التصنيفات
رسائل إلى نفسي

ليلة الدموع

eyes-795647_1280

25/05/2012م

المنزل (الصالة).. الساعة 03:30 فجراً

هذه ليلة البكاء، بكيت ثلاث مرات، بكيت خوفاً، وبكيت شوقاً، وبكيت حباً.. بكيت خوفاً من ضياع العمر في زلة، في شبهة دم، في موقف تطمس فيه البصيرة فلا أختار الاختيار الصحيح.. وبكيت شوقاً لأبي همام، نمرو، ورفقاء السلاح اللذين بعثرتهم الجبهات والحياة، وبكيت حباً لطريق يؤلمني، يبكيني، يضحكني، يربطني.

وتمر في ذهني عبارة أبو محجن: (لئن قتلت استرحتم مني)، فأفكر في ألف صورة، وأتذكر ألف كلمة، وأرى نفسي وكأن روحي خرجت مني، أراقب نفسي في كل أحوالي، الشخص الناجح واللبق، والشخص الممزق الأشرعة يقاوم طوفاناً بعد طوفان. أقف عن الكتابة لأمسك رأسي، أو لأمسح دمعي، أو لأتفقد صغاري فأحميهم من بارد يؤذيهم أو حر يزعجهم.

هذه الليلة كتبت عن الراحلين.. كنت أراهم في كل شيء.. هم خياري ببساطة.. كتبت عمن كان معي.. وتعلمت منه ألا أتقدم للإمامة في الصلاة.. ولكن تعلمت منه كذلك أن أكون أميراً للأنصار.. وتعلمت منه أن أفرق بين وقت الصمت ووقت الكلام.. وتعلمت منه متى يجب أن أتصدى للمسئولية.. وتعلمت منه متى يجب أن ألملم أشلائي وأرحل.. وتعلمت منه أن أتفقد فريق العمل.. كان يغطي الرجال في الليالي الباردة كما تفعل الأم مع أطفالها.. وكان وهو المحموم يخرج تحت الثلج ليتأكد من أن كل شيء على مايرام.. وحين رحل، رحل بصمت.. فعلمني متى يصمت الرجال.

المشكلة أنني لا أريد أن أنسي، وحين حاولت النسيان رجعت منهاراً، أشم رائحة البارود والغابة، رائحة العرق الممزوج بالدم والتعب، الأنفاس المتسارعة تشي بتعبي.. وارتعاش قدمي يدل على حجم الجهد، وابتسامة تشجيع تنسيك كل ذلك وتعيد لنفسك طاقة البدء.

الصورة الحزينة للرحيل الأخير تبكي القلوب.. وانكفاء الرجال على أنفسهم.. وانهيار من بقي منهم كالأطفال يوم أن رحل الكبار، وصوت هادئ يثبت القلوب، (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله)، وألوك في عناد حزني وصمتي ومبدئي، وأصر على الصمت والابتعاد، خيوط الدم البريئة ستكون حبالاً تقيد الجلاد.. تقيد من تجرأ وسفكها، الطلقة الأولى كانت سبباً في انهيار السد.

كتبت ذات يوم: حين تقرأ رسالتي قد لا تشعر بما أشعر به.. كان عندي وقتها كل الأسباب التي تجعلني أكرهك.. ولكنني لم أفعل.. كنت أحاول تجاوز نفسي والنظر بعقل في الأمور.. العزلة التي تأتي بعد رؤية وتجربة ليست هروباً بقدر ماهي سلامة.. لقد رأيت ذلك في الحياة.. فالقتل يطرب.. قد تكون الطلقة الأولى خطأ.. لكن البقية قد تكون رغبة لها مايبررها أم لا.. ثم شهوة ولذة.

ويستمر الخوف يا نفسي ويستمر البكاء.. ذات يوم بكى ابني، هكذا فجأة صرخ وتهجد حين عاتبته على أمر ما، كان يحتاج إلى احتواء، فضممته.. وهذه مشكلة بكاء الصامتين، يبكون كالأطفال بعد أن كانوا يقاومون.. وسيظلون ينتظرون احتواء القبور الدافئة العبقة برائحة الدم ورائحة المسك.

الصورة من موقع: Pixabay

 

رخصة المشاع الابداعي
هذا المُصنَّف مرخص بموجب رخصة المشاع الإبداعي نسب المصنف – غير تجاري 4.0 دولي.

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.