التصنيفات
طائر المئذنة

أسرار

حياتنا كلها أسرار..
يعرف البعض جزءاً منها..
وجزء آخر نصرّ على كتمانه ليرافقنا في قبورنا..
بين صدر وقبر تدور همومنا..
ولمن نحب..
نهدي أسرارنا..

(1)

المكان: مطعم السكن الجامعي.

الوقت: الساعة العاشرة مساءً.

الصورة: عدة طاولات يجلس عليها مجموعة من الشباب يضحكون ويتناولون شيئاً من العصير.

–        عبدالرحمن.. هذا زميلك يجري كالعادة.

–        يلتفت عبدالرحمن إلى حيث أشار يوسف.. ليرى سعداً يجري متوجهاً إلى السكن.

–        يعجبني إصراره.. قال يوسف.

–        رد عبدالرحمن مبتسماً.. غريب.. ولكنه ودود.

–        أفكر أحياناً أنه لا يشعر بوجودنا من حوله.

–        نعم.. ربما كان كذلك.. نظرته الساهمة في بعض الأحيان توحي أنه ليس من هذا العالم.

–        تدخل صوت ثالث.. نظرته الساهمة!! بل قل نظرته الحادة.. لم أر عينين كعينيه.

ضحك عبدالرحمن

–         لكن صدقوني لو تعرفونه عن قرب لأحببتموه.

–        ربما كان كذلك.. ولكن عن نفسي يكفي أن أراه كل يوم يجري متوجهاً إلى غرفته.

وعاد الجميع إلى حديثهم السابق ونسوا أمر سعد.

السكن الجامعي يتكون من عدة مباني.. وكل مبنى منها يتألف من عدة أدوار.. وفي الدور الواحد أكثر من شقة.. وكذلك الشقق هي مجموعة من الغرف.. يسكن في كل غرفة شخصان فقط. يمكن أن يتعارف أصحاب الشقة معاً فيغلقون بابها ويعدون برنامجاً للشقة كاملة.. ويمكن أن يستقل كل اثنان منهم في غرفتهما ولا يتعارفون مع الجيران فيظل باب الشقة مفتوحاً دائماً وتشعر بالوحشة لو دخلتها. لم يراعوا في توزيع الشقة التخصصات.. ولا أدري أكان ذلك مناسباً أم لا.. في بعض الأحيان أشعر أن وجود اثنان من نفس التخصص في نفس الشقة يكون أنسب.. فهذا يعطي فرصة للنقاش وتنمية المعرفة.. والإعداد للدراسة.. ولكن أحياناً أشعر أن التنوع في التخصص يكون أنسب.. فهناك نجد تنوعاً في المعارف من خلال الأطروحات المتبادلة.

هناك مطعم خاص بالسكن.. وصالة توفر فيها كل ما يشغل الطلبة ويخفف عنهم وحشتهم.. وعادة نعني صالة ألعاب صغيرة وبعض الأجهزة الرياضية البسيطة. وهناك شبه حديقة يجلس فيها من أحب الهدوء والخضرة.. وبهذا حاولت إدارة الجامعة أن توفر جواً ملائماً لكل الطلبة.. ووجود النادي الرياضي قريباً من السكن وفر على الجامعة توفير مدربين لبعض الألعاب الصعبة.. وأعطى الطلبة فرصة للالتحاق به دون أن تتأثر دراستهم.

–        السلام عليكم يا سعد.. كيف حالك؟

–        ابتسم سعد.. أهلاً عبدالرحمن.. بخير.. ويبدوا لي أنك كذلك.

–        نعم أنا بخير.. رأيتك تجري اليوم هل أنهيت استعدادك للبطولة؟

–        نوعاً ما.. يجب أن أحافظ على وزني لأتمكن من اللعب في هذا الوزن.

–        ابتسم عبدالرحمن.. أرى أن هناك هواية أخرى تأخذك بعيداً عن جو النوادي.. وأشار إلى مجموعة الأوراق بين يدي سعد.

–        نعم صدقت.. منذ أن كنت صغيراً وأنا أحب الكتابة.

–        ولكن لم أرى أياً من إبداعك.

–        محبة الشيء لا تعني الإبداع فيه.. أنا أكتب لنفسي.

–        لا تحكم على نفسك.. يمكن أن تكون مبدعاً وتكتب لنفسك.. وابتسم.. نوعاً من التواضع يعني.

–        لا.. صدقني أنا أكتب لنفسي فقط.

–        لماذا؟

–        لا أدري.. لم أفكر من قبل.

–        هل تسمح لي بالاطلاع على أوراقك؟

–        ابتسم سعد.. ربما لا حقاً.. وابتسم.. إذا مت يمكنك الرجوع لأوراقي.

–        ماذا سأجد فيها؟

–        غاصت البسمة.. وظهر ألم في وجه سعد.. وران صمت طويل.

 

(2)

–        عبدالرحمن.. لا تسلني هكذا.. سمحت لك بأوراقي.. وقد عشنا معاً عدة سنوات ولولا أنني أعرفك ما قلت لك هذا الكلام.

–        جرحتك؟

–        ربما ليس جرحاً.. ولكن …

–        تهرب كثيراً من شيء يا سعد.. قله لي أنا زميل عمرك.

–        …

–        … جيد لا تقل شيئاً.. وأرني ابتسامتك.. وانشغل الصديقان من جديد.

في حياة البعض نوعاً غريباً من التناقض.. أو يبدوا لنا هكذا.. البسمة في وجه سعد، والحزن الذي يظهر بين فترة وأخرى كسحابة مظلمة تغير الصفاء.. وطبيعة هذا الشاب اللطيفة وبعده عن الناس، وهدوئه الغريب.. ونظرته القوية.. ترى أي سر في قلبه.

شاب بسيط في العشرينات.. عرف بين زملائه بسمته.. واهتمامه بالأنشطة الطلابية.. وحب فطري للدين وأهله.

استعد سعد للبطولة القادمة.. قضى فترات مثيرة وهو يتدرب.. وهو الآن مهيأ للمنافسة.. شجعه رفقائه على الانتصار.. سيكون فخراً للكلية كلها.. وللسكن خاصة.

–        اسمع يا سعد.

–        نعم.

–        لا أدري ماذا أقول لك.. ولكن هل أنت مصر على السفر؟

–        ابتسم سعد.. ما بك يا عبدالرحمن؟

–        لا أدري.. ولكن لا أريدك أن تسافر.

–        لماذا؟ تعودت كثيراً على السفر.

–        أعلم ذلك.. ولكن هذه المرة أشعر بانقباض قلبي.

–        سلامة قلبك.. وابتسم.

–        أتدري يا سعد …

–        ما بك.. لماذا لم تكمل كلامك.

–        أنا أحبك.

–        وأنا أيضاً.. وربت على كتفه.. وموعدنا في الجنة.

قطع حديثهما صوت أحد الطلبة.. هيا يا بطل.. ستتحرك السيارة إلى المطار.. انزل بسرعة. سحب سعد حقيبته وألقى التحية على عبدالرحمن ثم جرى إلى الخارج.. ثم عاد وعانق عبدالرحمن.. لا تنسني من دعواتك.

بقي عبدالرحمن ينتظر الأخبار من سعد.. وفي اليوم التالي اتصل سعد يبشر عبدالرحمن بانتصاره في البطولة.. وسيعود بعد يومين.. شعر عبدالرحمن بنوع من الراحة.. وقام يقلب نظره في الغرفة.. بدا له المكان موحشاً من غير سعد.

يا الله.. كيف يتغير كل شي حولنا إذا بقينا لوحدنا.. هاهنا كان يجلس.. وهنا يمد رجليه كم عاتبته على هذه الحركة.. قلت له أن الجدار سيتسخ ولكنه لا يلتفت إلي.. كان يجيب سأضع فوطة هنا وتنتهي المشكلة.. وهناك أوراقه وأقلامه.. لو أن رجلاً أحب أولاده كما أحب سعد أوراقه لكانوا أسعد أبناء.. ابتسم عبدالرحمن.. أوراقه هنا.. أقدر له ثقته، وسأكون أهلاً لها.. لن أقرأ شيئاً وانقبض صدره.. إلا إذا … رحل.

وهذا الشيء هنا.. سبيكة فضة نقش عليها أول حرف من اسمه وبجانبه حرف الهاء.. ترى ما سر هذا الشيء.. لا يهم.. سأنتظر عودته اشتقت له كثيراً.. المكان موحش من غيره.

في اليوم التالي استيقظ عبدالرحمن على صوت الهاتف.. كان المتصل أحد الأشخاص من النشاط الرياضي.

–        عبدالرحمن؟

–        نعم من هناك.

–        أنا المنسق الرياضي للفريق.

–        …

–        لا أدري ماذا أقول لك.. ولكن …

–        طار النوم من عين عبدالرحمن وقاطع الرجل.. ماذا؟ تكلم كيف حال سعد؟

–        لا أدري حقيقة.. لقد أصيب في حادث.. وهو في حالة خطرة في المستشفى.. فقط كان يردد كلمتين.. اسمك.. والأوراق.

لم ينتظر عبدالرحمن لينهي الرجل كلامه.. لقد مزق الألم قلبه.. فلم يعد يشعر بشي حوله.. وفي المساء طار الخبر في كل مكان.. أن سعداً لقي نحبه متأثراً بجراحه.

 

(3)

هذه هي أوراقه.. أبنائه.. كل حياته.. رفيق دربه.. وسمير ليله.. كم كنت بعيداً في قربك.. قريباً في بعدك.. عانق عبدالرحمن الأوراق.. كأنه كان يشعر بأنه سيرحل.. تركها كلها لي.. وقصاصة صغيرة كتب فيها:

“أخي.. إنما أنا كاتب.. أسجل بالقلم مشاعر القلوب.. ربما ليس قلبي.. ولكن آلاف القلوب الحائرة.. لا تعجب من كلامي ففي النهاية ستجدني قلباً ينبض.. ويحمل من المشاعر الكثير”.

ترى أي نبض هذا الذي أخفيته كل هذه السنين.. وببطء بدأ يقرأ الأوراق.

“أعلم أن الكثير سيتعجب من مشاعري.. وأنا كذلك أتعجب منها.. لم أشعر بشيء كهذا من قبل.. ترى أهو الحب؟

أضحك كثيراً لهذه الفكرة.. لا أظن أن رجلاً مثلي يعرف الحب أبداً.. الحب يحتاج قلباً رقيقاً ولكنني قاس نوعاً ما.. أو على الأقل سريع الغضب”.

بل كنت أرق قلب عرفته يا سعد.. ولكن قسوتك كانت على نفسك فقط.. وغضبك كان في الحق.. وكل من عرفك يعلم هذا عنك.

عاد للقراءة ثانية “هل سيصدقني أحد إذا قلت له أنها أطهر وأرق فتاة عرفتها الدنيا.. سيقول لي البعض هذه أحلام عاشق ولتكن كذلك لا باس يكفي أنني أراها بهذه الصورة.. ستصبح بإذن الله شريكة حياتي.. ولا يهمني أن يراها الآخرون بهذه النظرة.. في الحقيقة أغار عليها كثيراً.. أحياناً نرحل في سماء من نحب، ونظل نحلق فلا تتعب أجنحتنا.. ولا نشتاق للأرض.. ولكن هل سنموت في النهاية؟

هل تعلم بحبي لها.. وهل ستحبني يوماً كما أحببتها.. ربما، ولكن إذا لم يكن لي نصيب فيها فأنا أرجو أن يجمعني الله بها في الجنة.. هناك بعيداً عن هموم الدنيا “

آهـ يا سعد.. هذا سرك إذاً.. حب مكتوم في صدرك.. تأبى عليك رجولتك الخيانة والعبث.. ويأبى واقعك من اللقاء.. أهو كذلك؟

” أتمنى لو حادثتها ساعة.. سترفض أعلم ذلك.. وسأرفض لأنها رمز الطهارة.. ليست مثلي.. يكفي أنني عرفت طريق الخير منذ أن أحببتها.. يظن البعض أن وقوعي في الحب شيئاً غير طبيعي.. لماذا؟

أليس لي قلب؟؟ ألا أشعر بالصفاء فيها؟؟ آهـ لو تدري كم أحبها “

ليت كل الرجال مثلك يا سعد.. قلب لا يعرف الشك.. ويداً تمتد لعدوها بالورود فماذا ستعطي الصديق.. أكمل يا رفيق العمر.. فلا زلت أتابع معك.

” زميلي في الغرفة.. شاب طيب من أسرة صالحة.. أحبه، ولكن ماذا سيقول لو علم أنني أحب فتاة.. أحب أن يعلم.. ولكن أريده أن يعلم أيضاً أنني لم أفكر في أمر مشين أبداً.. ولم أقدم على خطوة لا تليق.. هي جوهرة أصونها وأحفظها في عيني.. ولكن ربما من الأفضل ألا يعلم بشيء.. قد أخسره ويظن بي السوء”

بك أنت؟!!.. عجيب أنت يا سعد.. وهل عرفت أنقى من نفسك؟ كنت ألجأ إليك إذا اشتدت بي الدنيا وضاقت السبل لأجد قلباً شامخاً ثابتاً لا تهزه الأحداث.. ولا يضطرب.. أتراني كنت قاسياً معك؟ سامحني يا أخي.. سامحني.. كم نشعر بالندم إذا فارقنا من نحب.. ونعلم مدى تقصيرنا في حقهم.

“ترافقني في الليل بسمة ودمعة.. بسمة لذكراها.. أراها في عباءتها محتشمة خافضة رأسها في حياء.. ودمعة شوق لها.. كم أتمنى أن تكون زوجةً لي.. ولكن آهـ من الأعراف.. لابد أن تنهي دراستك وأن تجد لك وظيفة مناسبة ويكون دخلك مرتفعاً.. وعندما ألتفت حولي سأجد أنها قد طارت.. ربما من الأنسب أن أتمنى لقائها في الجنة”.

هاهي الأعراف ثانية يا سعد.. تفرق بين قلبين.. وكل أسرة تشكو.. وعيون كثيرة لا تنام.

“هل يمكن أن أخبر أختي لتخطبها لي.. لا، حتى أختي قالت انتظر لتنهي دراستك.. وربما لتنهي هي دراستها.. جيد لا باس.. فقط خطبة حتى لا يسبقني أحد إليها”.

وماذا بعد يا سعد.. إلى متى هذه المعاناة؟

 

(4)

“أتعجب من شيئين في الحب:

الشك.. والضرب.. هل يعقل لمن أحب أن يشك في محبوبته؟.. ثم إذا جمع الله بينهما هل يعقل أن تمتد يده لضربها.. أعلم أنهما بشر.. ولكنهما ليسا كالبشر.. إذا شك فيها لماذا ارتبط فيها منذ البداية.. ولماذا حرص على ذلك.. لكن من أهوى ليست كالآخرين.. وأنا لست كذلك”.

نعم يا سعد.. هذا هو.. أنت لست كالآخرين.. لأن قلبك صاف لم تعرف الفساد يوماً.. ويوم أن تضعف فإنك تعود أقوى وأنقى.

” هل مر على العالم محب مثلي.. أو حبيبة مثلها.. أكتفي منها بالطيف في ذاكرتي.. أقترب منه ثم لا ألمسه لكي لا أدنسه بشهوة.. ولو عرفتني لأكتفت مني بأقل من ذلك.. لأنها أطهر مني وأنقى.. يكفي أنني عرفت طريقي من خلالها.. رأيتها في حجابها وعفافها.. فعلمت أن قلباً كهذا لابد وأن يكون مصيباً.. وسلكت طريق ربي آملاً أن يجمعنا”.

ابتسم عبدالرحمن.. سبحان الله يا سعد.. عرفتك تنظر لكل شي نظرة تختلف عن نظراتنا.. ومن كان يصدق أن الحب سيقربك من الخير وقد أبعد غيرك.. ولكن أتدري يا رفيقي.. البعد والقرب من الخير ليس إلا نظرة في داخلنا.. وتنعكس على أفعالنا.. وقد كنت أنت قريباً من الخير وتريده.. لذا رأيت كل شي يقربك منه.

“هذه قصاصات قلب متعب.. يرحل في عالم الأحياء والأموات.. أحياء الأجساد وأموات الروح.. لن يرها أحد.. لأنهم لو رأوها لاتهموني.. ولست في حاجة لاتهامات.. لو كتب الله لي الحياة فسأسعى إليها.. ولو مت فموعدنا هناك عند الله بإذن الله.. ولكن يكفي أن أحمل لها في قلبي صدق المحبة.. حباً لم يعرفه البشر.. وفي صدري أبذر الحب ليثمر خيراً وعطاءً.. ثم أموت دون أن ألوثه ولو بكلمة.. لست عاشقاً ماجناً.. بل محباً صادقاً.. يرسل مع الليل أشواقه عله يقابل ليلها فيصلها شيئاً من نفحاته.. وفي كل سجدة يرجوا لقاءً بها”.

توقف عبدالرحمن عن القراءة.. وسالت دمعة على خده لم يكلف نفسه عناء مسحها.. ربما شعر بأن هذه الدمعة هي أقل ثمن يقدمه لقاء مودة صديق عرفه وعرف معه الصدق.. ها قد رحلت يا سعد.. وسرك الذي بقي في صدرك مسطر هنا في الأوراق.. أترى هل يمكن أن تكون هناك قلوب كقلبك؟.. وحب طاهر عفيف لم يعرف الأذى كحبك؟.. هي من تكون؟ هي في نظرك السماء ونجومها.. والأرض وأنهارها.. هي الصفاء والعطاء.. ترشد للخير وتروي أشجاره.. وأنت!!.. من أنت؟ أنت راحل غريب لم تعرف في الدنيا القرار.. تضحك وتخفي في صدرك نيران مجاهدة.

نظر إلى الأوراق في يده.. وقام بهدوء إلى آلة قص الأوراق وبدأ يقصها قطعاً صغيرة.. أعلم أن هذه رغبتك.. لن يراها أحد فلن يفهم العالم معنى أن يكون شاباً يحب في عفة.. ويموت وفي صدره هذا الحب.. ولن يفهم العالم أن حباً يقرب من الله.. وأن قلباً يشتاق ويحتسب الشوق.

أنت يا هذا عظيم.. يكفيك من حبك الصدق والوفاء.. ويكفي قلباً أحبك أن تسعى إلى اللقاء.. ربما ليس في عالمنا الصغير.. وما كنت تعنيه.. ولكن في جنة عريضة.. هناك حيث لا فراق.. نعم لن يفهمك الكثير.. ليس لأن بك خللاً.. ولكن لأنهم لم يعرفوا هذا الصفاء أبداً.. ولم يدركوا تعلق الأرواح بالأرواح.. المادة الآن تسير حياتهم فأنى لهم أن يرتقوا إلى روحانيتك.

الآن فقط علمت سر النظرة الساهمة.. وسر البسمة الغامضة.. كانت الذكريات.. ما أقسى ما نحمله في صدورنا ولا نبوح به.. وما عسانا نقول إذا تكلمنا؟.. وهل سيفهمنا أحد فنبوح له.. أم أننا نحيا في عالمنا فقط.. هذه يا سعد ليست سوى رؤى.. وأنت اخترت لنفسك الطريق ورضيت به.. حملت ألمك في صمت ورحلت.. ولم يطل بك المشوار.. ها قد رحلت الآن وكل الذي تنتظره أن يلحق بك من أحببت.

لقد انتهيت من إتلاف أوراقك.. ولكن بقي كل حرف سطرته في ذاكرتي.. وبقيت كلمة حوت كل ما كتبت.. أن قلباً أحب في صدق.. وصمت في عفة.. وطلب موعداً باللقاء في الجنة.. ورحل في صمت.. ولم تبق منه حتى الذكريات.. وأن نفساً طاهرة فاضت في سكون.. ورضيت من عالمها بفكرة.. وطلبت من الله أنساً ورفقة.

هذه أيامنا تطوى.. ولكن لن يكون لنا منها حباً كحبك.. ولا قلباً كقلبك.. ونظل نرجوا ما كنت ترجو.. قلباً صادقاً يهبنا الحب والحياة.. رحلت يا رفيق دربي.. وربما رحل معك من تحب.. وسأبقى دائماً أتذكر الموعد هناك بإذن الله.

 

(تصميم الصورة: هنادي الصفيان)

 

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..