التصنيفات
طائر المئذنة

مؤتمر الأدباء

 

 

التفتّ خلسة إلى جاري، ورمقته بنظرة سريعة.. كان في العقد الرابع، انتشر الشعر الأشيب في رأسه، ولكن ملامحه السمراء دلت على قوة. كونت رأياً سريعاً عن صفاته، التفاته الدائم إلى الخلف أشعرني بأنه فضولي يصر أن يرى كل الأحداث، لذلك لم أفكر ببدء الحوار معه، كنت أعرف من تجربتي أن هذا الصنف سيبدأ الكلام سواء أسألته أم لم أسأله.

كان المسرح مزدحماً وتنوع الأزياء يدل على اختلاف الجنسيات.. كنت منشغلاً بمطالعة مجلة أدبية، وحتى هذه المجلة لم تسلم من تطفل الجار الخِلاسي.. وفجأة وضع يده على صورة لأديب في المجلة وقال: هذا هو.

نظرت إلى حيث أشار، فوجدت رجلاً في نهاية الخمسين من عمره والناس يقفون حوله يسلمون عليه، ثم تابع جاري:

–        هذا هو صاحب المقال الذي قرأته.

ابتسمت له وشكرته وأبديت اهتمامي، ولكنني شعرت بالتذمر لقطع أفكاري.

–        هناك عديد من الناس في هذه القاعة..

 قطع جاري أفكاري مرة أخرى… رأيت من اللائق أن أرد عليه..

–        أوه نعم، بالفعل.

ثم عدت إلى صمتي.

–        انظر إلى هذا الرجل.. إنه متدين متشدد بالرغم من تحرره في كتاباته.

 وأشار إلى شخص يجلس وحيداً ويراقب الحضور بعين كالصقر.

–        من أين هو؟

–        يقيم في المهجر.. لايهم من أين هو فقد انقطع عن قومه.

شعرت بالضيق منه وعدت إلى المجلة ثانية متمنياً سرعة البدء لأسلم منه.

–        هذا هناك.. شيوعي ماركسي. هو صاحب موقع الرايات الحمراء.

التفت إلى حيث أشار.. كان شاباً في نهاية الثلاثين هذه المرة.. لايزال صغيراً… هكذا قلت لنفسي.

–        هذه الأديبة هناك.. متحررة حتى الثمالة كما يقال.. وأضاف بخبث، ولكنها مغرية أليس كذلك؟

–        رفعت عيني بحذر لأنظر إلى موضع إشارته..

فوجئت بالمظهر الذي بدت به.. كانت تحاول إخفاء سنها من خلال طبقات المكياج، فبدت مقززة بشكل كبير.

–        من أين أنت؟

–        قلت: من الخليج.

–        أوه.. حركة أدبية ناشئة تحمل قوة، ولكن..

–        لم التفت إليه، وظللت أنتظر أن يكمل كلامه.

–        ولكنها متعاكسة.

–        ماذا تعني؟

–        أعني أنها تحمل التناقضات.. أدباء بلا أدب.. وأدب بلا أدباء.

–        كيف؟

–    أسماء كثيرة تنشر لاتحمل أفكاراً ولا معاني كبيرة. وأسماء مقلة بيد أنها قوية.. ثم صمت قليلاً وأضاف.. لم تظهر في يوم من الأيام سيتآمرون عليها.

عدت إلى المجلة ثانية ولم أعلق على كلامه.

–        هذا هناك من الخليج.. صاحب موقع مشهور ولكنه يجمع من حوله من يوافقونه في أفكاره.

أغلقت المجلة بحركة لاتخلو من غضب.. والتفت إلى المسرح أتأمل الناس.. كان صوت جاري يصل إليّ وأنا أقلب نظري في الأوجه التي أراها تمر في حركة دائبة داخلة أو خارجة من وإلى المسرح، هذا هناك شاعر عربي بنصوص أوربية. الآخر مغرق في الوصف.. هذا هو التعبير الذي رايته مناسباً له. ثالث هناك شعره يحمل همومه فقط، والرابع والخامس لايختلفان كثيراً عنه. ترى أين هم شعراء أمتي وأدباؤها؟

بدأ المؤتمر الأدبي.. تناول أطروحات مختلفة، ولكنني لم أكن بينها، شعرت أنني غريب، الأسماء التي ناقشت غريبة عني، الأطروحات غريبة عن ثقافتي، كلها أسطوانات متكررة لأدب عالمي، وشعر عالمي، وقصة عالمية، لا مكان للعربية فيها. أحرف عربية بصياغة أوربية. في المساء عدت إلى الفندق واستلقيت في تعب.. سحبت جهاز الهاتف ووضعته جواري على السرير، اتصلت بإدارة الفندق.

–        مساء الخير سيدي.. كيف نخدمك؟

–        أريد أن أتأكد من حجزي لو تفضلت.

بقيت عدة ثوان منتظراً.. ثم وصلني صوته:

-سيكون الإقلاع بعد ثلاثة أيام في تمام الساعة التاسعة مساء.

–        هل هناك رحلات قبل هذا الموعد؟

–        نعم.. يوجد رحلة يومية.

–        أيمكنني الحجز فيها؟

تأخر قليلاً ثم وصلني صوته:

–        هناك رحلة في الغد في نفس الموعد.. ورحلة هذه الليلة بعد ثلاث ساعات؟

قفزت من السرير..

احجز لي على هذه الرحلة سأكون جاهزاً في غضون عشر دقائق.

(الصورة من تصميم: هنادي الصفيان)