التصنيفات
تربويات

القادم الراحل

VbbpUnQB

اختلج صوتها حين أسرت لي عبر الهاتف بأنه سيموت، لم أتمكن من تمييز كلماتها ولكنني توقعتها من نبرة صوتها وهي التي لم تبك لشيء سهل منذ ارتبطت بها. حاولت أن أكون هادئاً، والهدوء عندي ليس البرود بل أن أشعرها بالمشاركة والتفهم بقدر ما أشعرها بالرضا.

مع الأيام ازداد الوضع ألماً، ومع ظروف سفري المتكررة بدأت تشعر بالوحدة، وكنت أحاول أن أسد الفجوة وأتواجد قريباً منها رغم كل الظروف. لكن الغريب أننا أصبحنا ننتظر دفنه قبل ولادته، بدأ هذا الشعور يزداد، لم نكن ننتظر لحظة قدومه، بل نعد الساعات لرحيله، ومع كل رفسة في أحشائها كان ينكسر شيئاً من قلبها.

التصنيفات
تربويات

بين مرسي والمعارضة

Slide3

 أنا لا أهتم بالكتابة في السياسة، لأنني أؤمن أنه لاتأثير لكلام شخص مثلي في مواضيعها، فلكي يكون الموضوع مقبولاً يجب أن يحقق عدة شروط ومنها:

– أن يطرح من قبل شخص عرف بالتخصص في الفن والتعمق فيه.

– أن يخاطب شريحة واعية لما يقال متتبعة للتسلسل التاريخي في الموضوع المطروح.

ولأنني لا هذا ولا ذاك فأكتفي بالمشاهدة عن بعد، واهتم بالتأصيل الشرعي الذي يضع معايير الأفعال وردات الأفعال تجاه مايحدث في الساحة.

وحين أقول التأصيل الشرعي فأنا أعني الكلمة بكل أبعادها، فبدون علم شرعي صحيح سيتخبط الإنسان بين المناهج، والإيمان هو الأساس في اختياراتنا، وقد كتبت في وقت سابق عن معايير توجيه الناس وقلت أن الدين هو أقل المعايير تأثيراً في توجيه الناس وقيادتهم، إلا أنه الأعنف والأشد في التوجيه حين تتبناه طائفة من المؤمنين كمنهج حياة.

كذلك كتبت في المذكرات منذ سنين أنه يصعب على صاحب الإنتماء الانصاف، وهذا الانتماء عام، سواء أكان لجماعة إسلامية أو غيرها، فالعمل الحركي يفرض منهجيات عمل على الجماعة تجعلها تختار الرأي الذي يجمعها ويحقق مصلحتها ولو كانت تخالف اختيارات الفرد، وهي مقيدة بقراراتها التي تضمن لها سلامة السير والاندماج في المحيط من حولها لتحقيق مصالحها.

ونجد في التاريخ الإسلامي أن الصحابي “أبو بصير” رضي الله عنه وسعه أخذ موقف لم يسع جماعة المؤمنين في المدينة، ولم ينكر عليه رسول الله عليه وسلم، وليس هذا مكان تحليل الموقف سياسياً وإيمانياً وإنما هي إشارة تؤكد أن “الفرد يسعه مالايسع الجماعة”.

ومع أنني لا أميل للتنظيمات، إلا أنني أفصل بين التنظيم وبين الفرد، فكوني لست مع الإخوان إلا أنني أحب المسلم بغض النظر عن انتمائه، وهذا الحب هو ولاء شرعي، وأرى أن فوز “مرسي” في الانتخابات تعطيه الحق الكامل لنيل فرصة في عرض مشاريعه وقيادة مصر، تماماً كما فعل “مبارك”، وكما يفترض أن يحدث مع التالي.

إن عدم انتمائي للجماعة لايعني بغضي لأفرادها، وموالاتي لأهلها لايعني تبني مناهجها، بل يرد كل ماخالف الشريعة، ويبقى للمسلم حرمته، ومودته، والفرح بهدايته ونصرته، والحزن على البلاء يصيبه.

الأحداث التي جرت في مصر ليست بالغريبة أو المستبعدة، وهي تحقق السنن الكونية ومنها:

– أن الحق لايشترط أن يكون مع الكثرة، فالله يقول: وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين، فتقديم التنازلات مرة بعد مرة لن يرضي جمهوراً عريضاً لايجمعه دين ولا قومية ولا مصالح مشتركة. بل إن عموم الناس ليست مهيأة للقيادة، فالناس كإبل مائة لاتكاد تجد فيهم راحلة.

– أن الانتماء للإسلام والسنة سبب كافٍ لوجود العداوة، ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، وبالتالي فالسياسة الخارجية ستظل أقبية من الترصد والمكائد، وكذلك جزء من السياسة الداخلية التي يفرضها وجود طائفة من أهل الكتاب في الداخل، يضاف إلى هذا وذاك فرق من المبتدعة ممن يحبون أن تشيع البدعة والفاحشة بين المؤمنين.

– التأثير الإعلامي وأثره، والذي وجه رسول الله صلى الله عليه حسان بن ثابت رضي الله عنه أن يستعين بأبي بكر الصديق رضي الله عنه في التعرف على أنساب قريش لكي يتمكن من مواجهة أجهزتهم بنفس الكفاءة، وحين كثرت منابر الضرار خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقطع أصواتهم وأرسل سرايا ليقطع دابر مشركين آذوه في جماعة المؤمنين.

وإعلام المعارضة كان محنكاً يعرف كيف يقدم برامجه في سلاسل متكاملة تخدم أهدافه وتثير مايبدوا أنه نقاط الضعف وتضخمها، تماماً كما حدث في زمن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وانتقال الاخبار بين الأمصار بفساد الولاة ومشاكلهم حتى أصبح أهل كل مصر يحمدون ربهم على العافية، والأمر كله لايتعدى اجتهاداً أو كذبة وضعها دخيل ليفسد على المسلمين سكينتهم، وهذا من شأنه أن يوغر الصدور ويثيرها، ويملئها غضباً على الحق وأهله، ولا يقف الأمر عن المعارضة بل يبدأ في التعدي على أهل الأحلام البسيطة اللذين لم يروا في الحكومة الجديدة باباً لتحقيق المصالح، واستعجلوا للثمرة ولم يدعموها، بل لم يساعدوا في تحقيق النهضة المرجوة.

– الباطل لايمنع الحق من فرصته في المواجهة، ولكنه ينتقي الأضعف ليضعه أمامه في مواجهة، ثم يقول أعطيتكم الفرصة وفشلتم، والضعف والقوة ليس في الجناح العسكري فقط، بل في كل مسارات المواجهة، والمعارضة المصرية كانت تمتلك خبرات رجال في القضاء والجيش يتوقع أنّ منهم من يعارض حقيقة، ومنهم من يخاف على نفسه وسيتبع الموجة الغالبة، ومنهم من هو محايد لم يستفد منه بسبب انفصاله عن التنظيم.

إنني أؤمن أن الخلافة الإسلامية ستقوم حين يريد الله ذلك، وستكون خلافة راشدة على منهاج النبوة، وحتى هذه الخلافة سيخرج جيش لمواجهتها ويخسف الله به الأرض، ولكن هذا سيكون في الوقت الذي يقدره الله، وبغض النظر عن الجماعة التي تولت الحكم في مصر أو في غيرها من بلاد الثورات، وعن مدى قربي أو بعدي عنها وموافقتي أو معارضتي لها، إلا أنتي أتألم لكل مسلم يصيبه الأذى، ولكل شعيرة تحتقر، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

(الصورة من تصميم: فريق العمل في صدارة.. جداول صدارة: بين مرسي والمعارضة)