التصنيفات
تربويات

أدباء المهجر.. أرواح ترسم النجاح

أدباء المهجر.. أرواح ترسم النجاح

وقع بين يدي كتاب من تأليف الدكتور محمد عبد المنعم خفاجي.. يتكلم فيه المؤلف عن “قصة الأدب المهجري”.. والحقيقة أنني لم أكن قد قرأت كتاباً عن أدب المهجر أو عن أدبائه ومنهجهم الأدبي.. وكل ما أعرفه عن هذا الأدب هو ما أراه خلف الشاشات من لقاءات وانتقادات.. أو ما تقع عليه عيناي من مقالات مبعثرة أو قصاصات من هنا وهناك، وبعض الدواوين التي سطرها أدباء المهجر.. ولم يدر في ذهني وقتها أن أتعرض للنص بتحليل أو دراسة.. فقط كنت أقرأ وأتمتع بالقصيدة كنص أدبي دون أن أشعر أن هذه الأحاسيس كانت تعبيراً عن مشاعر بشر يسعد في صور السعادة.. ويتألم في صور الألم.. ويحن عند صور الحنين.. أي أنني أستطيع أن أقول أن الكتاب كان أول شيء أقرأه عن أدب المهجر.

ومع أن الكتاب لم يخلو من أخطاء هي في الحقيقة تمثل وجهة نظر الكاتب فقط، وليست رأياً تاريخياً ولا منصفاً، وأقصد به ما يتعلق بموقفه من الدولة العثمانية، ولكن لأن الحديث عن أدب المهجر فلن أشير لهذه النقطة بأكثر من هذه الإشارة وفيها الكفاية بإذن الله.

الحقيقة أن القارئ سيجد أن الكتاب يشده للتعرف على أدباء المهجر.. وعلى الوقوف على دواوينهم وقراءة قصص معاناتهم.. بل ربما أخذه الخيال لأبعد من ذلك فيرى نفسه وقد هاجر من بلده ليستقر في بلد أوربي ويكون لبنة في بناء الأدب في المهجر.. كل ذلك من أجل أن يسطر روائع ما كتب هؤلاء الرجال في وصف أحوالهم وغربتهم وأحاسيسهم وطريقة معيشتهم.

ومن مميزات الأدب المهجري الحنين إلى الأوطان وما أكسب ذلك النفوس من رقة بدت واضحة في كلماتهم وقصائدهم.. وهذا الأمر هو أول ما سيراه المتأمل لأي نص لأي أديب من أدباء المهجر.

ولكن بالجملة لحظت في هذا الكتاب أمرين.. لا يخصان الكاتب وإنما يتعلقان بفكرة الكتاب وهي الأدب المهجري وأدبائه.

الأمر الأول: يتعلق باللغة العربية.. كم هي قوية هذه اللغة في تعبيراتها حتى أنك تقرأ بعض الأبيات فتشعر أنك تقيم معهم في البرازيل.. أو تقرأ وصفاً فتظن أنك على موعد في نيويورك.. وكم ستتخيل رجلاً يسير وحده في الغابات يبحث عن موطن يستقر فيه.. أو تراه وهو يختبئ في سفينة في عرض المحيط.. ثم تتخيل لحظة وصوله إلى ميناء مجهول وعليه أسمال بالية وبقايا كسرة في حقيبة مهترئة.

وتساوى الجميع في التعامل مع هذه اللغة بغض النظر عن ملته.. وفي هذا أعرض لكم نموذجاً لبعض الكلمات كتلك التي أطلقها جبران “خذوها يا مسلمون كلمة من مسيحي أسكن يسوع في شطر من حشاشته ومحمداً في الشطر الثاني.. إن لم يقم فيكم من ينصر الإسلام على عدوه الداخلي فلا ينقضي هذا الجيل إلا والشرق في قبضة ذوي الوجوه البائخة والعيون الزرقاء”.

ورتل القرآن وبكى قائلاً: “ويل لكم أيها المسلمون.. أتذل أمة بين يديها هذا الكنز الثمين.. ويستعمر شعب يملك هذه القوة والعظمة”.. وأعادتني هذه المقاطع إلى إعجاز هذا الدين في تحدي العرب بهذه اللغة القوية.. وعجز العرب أن يأتوا بمثل آية من كتاب الله وهم أهل البيان واللغة.. وأهل الوصف والتعبير.

الأمر الثاني: يتعلق بالأدباء.. ظهرت عدة مميزات في تلك الطبقة من الشعراء تجعل المرء يتأمل في إعجاب الصورة النادرة من قوة العزيمة التي أعطتهم هذه القوة وأوصلتهم إلى هذه المنزلة.. وكيف وصلوا واستقلوا بأدبهم.. ثم كيف قاموا وفي سنين قليلة بوضع علماً ومرحلة من مراحل تاريخ الأدبي المعاصر.

–   همة في التميز في تحقيق الأهداف.. بدا هذا الأمر من خلال نجاحهم وهم الأقلية الغرباء الذين وصلوا إلى بلد غريب في لغته وعاداته، لا يملكون قيمة وجبة يقتاتون بها.. ولا يعرفون مكاناً يأوون إليه.. ثم يصبحون أرباب التجارة والصناعة في تلك الدول.

–   قدرة على الوصف.. سواء الوصف المادي الذي سلكه البعض لوصف الأماكن أو الأشياء.. وكان ذلك في فترات ولادة المهجر تغير الكثير من الأشياء المحيطة بهم في سرعة تستدعيها النهضة الصناعية في تلك الدول. أو من خلال وصف المشاعر والتعبير عن صورة حب للوطن نادرة حقاً.

وهم بهذه الصور الرائعة نقلوا لنا جانبين.. الأول يتعلق بالماديات والثاني يختص بالمعنويات.. وهي بلا شك متوفرة من قبل في الشعر العربي.. ولكن ولطبيعة البلاد هناك فقد أثروا الأدب بمزيد من صور الجمال وبلاغة التعبير.. ودقة الوصف.. ويستطيع كل ناظر إليها مطلع عليها أن يستفيد منهم حال خوض تجربة كتابية مشتبهة.

–   تميزاً في الإبداع.. وذلك من خلال طرق مجالات الثقافة الأدبية المتنوعة كالقصة والقصيدة والمقال.. وتجديد فنون الأدب والوصف. والقوة في التعبير يغذي ذلك الحنين الجارف إلى مواطنهم الأصلية.. مع الوفاء لها والاعتراف بحبهم لها ومكانتها في نفوسهم.

خلق أجواء مناسبة لهم.. تمكنهم من التعايش مع كل المعطيات المحيطة بهم، ومن ثم التغلب على المؤثرات والظهور بقوة في مجتمع غير مجتمعهم وثقافة غير ثقافتهم.. مع تقنين هذا التواجد.. وذلك من خلال التوثيق الإعلامي بإصدار مطبوعات دورية تعبر عن حاجاتهم.. ومن خلال إنشاء أربطة أدبية عربية في دول غير عربية.. يلتقي فيها كل الناس من كل مكان لا يجمعهم رابط سوى رابط القومية والحنين إلى العروبة.. وكم نحتاج إلى إعادة دراسة هذه الظاهرة الفريدة الرائعة من زاوية جديدة.. ومحاولة الاستفادة منها في توجيه الطاقات الإسلامية المنتشرة في كل مكان في العالم.. والبعد عن التعصب المذهبي والخلاف القائم ليس بين المذاهب فحسب، بل بين أتباع المذهب الواحد.. مع تجاوز السلبيات التي وجدت فيها، والتي لابد أن توجد بسبب التباين في طباع البشر.. ولا ننسى أن لكل أمة من هذه الأمم صفات ومؤهلات ولذلك فمسألة وجود السلبيات، أو التنوع في القرارات والخلاف في وجهات النظر مسألة طبيعية.

 

(الصورة بعدسة: ريان المنصور)

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.