص مهمته أو وظيفته في الحياة.. تماماً كالوظائف التي نؤديها.. فالحقيبة التي تصلح للمدرسة لا تصلح لحفظ طعام الرعاة.. وهكذا لكل قيمته.

مع التطور بدأ يتغير هذا المكان.. وأصبحت تلقى فيه أشياء عديمة النفع، ثم يتم ترتيب المكان لتلقى في المزابل وتنسى.. وأصبح من يأتي هنا لأول مرة يشعر بالتذمر، ثم لايلبث أن يتعود فتخمد ثورته، ثم يصمت حتى يأتي يوم يعاد استعماله، أو يلقى خارجاً.

–        وماذنبي أنا؟

–    ليس لك ذنب يا صغيرتي.. كما أنه لا أحد لم أفهم؟ ذنب في هذا.. لقد تغير كل شيء.. فليس لكم قوة الأسلاف.. كما أنه ليس لنا منظركم البراق.

–        وهل.. هل.. سيرمون بنا؟

–        هذا يا صغيرتي يتوقف عليكم.

–        ماذا نفعل؟

–        حافظوا على جمالكم.. خيوطك الصغيرة إذا تمزقت من الحزن سيفسد مظهرك، وستفقدين قوتك.. وسيلقون بك حين تصبحين عديمة النفع. ولكنهم سينظفونك ويعززون خيوطك بخيوط أخرى إذا رأوا أنك لازلت صالحة للعمل، وأنك تحافظين على عطائك.

لم تظهر علامات الرضا على الحقيبة الصغيرة.. وفي الوقت نفسه سمع صوت اصطدم طائر صغير بالنافذة، حاول العبور ولكنها كانت موصدة.

قالت الحقيبة الكبيرة:

–    هذا الطائر على سبيل المثال، لم ييأس من محاولات الدخول هرباً من الشتاء.. مع أنهم هدموا عشه ثلاث مرات.. وسينجح حتماً.. على الأقل وجد لنفسه مكاناً تحت قرميد المنزل، ولن يلبث أن يجد طريقه من خلال الأخشاب. إن الحياة لاتنتهي.. هي هكذا دائماً.. تمنح من يجتهد فيها.

–        لكنها أنانية.

–    لا يا صغيرتي.. ليست كذلك.. هم من صنعك.. ويريدون الاستفادة منك.. قدمي لهم شيئاً مقابل الساعات التي عملوا فيها بين الآلات لأجل أن يخرجوك بمنظرك الحالي.

–        ولكن لنا الحق في الحياة.

–        نعم.. صحيح، وهم أيضاً يريدون الحياة.. وكلانا يكمل الآخر.. لكل منا قيمته.

قالت حقيبة زرقاء كبيرة:

–        أوه يا جدتي.. لازلت تكررين نفس الكلام.. ليس لهم من الخبرة مالك.. الأيام كفيلة بتعليم الناس.

ردت الحقيبة الصغيرة:

–         وماذا تفعلين أنت؟

–    أنا حقيبة الجد.. حين يسافر فإنه يتذكرني.. يأخذني، ينظفني، وأحياناً يصبغني لأبدو بمظهر الصغيرة. لقد جبت معه عديداً من البلدان، ورأيت كثيراً من الأشياء.

–        وهذه الملونة؟ أشارت إلى ليلى

–        ليلى حقيبة قماشية.. إنها للزينة أكثر منها للاستعمالات العملية. حين تقام الاحتفالات يأتي مقامها.

–        فاشلة..!! قالت ذلك بترفع.

فتح الباب فجأة واندفع صبي وطفلة يتعاركان:

قلت لكَ لاترم حقيبتي مرة ثانية.

–        وأنا قلت لكِ اتركيني وشأني.

–        أين ألقيتها أيها المتوحش؟

قال الصغير بتكبر..

–         لا أدري، حاولي أن تجديها بنفسك.

التفت الصغيرة إلى حيث تجمعت الحقائب بجوار الجدة.. ثم صاحت بفرح..

–        أوه ما أجمل هذا. انظر كل حقائبي هنا.

جرت نحو الحقائب ثم رفعت ليلى وشرعت تنفض عنها الغبار..

-لازالت جديدة، فقط تحتاج إلى تنظيف.

ثم أمسكت بالحقيبة الصغيرة:

– وهذه حقيبتي لقد وجدتها، لن تستطيع أن ترميها ثانية.

التفت الصبي إلى الصندوق وهناك لمح الحذاء البني.. لمعت عيناه في لهفة:

وهذا حذائي.. لقد وجدته..

سحبه بعنف وضربه في الجدار لينفض عنه الغبار.. فيما ارتفعت صيحة الحذاء المتألم. وقبل أن يخرج فتح النافذة ليجدد الهواء.. وليدخل الطائر الصغير.

 

(تصميم الصورة: هنادي الصفيان)

Creative Commons License
كتاب آت by Abdullah Ali is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.
Permissions beyond the scope of this license may be available at www.aalsaad.com

 

 

التصنيفات
رؤى

المصانع النابضة

7653803862_865cb6d5ca_o

بين الأسرة والإدارة، وفي محاولة ليس لربط الإدارة بعلم النفس أو بالأسرة، بقدر ماهي محاولة لضرب أمثلة من واقع نعيشه وفتح باب للتأمل في المحيط الذي نعمل في حدوده ونمثل بعض موارده.

الأسرة تشبه المصنع، ليس على الإطلاق لكي لا يعتب عليّ زملائي في المهنة ممن يعانون من ضجيج الآلآت. ويحاولون الهرب إلى أحضان أسرتهم حيث ينشدون الهدوء. ولكي أكون أكثر تخصيصاً فالأسرة تشبه وحدات الإنتاج، وكفلسفة إدارية أقول بان جميع وحدات المصنع هي وحدات إنتاج بصورة من الصور، فإدارة الإنتاج تنتج مواداً نهائية تمثل المنتجات التي تقدمها الشركات (المنتج النهائي)، وإدارة الموارد البشرية تنتج برامج خدمات وتأهيل الموظفين لتساعدهم على التفرغ للإنتاج (خدمات الموظفين والخدمات المساندة)، وإدارة المالية تنتج موازنات ومقارنات وسيولة تحقق الاستمرارية الآمنة للشركة (خدمات مالية ومسيرات). وإدارة التسويق تعمل خططها لإنتاج مبيعات وأنشطة إجتماعية، وهكذا فكل إدارات المصنع تعتبر وحدات إنتاج مع الفرق في طبيعة المنتج وعملية الإنتاج. ولكنها في النهاية تنتج منتجاً يحقق الربحية للشركة، والاستقرار للموظف، والفائدة للإقتصاد والمجتمع.

والأسرة بهذا المفهوم ليست بعيدة عن هذا الأمر، فهي تنتج استقراراً، وأمناً، ونمواً اقتصادياً واجتماعياً، ومعرفةً، وسلوكاً، وغير ذلك. ولأنني رجل أنادي بوضع المعايير التي تمكن من قياس الإنتاج ووضع ضوابط رقمية للنجاح فسأحاول أن أضع أمثلة للمعايير التي يمكن من خلالها قياس الأداء وتسهيل عمل المقارنة للأسر الكبيرة خاصة، فلكل عملية إنتاج معايير نقيم من خلالها أداء الإدارة فعلى سبيل المثال:

– المعيار الأول.. نوعية الإنتاج: وتشمل النوعية عدة معاني ومنها:

1. نوعية المنتج: كالحب، والعمل، والترفيه، والتنظيم، والتخطيط القريب والبعيد، وغير ذلك.

2. نوعية الإنتاج: وفي الأسرة تعني الوسائل المتنوعة لتقديم المنتج والذي هو عبارة السلوك السابق من حب وغيره، وتحديد البرامج الملائمة التي تحقق وصول المنتج إلى الشريحة المستهدفة، وضمان أقصى درجات الفائدة منه.

– المعيار الثاني.. كمية الإنتاج: ولكي نحقق التميز في الإنتاج لابد أن نراعي الآتي في الكمية:

1. أنه تلبي الكمية المنتجة الحاجة في الأسرة والتي تمثل (السوق المستهدف).

2. أن تكون الكميات المنتجة تحقق الربحية، أي أنها تغطي المصاريف التشغيلية لها، ومن هنا يبدوا لنا خطر غياب الفهم الأسري للإختيارات القرارات، والتقليد الغير متزن لما يدخل على السرة من تقاليد تصرفها عن المنهج الصحيح الواجب اتباعه. فتختار الأسرة منهجية غير ملائمة، ثم تكتشف إن استثمارها كان خاسراً.

– المعيار الثالث.. الجودة: ولا يكفي أن تقوم وحدات الإنتاج بعملها، بل لابد من تأكدها من أنها تسير وفق ضوابط المنشآت ومعايير الجودة، وإلا فإن هناك إدارة ستمارس عمليتها الإنتاجية هي الأخرى وأعني إدارة الجودة، وستقف على وحدات الإنتاج لتتأكد من جودة المنتج الذي ستقدمه، وسنجد أنفسنا بين عدة خيارات:

1. أن يكون المنتج ذو جودة عالية ويحقق التميز. فيكون له الأفضلية بين المنتجات التي تطرح في السوق.

2. أن يكون المنتج ضمن معايير الجودة، ولكنه ليس الأجود. فيخضع لجداول المقارنة وقد يفضل عليه غيره في حال وجود منافسة متميزة.

3. أن يكون في المنتج عيوباً تؤثر عليه ولكن قد يصلح للإستخدام في بعض الظروف الطارئة، أو لفترة زمنية معينة.

4. ألا يكون المنتج صالحاً. ولن يشتفع في هذه الحالة توفر كميات كبيرة منه، لإنها كلها غير صالحة، وكذلك لن تنفع الأساليب فالنية الطيبة لا تشفع في بعض الأوقات. وفي هذه الحالة سيتم التخلص من المنمتج، وتضخع الإدارة المنتجة للمسائلة إذا لزم الأمر.

– المعيار الرابع.. الخدمات: وهي من أكبر الأمور التي تمكن من التفريق بين شركة وشركة في حال تكافؤ المعايير السابقة، فزيادة الخدمات تتناسب طردياً مع حجم التنظيم في المنشأة، وكذلك تتناسب طردياً مع حجم الإقبال على المنشأة.

يمكن لمن تزوج بأكثر من زوجة أن يقارن بين أداء الزوجتين على ضوء المفاهيم الإدارية السابقة، وفي تصوري أن الأمر سيكون سهلاً ومقبولاً وعملياً لا يترك فرصاً كبيرة للعتب بسبب النقد الموجه. فالأمر بيد وحدات الإنتاج (أي الزوجات)، أن تعمل ضمن المعايير لتضمن الجودة والملائمة لمنتجها، وأن تدرس السوق والحاجات الفعلية لعملائها اللذين هم أفراد الأسرة. مع مراعاة:

1. المنافسة القائمة في محيط العميل.

2. الاحتياج الحقيقي للعميل.

3. طبيعة المنتجات المقدمة.

4. الوضع التنافسي والحصة السوقية أو الدور الذي تقدمه إدارتي ضمن الشركة التي أسميها الأسرة.

وأيضاً يمكن أن ننظر للأمر من زاوية أخرى.. فالأولاد وحدات إنتاج.. والأقارب وحدات إنتاج.. والوالدين وحدات إنتاج.

وأخيراً لماذا كانت مصانع نابضة ولم تكن مصانع حية؟

لأن الحياة تحمل العديد من الإجراءات وهي قد تكون شروطاً تعجيزية أو بمعنى أصح فيها صعوبة وتكاليف، ولكننا في الأسرة نقبل النبض فهو بلا شك يحمل منتجاً نحتاجه ونبحث عنه ونسميه (الحب).

 

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

 

Creative Commons License
كتاب آت by Abdullah Ali is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.
Permissions beyond the scope of this license may be available at www.aalsaad.com

التصنيفات
القصيدة

إلى التي تملأ الأرواح

5191415333_f573bc5cdc_o

هــنــا فــؤاد يــصــوغ الــحـب والـشـعــرا … إلـى الـتـي تـمـلأ الأسـماع والبصرا

كــم مـــرة كــنــت ألــقـاهـا عـلـى طـرف … من الـسـرير تناجي الطفل والقمرا

تـطـوي الـحـروف لكي أغفو وقد سـهـرت … يارب رحـمـاك إن الـقـلـب قـد فطرا

متى تنامين؟ تستجدي المبيت ضحى؟ … لـقـد حـمـلـت عيوناً تدمن السهر

تـجـري تـجـيـب نـدائـي كـلـمـا نـطــقــت … بإسمها شفتي أو جئت منكسرا

هـذي الأصـيـلـة لـم تـعـرف مـبـادئـهــــــا … كـف الـغـوايـة أو يـهـتـك لها سترا

أحــبــهـــــا.. وأزيـد الـحـب مـــنـــقـــبـــة … إذا قـرنـت الـهوى بالطيب مفتخرا

نـامــي فــديــتـــك لاتـكـفـيـك قـافـيـتـي … ولـو نـظـمـت حـروفـاً تغرق البحرا

الـنـاس تـنـظـر عـلّ الـنـجـم يـصـحـبـهــا … أما لقلبي فـعـنـدي الخير والبدرا

يـامـن أويـتـي بـصـدر الـريـح أشـرعـــــة … كانت تسافر تطوي الأرض والبحرا

كـنـت الـعـريـن لـصـقـر طـار مـبـتـعـــــداً … والناب حين بدا في العالم الـغدرا

مـاذا تـقـول حـروفـي فـي مـحـبـتـكـم؟ … لولاك ماعاد قـلـب أدمـن الـسـفرا

يـامـن أحـب ولا تـكـفـيـك قـافــــــيـتـي … مهما وهبتك.. جئت اليوم معتذرا

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

Creative Commons License
كتاب آت by Abdullah Ali is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.
Permissions beyond the scope of this license may be available at www.aalsaad.com.

التصنيفات
بين الإنسانية والمهنية

المشاع الإبداعي

Creative Commons License
كتاب آت by Abdullah Ali is licensed under a Creative Commons Attribution-NonCommercial-NoDerivs 3.0 Unported License.
Permissions beyond the scope of this license may be available at www.aalsaad.com.

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

الحياة في الموت

3589154888_76c33b15ed_o

8/8/2011م

بيت البدر (الملحق).. الساعة 9:20 مساءً

الموت من حولنا متعدد الصور، موت يسير على قدميه غافلاً، وموت يسير يراقب صفحات التقويم لينتظر الرحيل، موت نألفه حتى يقسى القلب فلا نتأثر لمشاهدته، يتكرر في كل يوم بكافة التفاصيل فلا نستوعب العمليات، حين ترى منظر الطفل في الصومال ستتأثر، ولكنني أعرف قلوباً لم تتأثر، ليس لقسوتها وعدم شعورها بما ترى، بل لأنها تنظر إلى الموت والحياة كشيء متكرر ليس بالشي المؤثر أو المدهش.

التصنيفات
طائر المئذنة

أول يوم دراسي

أول يوم دراسي copy

وقف بسيارته بجوار المبنى وأخذ ينظر في صمت حزين إلى الباب الأسود الكبير.. شعر بضآلته أمام هذا المارد.. أيعقل أن تمر الأوقات بهذه الصورة المرعبة في نفوسنا فتقتل كل لحظة جميلة عشناها؟.

التفت إلى الباب ثانية، لم يكن ينتظر خروج الأطفال فهو يعلم أن المدرسة مغلقة في هذا الوقت.. كانت الساعة الواحدة ليلاً والشارع خال من المارة.. رجع بذاكرته إلى الوراء وتذكر مدرسة القرية.. اليوم أول يوم دراسي له.. تذكر ابتسامته وهو يجري في الحديقة.. تحديه له في سباق يبدأ من مكان أمه وينتهي بنهاية الشاطئ.. المرور بين العربات في المحلات التجارية وهو يرتدي حذاء التزلج.. وكلما رجع لعربته يضرب ظهره في ابتسامة بريئة تعجز كل ريشة عن تصويرها.

تذكر أنه لم يأكل شيئاً منذ الصباح.. تحرك بالسيارة وتوقف أمام مطعم للوجبات السريعة.. نظر إلى المقعد الفارغ بجواره وابتسم ودمعة تنحدر من عينيه وخاطب المقعد.. ماذا ستأكل؟

لم يكن ينتظر الرد.. لكنه فعل كما كان يفعل دائماً معه.. لم يكن يراه مجرد طفل.. بل كان طفله وزميل عمله وكل شيء في حياته.

أوقف السيارة ثانية على الشاطئ المظلم.. سكنت نفسه لصوت الأمواج.. وعادت الصور في ذهنه من جديد.. حمله على كتفه.. وضع يده الصغيرة على رأسه.. ووضع ذقنه فوق يده.. وبدأ يكلمه.

أبي.. أريد هذا القلم.. وأريد هذه الأوراق الملونة لأرسم فيها.. واو أبي أريد هذه الحقيبة الصغيرة لأضع فيها أوراق ميدو.. ميدو الدب الصغير الذي لا يفارقه حتى في منامه. ويلتفت إلى ميدو المرتبط بصدره.. تريد هذه؟ سأشتريها لك.

أبي هذا اللون لا يصلح.. لابد أن تغيره لي.. أنظر لدي هنا ملابس كثيرة تشبهه لماذا اشتريته.. المرة القادمة أنا سأذهب معك لأشتري بنفسي.. يتركه يركض إلى غرفة مجاورة.. يعود إليه مبتسماً ويختطف قبلة تطبعها شفتاه الصغيرتان.. أشكرك أبي.

–        أبي.. أنت كبير؟

–        نعم يا بني.

–        يعود لذهوله المفاجئ.. وأنا.. كبير، أم.. صغير؟

–        أنت رجل كبير جداً.. انظر. ويقف الأب على ركبتيه ويقترب من الابن الجالس على السرير.. يساوي الرأس ثم يقول انظر.. أنا أصغر منك.

–        ويبتسم الابن.. وسأذهب إلى المدرسة؟

–        نعم وستكون أفضل مني.

–        وأشتري حذاء تزلج جديد؟

–        تريد حذاء جديد؟.. لديك اثنان.

–        أريد الفضي.. أعجبني ويصلح مع هذا القميص..

وترتسم الابتسامة ثانية.

–        حسناً سأشتريه لك غداً بإذن الله.. هيا الآن للنوم.

التفت إلى السماء.. النجوم تزهر.. وعادت ابتسامته ثانية..

–        بابا.. أعطني حبل.

–        لماذا؟

–        الشمس ستختفي في البحر.

–        ولماذا تريد الحبل؟

–        سأرميه عليها وأرفعها فوق.. ليزداد النور.

آهـ لو علمت بما حدث لأبيك يوم رحيلك يا بني.. عاد لليل والبحر يتأمل في سكونهما.. وصوت الأمواج الخفيف يضرب الشاطئ في لطف.. وأضواء صغيرة بعيدة على امتداد الأفق توحي بالمشاركة في هذا الملكوت.

–        خلاص.. يكفي كلام.

–        ما بك يا بني؟

–        أتعبوني بالكلام.. أوجعني رأسي.

يبتسم ثانية ابتسامة أقرب ما تكون للبكاء.. هذا الصغير … واختفت الكلمات من شفتيه.. وعاد ثانية لمكانه.

نزل من السيارة وبدأ يمشي.. الرمل ناعم.. ورجله تغوص فيه.. عادت الذكريات لنفسه.. أبي انتبه لا تتسخ وإلا ستغضب أمي.. امش هكذا ويتحرك بهدوء على الشاطئ.. يعود مسرعاً إلى سيارته.. يرتمي على المقعد.. كل شيء، كل شيء يذكرني به.

يتحرك بالسيارة الوقت قارب على الفجر.. يصل إلى بيته وقت الأذان.. يصلي الفجر ويعود إلى غرفته.. يمكنه أن ينام قليلاً قبل أن يذهب إلى عمله.. يغمض عينيه وصورة الصغير ترتسم أمامه.

 

(تصميم الصورة: هنادي الصفيان)

التصنيفات
رؤى

السنجاب

6250498399_cef87b8a27_b

هناك تشابه بصورة من الصور، بيننا وبين بعض الحيوانات الأليفة التي نسمع عنها وربما رباها البعض منا. ولنأخذ مثلاً على ذلك السنجاب، حيوان جميل يعيش في الغابات، ولأن الجزيرة صحراوية فهي لاتمثل الموطن المناسب له، مع أنني قد اقتنيت واحداً وكنت أشعر بالتميز لأجواء الخيال التي أضافها إلى منطقتي الفكرية.

القفص الصغير الذي هيأته له كان يمثل بيئة الاستقرار التي أحلم بها ويحلم بها كل موظف، كما وأن الدولاب الخشبي الذي يجري داخله كان يمثل طرق وصولنا إلى أهدافنا، وحالنا في الجري واللهاث يشبه السنجاب الصغير المنطلق داخل العجلة.

لا يتعدى واقعنا القفص، بينما تنطلق أفكارنا إلى الخارج بسرعة مذهلة، وكأننا وصلنا إلى قمة مساحة الحرية في بيئة السنجاب الحقيقة وارتقينا آمالنا بسرعة ارتقائه اشجار الغابة.

بعض الناس يخلطون بين الواقع والخيال، فيرفض الاقتناع بأنه محبوس في قفص، محبوس في الوظيفة، أو في المنزل المسـتاجر، أو في المؤهل المتواضع، أو في الطموحات الصغيرة. ويصر أن يجري مغمضاً عينيه ويشعر بملامسة السحاب والسماء الواسعة من حوله، ويحقق لنفسه السعادة، ولكنه لن يجرؤ على فتح عينيه، لأنه سيصطدم بلا شك بالدولاب الذي يجري داخله أو بجدران القفص.

كلنا يريد مساحة الاستقرار هذه، ولكن هناك فرق بين شخص وآخر في تعاملنا مع المعطيات وواقعيتنا في الحكم، الحياة التي نصنعها بخيالنا لاتمثل حقيقة عند الآخرين، وربما كانوا يعيشون الوهم نفسه، ولكنهم أقدر على رؤية أوهام الآخرين، من التبصر بأوهامهم.

الدولاب هو مفذنا الوحيد للحرية والإنطلاق، سنظل نجري داخله محققين الوصول إلى الأهداف، ثم ننزل مرة أخرى مرتطمين بإناء واقعيتنا أو بماء عيوننا المبعثرة على الأرض الصغيرة للقفص. وبالرغم من ذلك فالجري يشعرنا بالرضا، وقد نقنع أنفسنا بوصولنا إلى الرضا وعدم الأسى على مالم يتم تحقيقة ومالم نلامسه، ولكن الرضا الذي سيتشكل في داخلنا ليس الصورة الصحيحة التي يراها من هم في الخارج.

في الخارج هناك عالم أكبر من عالم الداخل.. وهناك عيون تراقبنا:

–       فعين هي التي تسببت في وضعنا في القفص، وقد يتم ذلك الأمر بعدة طرق:

* بطريقة مباشرة من خلال فرض القيود الفكرية والنفسية علينا.

* بطريقة غير مباشرة من خلال إعطائنا صور وهمية أشبه ماتكون بالتنويم المغناطيسي، وعلى المدى البعيد أدى ذلك إلى غياب الحقيقة عند الكثير واقتناعه بأن القفص هو البيئة الحقيقية.

–       وعين ترانا وتبتسم لنا في حال نجاحنا في التأقلم مع بيئتنا الصغيرة، ولكنها لم تساهم في تحريرنا، وقد ترى أن هذا المكان حقيقي بشكل من الأشكال، وهو الأنسب لإمكانياتنا.

–       وعين سنجاب حر يجري بين القفص وبين الأشجار في محاولة لاستدراجنا وتحريرنا، واقناعنا بأن نتبعه إلى الخارج حيث الحياة الحقيقة. ومشاعره تتأرجح بين أمرين:

* الألم لرؤيته واحداً من بني جنسه محبوس في يد صياد.

* العجب حين يرى سنجاباً مقتنعاً بالعيش في قفص، متخلياً عن المساحات الواسعة في الخارج.

بالنسبة لي هناك فرق بين بيئة حتى لو كانت صغيرة ومليئة بالمخاطر ولكنها حقيقية، وبين بيئة توفر لي الحد الأدنى من الاحتياجات، أو توفر لي كماليات لا أريدها وافقد ضروريات أنا في أشد الحاجة إليها.

والبيئة الخارجة على خطورتها إلا أن فرصي في الحياة فيها أكبر. وبالمقارنة بين الداخل والخارج سنصل إلى الآتي:

–       الخطر الداخلي.. يتمثل في: نسيان أوقات طعامنا، غياب العناصر الرئيسية في المعطيات التي تلبي احتياجاتنا ويتم تقديمها لنا، العبث من الأطفال، ونوبات الغضب التي تعتري المنعم علينا بالقفص، وغير ذلك.

–       الخطر الخارجي.. يتمثل في: كواسر تسعى لاقتناصنا، صيادون يريدون وضعنا في قفص، وغير ذلك.

ولكن فرص النجاة في الخارج أكثر.. فلن تجد سنجاباً يستسلم لصياد أو لكاسر من الوحش أو الطير، ولكن المساحة الضيقة في الداخل ستجعلنا في متناول كل يد تريد إيذائنا، وفي النهاية تمرض قلوبنا ونموت أو تموت.

 

(الصورة بعدسة: Barbara)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

تجارب

6845819747_f66d981ee5_o

7/8/2011م

المملكة (البهو).. الساعة 8:15 مساءً

من قال أن التجارب فريدة؟ من منا مر بتجربة لم يمر بها غيره؟ قد نمر بتجربة نادرة، ولكن قطعاً لن تكون الوحيدة، المكان يذكرني بأمور أخرى ولكنه ميت مقارنة بالآخرين، عدة معطيات تتحكم في الشكل النهائي، رائحة القهوة التي تصلني تسبب لي الصداع، ليست احترافية بدرجة كافية، الوقت، الموسم، الحركة، والكلمات التي تصلني من هنا وهناك بأكثر من لغة، النظرات التي تبحث عما تريد من حولي، هل سيكون هذا الشخص أم ذاك؟ أتوقع السؤال يمر بعدة أشخاص ممن مروا علي.

التصنيفات
القصيدة

لايعلمون

5123097142_cc97ac3a31_o

لا يعلمون..

بما يدور بخاطري..

لا يشعرون..

بنبض صوتك داخلي..

لا يدركون..

بأن كل قصيدة..

هي ترجمات مشاعري..

وأن كل سعادتي..

تبكي رحيل سعادتي..

وأن فجري حالك وأن ليلي قاتلي..

يا أنت..

يا صوت المبادئ راعد..

يا كف حب صادق..

يا بسمة القلب النقي..

هل تقبلي!!

مني جميع خواطري؟

(الصورة بعدسة: إياس السحيم)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

أنا وهتلر

IMG_0911

24/7/2011م

المنزل (غرفة النوم).. الساعة 2:30 ظهراً

لازالت نسختي الخاصة بخطوطها الملونة تشي بعلاقتي بكتاب كفاحي، حجم التجربة الإنسانية والإعلامية تعلمني الكثير. حين قرأت الكتاب أول مرة كان محاولة مني لإنصاف الرجل والتعرف على حقيقة مايدار حوله، وفي المرة الثانية أردت الرجوع لبعض كلماته وتصوراته وتحليلاته للأوضاع، والأوضاع تتشابه كثيراً في عصره وعصرنا وفي كل العصور، المعطيات تتكرر ومشكلة أن نتعامل معها كأنها أحداث جديدة لم تمر من قبل ولايوجد تجربة سجلتها. والمرة الثالثة عدت للكتاب أبحث عن الإدارة، والمرة الرابعة كان التعمق في التخصص (التسويق) هو الدافع، والخامسة والسادسة وفي كل مرة أعود لأتعلم منه الكثير.