التصنيفات
رؤى

الأسهم والخطوط

لم أحب من الجغرافيا إلا الخرائط.. وحين درست التأريخ تابعت أسهم الفتوح.. كنت أحب ألوان الخريطة.. أحب رسم الأسهم والخطوط.. حين كبرت عرفت الفرق بين أسهم الخريطة القديمة وخطوط الخريطة الحديثة.. كانت الأسهم ترمز للفتوح.. بينما ترمز الخطوط للاستعمار.. حتى في الخريطة انكسر رأس السهم وأصبحنا بدون سلاح.

تأخذ الأسهم مدى أوسع في حركتها، وكذلك الفتح يتحرك في حرية ليضم مساحات تحقق الانتشار، بينما تنكسر الخطوط في عنف مجبرة على التراجع أمام يد مستعمر يقسم قطعة من هنا وأخرى من هناك.. كل زوايا الإنكسار حادة، خاضعة، راكعة متعبة..

تشكل الأسهم لوحة من الاتساع تنطلق من نقطة واحدة.. تعطي دلالة على الوحدة.. والاشارة للأمة الواحدة والانتماء للمكان الواحد، للمصير الواحد، للدين، للغة، بينما تستقل الخطوط لتعطي مزيداً من التفكك في العلاقات.. وغياب كامل للانتماء.. فلا وحدة دين، ولا لغةً واحدة، ولامصيراً مشتركاً بين الأجزاء المحاطة بالخطوط..

كان السهم يمتد في خط واحد ثابت في مساره، عزيزاً قوياً.. كأنه يحفر الرمل ويشق الجبال، إذا أمسكت بطرفه وصلت نهايته، بينما يرسم الخط متكسراً متقطعاً ذليلاً لايرتبط بنفسه فضلاً أن يكون مؤدياً لمكان واحد.. قطع متتالية يمكن عزلها عن بعضها دون أن تشعر القطعة بالأخرى، تشعر حين ترى الصورة أنك أمام جسم مرقع، وليس وشياً مطرزاً.

وتعطي الأسهم انطباعاً بالحرية، وشعوراً بالراحة، وتحيط الخطوط بالأرض فتخنقها.. وخريطة الأسهم ذات لون واحد.. لايتغير إلا بتغير طبيعة الأرض الجغرفية، بينما تتلون خريطة الخطوط لألف لون، كل لون منها يكون أمة منفصلة عن الأخرى، ترفض الاندماج مع بقية الألوان، وتنبذها الألوان من حولها.

ارتبطت الأسهم بالفتح، بالخلافة، بالرسل، وانصهرت الخطوط في الحدود، والأرض، والمصالح.. انطلق الناس بامتداد الأسهم باسم واحد، وجواز سفر موحد، وقسمت الخطوط الخريطة إلى دول وجوازات، وأسماء وجنسيات، ووقفنا على الخطوط المتقطعة نعجز عن العبور من خلالها، بينما كانت الأسهم تشق الأرض أماكنا لتنقلنا لأي بقعة وصلت إليها.

وجهّ الأسهم قانون واحد، مركزه العاصمة، ويحكم به القضاة في كل مكان، وتعددت مصادر التوجيه للخطوط، كل بقعة مستقلة، وتحكم بقانون دخيل عليها، وضعه لها من رسم الخط لحدودها.. من رسم الخطوط وضع قوانين تضمن له مايريد، ومن أرسل الأسهم كان موجهاً منذ البداية بالوحي، يأمره بالفتح ونشر الإسلام.

تقدم الأسهم يعطي شعوراً بالجماعية لايقل في روعته عن تراجعها.. كتلة واحدة تتحرك معاً، يحمل همها رأس واحد، يقودها ليخرج بها سالمة قدر المستطاع من العقبات التي تواجهها.. بينما تشتت الخطوط بلا قائد في المساحات الصفراء الكبيرة، هذه الصحراء قاتلة في الطبيعة أو في الخارطة.. هنا التيه قاتل لمن لاقائد له.

 

(الصورة بعدسة: ريان المنصور)

بواسطة عبدالله السعد

بين يوم ولادتي وحياتي الحالية أحداث كثيرة..

ماسأدونه هنا بإذن الله يمثل قطعاً من البزل..

ومجموع القطع يصور سيرتي الذاتية..

تعليقين على “الأسهم والخطوط”

لم ترق لي مادة الإجتماعيات يوما
لا تاريخ ولا جغرافيا ولا التربية الوطنية أحد فروعها
لكني الآن أنظر إليها برؤية مختلفة تمتعني خطوط الخريطة
وتأخذني حيث عالم مختلف وخيالي بعيد عن الواقع المؤلم الذي نعيشه
آمل أن يتعدل عالمنا لكي لا نبقى نحلم ونحلم
الواقع الجميل نعمة من الله وهبة لا يستشعرها إلا من فقدها
والتريخ يرسم خطوط الجغرافيا هما واحد لا إثنين
سلمت أخ عبدالله

مثل غدير .. لم ترق لى .. ربما لانى رأيتها لــعالما بعيدا وكأنها عوالم أخرى وليست لأرض نعيش عليها فما نراه مختلفا حكم القوى سطوة المال فى السلطة والتقسيم وتشجيع القبليات والعصبية
حروب غير منظمة للبعض بشكل لا يصدق ان هؤلاء يحكمهم عقل رشيد
وحروب منظمة بشكل لا يستوعبه عقل انها ببداية او نهاية محددة
وسكون مطلق كأن الارض خلت ممن عليها من عقول او رغبات اللهم الا رغبات الجسد للبقاء

:::
غريبة هى رؤيتنا لنظرتك لها كأنها النظرة الاولى لشىء عهدناه ولم نر به اى شىء
كأنه سبق لك ولنا من بعدك أن نراه فى هذه الخريطة التى تتغير يوما بعد يوم فى سباق من البشر والطبيعة لتغيير محتواها
لا اشك أن قارىء كلماتك سيثيره الفضول للبحث عن خريطة والنظر اليها .. أو حتى تأملها ان مرت عليه

::
تقديرى ،،،

اترك تعليقاً

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.