التصنيفات
قبور الياسمين

في السفارة

 

قضيت الليلة في سيارتي، لم أنم، كنت أوهم نفسي بهذا الشيء، تفكيري في الغد أنساني، أشرقت الشمس، وتوجهت إلى السفارة، شكل المبنى يوحى بأنه مركز تجاري، توقعت أن أجد حراسة أمنية مشددة، هكذا تخيلت العمل في السلك الدبلوماسي، الإشارة الوحيدة للسفارة كانت لوحة صغيرة مرسوم عليها العلم وموظف أمن وحيد لاتبدوا عليه الإحترافية، دخلت المبنى ووقفت أمام لوحة تمثل خارطة المبنى، وفي الدور السابع كانت مكتب السفارة، صعدت وأنا أفكر، لم أشعر بمن حولي، توقف المصعد فخرجت، ووجدت نفسي في ممر طويل، في نهايته نقطة أمن أخرى غير السابقة.

–        سألني أحد موظفي الأمن: ماذا تريد؟

–        قلت: أريد السفارة.

لم يناقشوني، أشار إليّ ودخلت من باب الأمن ثم مرر جهازه على ثيابي، وهكذا وجدت نفسي في السفارة.

وجدت في الداخل موظفة أنيقة، نظرت إلي من فوق النظارة وكأنها تحاول أن تقرأ أفكاري، ثم وبطريقة لاتخلوا من التكبر طلبت مني الجلوس والانتظار، كان واضحاً أنها تتكلف التعامل اللبق معي، بمعنى آخر أشعرتني أنني غير مرحب بي في هذا المكان.

أخذت جواز سفري وذهبت، بعد قليل جاء رجل ووقف عند طرف الباب ونظر إلىّ ليتحقق من شخصيتي محاولاً ألا يشعرني بوجوده، ثم اختفى دون أن يتكلم معي، لم التفت له، كنت أحاول أن أبدو طبيعياً، بقيت أتأمل في المناظر المعلقة على جدران السفارة، فوجئت بالطبيعة، ضحكت من نفسي، كنت أتوقع أنني سأذهب إلى بلد فقير مليء بالقاذورات، مستنقعات مياه تفيض هنا وهناك، وأطفال مهملون في الشوارع، ومنازل أكلتها الحرب، لم يكن في تصوري أن هناك أنهاراً نظيفة كأنها قطع الزجاج، كأن السماء طبعت صورتها على وجه الأرض فأصبح المنظر كله سماء، وفي الصورة الأخرى بدت الأرض بيضاء ناصعة وأطفال يلتهبون حماساً حول رجل ثلج يضعون عليه لمساتهم الأخيرة، تأخرت الموظفة وكأنها تريد أن تشعرني بالملل عليً أغير رأيي وأنصرف دون أن أطلب تأشيرة، ثم عادت وقطعت علي حبل تأملاتي:

–        لماذا ستزور بلادنا؟

–        ابتسمت وقلت لها: سياحة.

–        سياحة في بلاد حرب؟ كانت تحاول أن تقرأ على وجهي ردود أفعال قد تشي بما أفكر به، وحاولت أن أبدوا طبيعياً قدر الإمكان.

–        كنت قد جهزت نفسي لهذه الأسئلة.. أشرت برأسي في حركة لامبالية وقلت: أحب المغامرة.

–        كم ستبقى هناك؟

–        أملت راسي على الجانب، وبحركة معبرة من فمي قلت: ربما ثلاثة أسابيع، نظرت إليها وتابعت كلامي: وربما شهر كأقصى تقدير.

–        وكم معك من النقود؟

–        معي الكثير.. ثلاثة آلاف دولار. أظنها تكفي أليس كذلك.

لم ترد علي، وجاء ذلك الموظف وجلس معنا.

–        عدت للقول: كيف هي المعيشة عندكم.. أقصد الفنادق، والطعام؟

–        معتدلة.

–        هل يمكن أن تزودوني ببعض المعلومات؟

–        قالت ستجد كل ما تريد في المكتبات.. يمكنك شراء كل شيء تريده. ثم التفت إلىّ وقالت: مر علينا غداً لأخذ جواز سفرك.

–        ألا يمكنني أخذه اليوم معي؟

–        قالت بحزم: لا.

–        سكتت وخرجت من المكتب.

بدأت أقود سيارتي في الشوارع على غير هدى، النهار يختلف قليلاً عن الليل، لاتوجد فروق كبيرة بين الناس هنا، عري في كل مكان وفي كل وقت، ابتعدت عن الناس وبقيت جوار البحر.. تأملت فيه وفكرت في نفسي، هل يعطونني التأشيرة أم لا؟. هل يمكنني الوصول أم لا؟.

أديت الصلاة جمعاً وقصراً، تذكرت أنني لم أذق شيئاً، أحسست بالجوع وابتسمت، كان يمكن ألا آكل لو لم أتذكر، بحثت عن مكان يبيع شيئاً يمكن أن يؤكل، وعدت لمكاني على البحر أتناول ما يسد جوعي.

صور الأنصار هناك أخذت ما تبقى من عقلي فلم أشعر بالوقت، أدركت أن وقوفي هنا ليس طبيعياً طوال هذه الفترة، حركت السيارة على امتداد الشاطئ، ووجدت مكاناً يصلح للمبيت، على الأقل سأبدو كسائح حقيقي، توقفت فيه وبدأت أبكي، أردت أن أصل سريعاً إلى ساحة الجهاد.

قبور الياسمين

(الحلقة السابقة: الانطلاق>  يتبع > الحلقة التالية: الوداع)

(تصميم الصورة: هنادي الصفيان)

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..

5 تعليقات على “في السفارة”

قبور الياسمين
العنوان شدني للقرائها توقعت بانني حتما سالتقي بلاشباح بروئح ذكيه هذه هي رغبتي ولكن رغم عدم محبتي للكتابات الخياليه لكن قبور الياسمين اثارت الفضول والبحث عن معناها الحقيقي وما الذنب المقترف في حقها .

ايعقل الياسمين ان تقتبر
لكن السفارات قبرت البلدان
لا يجدر بي غير ان اتشكر حبر قلم شبح كاتب قبر الياسمين بروح البشر
ومزج الياسمين

ابداع متواصل ورقي …

من قراء طائر المئذنه كان يتشوق لقبور الياسمين لان من نسجهما شخص مبدع راقي يشوقنا لكتاباته التي تبحر بنا بعيدا….وله اسلوب يختص به هو وحده

الله يعطيك العافيه ومن تميز لتميز بأذن الله …..

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.