التصنيفات
تربويات

علم النفس الحديث.. داء؟ أم دواء؟

3728767060_2039a0da51_z

علم النفس الحديث.. داء؟ أم دواء؟

في سبيل نظرية إسلامية مستقلة

كمحب للعلوم الإنسانية والتفكير والتأمل، وكمتخصص في علم النفس أجد نفسي مضطراً لأخذ بعض الخطوات التي لم تعط حقها من الشرح والتوضيح، لكي أضعها بين يدي المهتمين بهذه العلوم من ناحية، ومن ناحية أخرى أضعها بين يدي الدعاة علها تكون حافزاً لهم في ومفيدة في المجالات الدعوية وذلك من خلال التعرف على طبيعة النفس البشرية، والخطوات اللازمة للتعامل معها. وأنا أعلم أن مما يسبب عزوف البعض من أهل الصلاح عن دراسة هذه العلوم والاستفادة منها هو الارتباط بأمرين:

* الأول: وجود عقائد متنوعة النزعات فمنها المنحل الإباحي، ومنها الإلحادي، ومنها الغامض الغريب، ومنها الفلسفي الجامد، وغير ذلك مما يرى البعض أنه مضيعة للوقت وغير مفيد وليس سوى جدل وفلسفة.

* الثاني: ارتباطها بشخصيات منحلة فكرياً وأخلاقياً. فهذا ملحد، وهذا شاذ، وهكذا.

وهم وإن كانوا محقين في الكثير مما يتصورنه إلا أن هذا لايعني عدم وجود فوائد يمكن تحصيلها من هذه العلوم، وهو بالتالي لايبرر العزوف عنها، خاصة وأن كثيراً من الناس قد عميت عليهم حقيقة الدين فخاضوا في هذه العلوم وتتبعوا الفلسفة دون أن يكونوا قد تلقوا العقيدة الصحيحة من مصادرها الصحيحة. وبلا شك فجزء كبير من هذه التصورات والملحوظات التي تكونت لدى البعض تحمل نسباً متفاوتة من الصحة، بل سيلاحظ المهتم والباحث ثلاثة محاور رئيسية تصطدم معه وهي كالتالي:

* المحور العقدي.. ذلك أن الكثير ممن اشتغل بهذا العلم ينتمون لديانات أخرى كاليهودية خصوصاً والنصرانية، وبعضهم ولد لأسرة متدينة ثم ألحد هو وهكذا. وبالتالي فإن مايناسب هؤلاء ليس بالضرورة أن يكون مناسباً لنا ولمجتمعنا كونهم يشتركون معنا في البشرية. فإن الإنسان بطبعه يميل إلى التدين، ويضع من أفكاره مايناسب توجهه، ويرتبط بالدين بصورة من الصورة على الأقل لأخذ الحماية من الله والتوفيق، وهذا يعني إنه مهما حاول أن ينسى تدينه وقت التنظير فإنه لابد وأن يضع أفكاره تحت تأثير معتقده، تماماً كما يحدث مع المسلم الملتزم الذي يراقب الله في أقواله وأفعاله.

* المحور الاجتماعي.. فالمجتمعات التي أجريت عليها التجارب لا تشبه مجتمعنا المحافظ في الكثير من اختياراته. بل هي مجتمعات منحلة انتشرت فيها الرذيلة وكثر فيها الفساد بدرجاته، وهذا من شأنه أن يؤثر حتى على سلوك العينة التي يمكن أن تجرى عليها دراسة أو بحث، وبالتالي يعطي نتائج خاطئة لاتصلح لمجتمعنا ولا تقوم عليها نظرية سليمة.

* المحور الأخلاقي.. فبعض أعلام هذه الفنون كان عليهم مآخذاً فيما يتعلق بسلوكهم، فبعضهم لم تكن أوضاع أسرته كما ينبغي، وبعضهم ارتبط اسمه بالأفكار الجنسية المنحلة وهكذا. وبلا شك أن لهذه الانحرافات تأثيرها في النظريات التي وضعها أصحابها.

ونتيجة لهذه المحاور الثلاث وجدت العديد من النظريات التي تعارض الدين في كثير من جوانبه وتهاجمه صراحة، أو تسعى لنشر الفساد والرذيلة، ولو أردنا أن ننسى أدوار اليهود التاريخية في هذه الأمور لأولنا ذلك كله بأنه قناعات قامت على التجربة أو على التفكير دون أن ترتبط بأي أهداف أخرى. ولكننا وبالرغم من الموضوعية الزائدة التي نتعامل فيها مع هذه الأفكار والنظريات إلا أننا لن ننساها لأننا قد نحتاج إليها مستقبلاً ونحن نقارن بين النظريات تحت تأثير مؤسسيها.

إن الناظر إلى البحوث والدراسات والكتب والنظريات التي طرحت سيجد فيها فائدة بلا شك.. لكون العديد منها قام على التجارب والمتابعة والملاحظة. ولكون بعض علماء الفلسفة وعلم النفس تفانوا في خدمة العلم من أجل العلم. ولكن وحتى مع هذه الحالة فإنه لابد من التنبه للآتي:

– أن يتصدى متخصصون ممن عرفوا بالتوجه والصلاح لهذه العلوم، فيدرسونها ويعرضونها على الكتاب والسنة فما وافق منها أخذ، وما عارض منها ترك.

– أن يهتم هؤلاء المتخصصون بضرورة التأصيل الشرعي قبل أن يخوضوا في هذه العلوم. ذلك أن الشبه التي يمكن أن تدرس سهلة التعلق بالذاكرة، وقد يظهر أثرها بعد حين، وقد تكون تعارض أصلاً من أصول الدين دون أن يعلم الدارس بذلك لضعفه في العلم الشرعي.

– أن يتم التواصل بينهم وبين أهل العلم لسؤالهم عن المستجدات من الشبه المتعلقة بالبدع القديمة منها أو الحديثة، مما قد يمر معهم في دراستهم، وبذلك تتجدد المعلومات لديهم، ويطلع العلماء الثقات على المستجدات في هذه العلوم الإنسانية.

–   أن يدرس هؤلاء سير أرباب هذه العلوم قبل الخوض في نظرياتهم، لأنه ومن خلال معرفة السيرة الذاتية لأصحاب هذه العلوم سيتمكن الدارس من التعرف على الآتي:

* المعتقدات الدينية لهم أو على الأقل معرفة الديانة الافتراضية التي كان يمكن اكتسابها من خلال ديانة الوالدين. وستجد هنا أن كثيراً من الحركات السياسية والعلوم الإنسانية كان يقف ورائها يهود.

* الطفولة التي عاشوها ومعرفة أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، لما في ذلك من أخذ تصور على الجوانب التي ساهمت في تكوين الشخص، كالفقر، والغنى، والتسلط، واليتم، والحاجة، وغير ذلك من الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تشكل شخصيات الناس عموماً والأطفال خصوصاً.

* التعليم ومدى براعتهم فيه، وماهي الروابط بين تخصصاتهم الأكاديمية، وبين التخصصات العملية.

* مدى تأثير العقائد على حياتهم.. سواء أكانت العقائد دينية، أو قومية، أو غير ذلك.

* ماهي نظرياتهم؟ وماهي طبيعة المجتمع الذي وضعت فيه هذه النظريات لمعرفة الفوارق بين الشعوب ومدى تأثير هذه الفروق على الأفكار؟

وبالتالي سيمكن معرفة مقاصدهم وأبعاد نظرياتهم.

–   الإطلاع على مصادر هذه النظريات بلغتها الأصلية قدر المستطاع لأن الترجمة قد تغير بعض المعاني، مما يؤدي إلى تكون أفكار جديدة قد تصنف على أنها نظريات مستقلة.

–       أن يهتم الباحث بسير علماء المسلمين ويحاول التحلي بالصفات الآتية:

* فهم النصوص التي يقرأها لكي يستنبط منها الفوائد والأفكار.

* التعرف على أبعاد المواقف النفسية والتربوية في السيرة النبوية، ويدون أسماء جديدة من الصحابة رضي الله عنهم أو من التابعين ومن تبعهم.

وهو بهذه الطريقة سيعطي نماذجاً مقبولة سلوكاً وأخلاقاً بدلاً من النماذج النفسية السيئة التي قد يتعرض لبعضها في دراسته.

إن الحركة العلمية الحديثة نقلت لنا الكثير من الأفكار الغريبة والشاذة، ونتيجة لكثرت طرحها وتكرارها فقد بدأت النفس تألفها ولا تحدث الأثر الذي يفترض أن يحدث. فقد يمازح أحدنا صديقه بقوله أنت سادي، ولكن ماذا يعرف عن السادية وصاحبها؟ ويذم بعضنا نظرية فرويد الجنسية ثم يقف مبهوراً أمام نظرية التحليل النفسي دون أن يعلم أنها لنفس الرجل ودون أن يعرف إيجابياتها وسلبياتها. وغير ذلك من المواقف المتنوعة التي تدلل على الغفلة عن أثر هذه النظريات على سلوك وأفكار المجتمعات المسلمة التي بدأت تذوب وتتأثر بما يدور حولها. ومن أسباب انتشار هذه الأفكار:

* مشاكل الترجمة ومنها:

– الترجمة التجارية التي اقتطعت أجزاءً كبيرة من النصوص لتوفير التكاليف فذهبت بالعديد من المعاني التي قد تكون نافعة.

– عدم وجود أكفاء متخصصون في هذه العلوم يقومون بترجمة النظريات. وبالتالي قد يحدث إبدال كلمة بأخرى فيتغير المعنى دون أن يشعر المترجم بذلك أو قد يكون المعنى ناقصاً لايعطى الانطباع المطلوب.

– عدم وجود نقد عند الترجمة، بل ينقل النص كما هو دون تمحيص، ودون الإشارة إلى المخالفات التي قد توجد فيه.

– الترجمة الغير متوجهة، والتي يقوم بها أفراد يسعون إلى تحقيق أهداف أصحاب النظريات.

* التأثير الإعلامي ودوره في نشر هذه الأعمال.

إن البعض قد يعتذر بالأمانة العلمية، وهي نقطة صحيحة بلا شك.. ولكن هدفنا ليس نقل النظرية، بل تمحيصها ووضع نظرية إسلامية مستقلة تعالج السلوك وترسم نماذج التعامل السليم والعلاقات المفترضة بين أفراد المجتمع، وفق ضوابط شرعية تراعي النصوص وتقدر المصالح والمفاسد، وتعتمد على نصوص الوحي المعصومة من الخطأ والنقص والزلل.

(الصورة بعدسة: سديم البدر)