التصنيفات
رؤى

الطبيعة القاتلة

6357313887_657e962190_o

أعشق الريف، لا أميل للمدن، وحتى في حبي للمدينة أحب مستوى معينٍ من الرفاهية والخدمات، لأن رحلتي عكسية، الأصل عندي هو الريف، الهدوء والطبيعة، كل التضاريس تأسرني، مهما بلغت قسوتها أو سمّيتها، يتساوى عندي البركان بغازاته، والبحر بأمواجه، والصحراء برمالها، والجبال بصخورها ووديانها. المرأة عندي عالم من الطبيعة، تحتوي كل التضاريس، وتمتد على طول الزمان والمكان في حياتي، مراحل عمري منذ الولادة وحتى لحظتي الحالية، وجغرافيتي المعيشية والدراسية والمهنية والسياحية.

الغابة الاستوائية غنية بالأشجار والمخلوقات، تعدد الألوان والأصوات والروائح سيربطني بتنوع المرأة في الكرة الزرقاء، ويوحي لي كذلك بتعدد طباعها وأساليب تعاملها، التنوع في الكم والكيف تاركاً لك الخيارات الغنية والقاتلة، الرائحة الطيبة والغاز الذي يمزق جيوبك الأنفية وصدرك ويتركك مختنقاً جاحظة عينك من الرعب والألم، المرأة في جمال ألوانها وسميتها الخادعة. في عطائها الامتناهي وفي شراكها الخادعة. تغريك الغابة بألوانها، تتابع الحيوانات في غفلة عن قسوتها، تتأمل جيوش الطبيعة غافلاً عن خطرها، تعانق الأشجار وغصونها والأرض تحتك أوتاد حادة تمزق قدميك، برغم جمال الغابات إلا أنها تحيط بك فتفقد الطريق تائهاً في تفاصيلها. برغم خارطة الألوان من حولك إلا أن الرطوبة تلتصق بك، تحاول خلع ثوبها فلا تقدر، تفقد احساسك بالجمال حين تشعر بالخطر، ومع المرأة يأتي الشعور بالخطر متأخراً، يأتي وقد قررت الانتحار بين يديها وفي محيطها.

اللون الأزرق الهادئ يفاجئك بارتفاع ليغرقك، هكذا هي المرأة في تقلباتها ومشاعرها المفاجئة، باردة متماسكة لآخر لحظة، ثائرة متحفزة لأقصى درجة، من الذي سيتعلم السباحة والإبحار؟! كلما أعطيتها أكثر رحلت معها أكثر، من لايعرف السباحة سيقف على الشاطئ يراقبها دون أن يفهم مابها، من يغامر سيتعلم أن يخوض في تفاصيلها ولكن سيبتلع الكثير من الماء قبل أن يتمكن من العوم، وكلما تمرس أكثر أصبح أكثر مهارة في السباحة والتعرف على التفاصيل، والبعض بحار وقبطان، يدير الوسائل من حوله ليرحل في محيطاتها بعيداً عن ضوضاء الجالسين على الرصيف أو المتمددين على الشاطئ. وبرغم القدرة على الإبحار تفاجئهم الأمواج في لحظة، أو تبتلعهم دوامة، أو يتوهون لتحرقهم الشمس والملوحة.

الرمال الذهبية الحارقة تكون موئلاً للناس في فترات الربيع، تشق جدب أرضها بزور حملتها الطيور والدواب، أو نواة تمر ألقاها عابر سبيل ذات يوم، الأرض المتناقضة بين القسوة والجمال، والماء المتحرك تحت أمواج الرمال، وفسائل النخل المتناثرة تدل على الحياة والخصب بصورة من صورها، تفاجئنا الصحراء باحتوائها لحيوات متعددة كما تفاجئنا المرأة الجافة التي لانتوقع أن لها قلباً ينبض في صدرها، أو نشعر بسريان الماء في عروقها كالماء في باطن الصحراء.

المراعي الخضراء الممتدة على طول شريط الأفق تشعرك بالسعادة، دلالات الخصب والتنوع كثيرة، الأرض تنتج، والبطن تنتج، نتاج الخير في المحاصيل وفي الدواب كثير بحمد الله، هذه الأرض كالمرأة التي تعطيك الذرية الطيبة المباركة، وتعطيك الحب والحنان والثبات في المواقف، سهلة كسهولة المرعى، خصبة كالأرض، طيبة كمحاصيلها، يمكنك أن تأوي إليها مكتفياً بحدودها، لكن روح المغامرة لدى الرجل تقوده أحياناً خارج حدودها، فيحرم من ثمارها، ويعود إليها وقد مزقته الأيام.

يظهر للمتأمل أن السهوب الخضراء كافية للمعيشة، وهي كذلك بالفعل لمن فقد روح المغامرة وحب الاستكشاف، وبينما يرى البعض البحر قاتلاً مرعباً يرى آخرين اللؤلؤ في أصدافه، والصحراء القاتلة الحارقة تمثل الخيار الأفضل للباحثين عن الصمت والهدوء، بين التفاصيل تنتقل، في عالم أقل مانصفه به “الاتساع”، عالم لانمثل فيه إلا القليل، نرتبط به ونعشق تفاصيل التفاصيل، نسعى لاكتساب المزيد من النقاط فيه، ونقف في لحظة لنجد أنفسنا وقد حققنا مانريد، وفقدنا شيئاً من ذواتنا.

المرأة متنوعة كالطبيعة، غنية كمعادنها، قاتلة كوحوشها، قاسية كتضاريسها، كريمة كبحرها، غامضة كالأعماق، محلقة كالسحابة، ساذجة كطفل، ماكرة كساحرة، تحب الخضوع، لكنها لاتحب الاحتقار والاهانة، المرأة تحتاج رجلاً يحميها، لكنها قادرة على مواجهة أقسى الرجال، المرأة ضعيفة، لكنها قوية يعتمد عليها، لذلك لا أتحدى المرأة أبداً، هذه الإنسانة المتناقضة مليئة بالرقة والقسوة، يمكن أن تكون كل شيء، الرحمة والعذاب.

 

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

التصنيفات
رسائل إلى نفسي

الإمامة

6230181268_4384907998_o

1/7/2011م

المنزل (غرفة النوم).. الساعة 6:55 مساءاً

لو فهمنا أبعاد “إنما وضع الإمام ليؤتم به” لتعلمنا الكثير من سلوكيات القائد والأتباع.. يختار الإمام ابتداءً وفق معايير واضحة، ويندر أن توكل الأمور في الإدارة بهذه الدقة والوضوح إلا في المنشآت الكبيرة ذات السياسات واللوائح المتقدمة.

والإمام مرجع لجماعته، فهو خطيبهم، وناصحهم، وحلال مشاكلهم الأسرية والتربوية، يجمع كلمتهم ويتقدمهم في الصلاة، بالرغم من ذلك كله فهو بشر يخطئ ويصيب، ولا يعني تقدمه على الناس أنه أفضل منهم في كل شي، فأنا لا اعرف اسم إمام الجامع الذي كان الإمام أحمد أو غيره من الإئمة يصلون فيه، ومن هم أئمة الحرم والجوامع الكبيرة في الأجيال الخمسة الأولى مثلاً بالرغم من قربها من الصحابة والتابعين وتابعيهم، ولكنه يقود الجماعة ويتعامل مع قضاياهم اليومية.

خلف الإمام أصحاب العقول كما أرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأننا نتعلم ألا يمشي ولا يقف خلف الإمام إلا رجال تتوفر فيهم معايرهم الخاصة بهم كذلك، ولو حاولنا لاستنباط لقلنا:

1. علم صحيح واسع يعتمد عليه.

2. عقل فاهم واعي مدرك يسترشد به.

3. اسلوب ملائم في الحوار والنصح وايصال التوجيه إلى المقابل.

وهم مع كل هذه المميزات ليسوا الإمام، ولا يملكون في حال أخطأ الإمام في الصلاة وسهى إلا أن ينبهوا، والتنبيه ليس سوى تسبيح يتلائم مع العبادة التي هم فيها، فإن انتبه الإمام وصحح خطئه كان بها، وإلا يتابعوه في الخطأ ويعالج الخطأ في وقته الملائم من خلال سجود السهو. وبعد السجود وتصحيح الخطأ لايبقى من رواسب الموضوع شي، فمبجرد السلام ينتهي الموقف، ويأتي الإمام في الفرض التالي ليؤم المصلين دون أن يقال هذا هو الساهي، كيف يعود؟ وغير ذلك مما يعاب به الإمام وينتقد به.

وقطع صلاة المأموم والمشي بين يديه لايضر، لأنه متابع للإمام، بينما لو مر بين يدي الإمام فسيؤذي الجميع، فالضرر على الإمام يصيب المأمومين، وكأننا نتعلم هنا أن حماية الصف من خلال الإمام أعظم من حمايته من خلال الاهتمام بأنفسنا ورعايتها.

(الصورة بعدسة: عبدالله الشثري)

التصنيفات
بين الإنسانية والمهنية

كتابة مدونة لعملك

نطرح في المدونة مانريد أن يراه العميل، ومن هنا تأتي أهيتها، نبث أفكارنا التسويقية على شكل مقال أو إجراءات، فنوجه العميل دون أن نلزمه بالسير وفق منهجية أو آلية معينة.

في الحقيقة نحن نعمل الكثير دون أن نقول ماذا نريد، فنتركه يعتقد أنه يختار مانريد دون أن نؤثر عليه، بينما نقوده لتبني منتج، أو نرى انطباعه بغية التحسين المستمر.

اخترنا هذه المرة (21 نصيحة سريعة عن كيفية كتابة مدونة لعملك)، كتبها لنا الأستاذ (Mr. Gary Fox)، وترجمها د. هشام عبدالقادر بعناية، ومن ثم راجعت الترجمة الدكتورة بثينة القرعاوي، وراجعتها لغوياً في صيغتها العربية الأستاذة مها البدر، وصممتها الأستاذة هنادي الصفيان، وأخيراً دققها الأستاذ عبدالله السعد ليضبط مصطلحاتها الإدارية، راجين من الله أن تكون إضافة مميزة في عالم الأعمال..

 

ومعاً.. نحو الصدارة

لتحميل الموضوع كاملاً من هنا:

Sadarah or-004.. كتابة مدونة لعملك from Sadarah

لقراءة الموضوع هنا: http://www.sadarah.com.sa/index.php?page=view_version&id=45

التصنيفات
أكواخ الظلام

أكواخ الظلام

اكواخ الظلام copy

كانت حجرة علوية باردة.. يضيء ظلامها نور القمر إذا أكتمل.. وشمعة تشتعل في خجل فيتوارى ضوئها على بقايا الأشياء التي لا تأخذ من الحقائق إلا اسمها.. سرير هو في الحقيقة قطعة خشب صلبة يتعب الرجل القوي من الاستلقاء عليها.. غطيت ببعض المتاع مما يسمى ملاءة وما شابه ذلك.. ووسادة خشنة غير متساوية.. وصندوق وضع بجانب السرير ليكون خزانة صغيرة للطوارئ.. وصندوق أكبر قليل رصت فيه أسمال فتاة في التاسعة من العمر.. ثوبان باليان يطل منه جسد الصغيرة من أكثر من موضع.. ومنضدة أقل اهتراءً وكرسي أكثر صلابة من السرير.

التصنيفات
رؤى

الاختبارات

962106_10151604137013921_1507915049_n

أنا لا أحب الاختبارات، لم أحبها حتى وأنا طالب في الكلية، زوجتي أكثر من عانى من ذلك، كنت أتعب كثيراً في فترة الامتحانات، مع أنني تخرجت بامتياز بحمد الله، البعض يقول هذا هو السر، والبعض يرى أنها فوبيا تستلزم العلاج، لم اهتم وقتها بكل هذه الآراء، ولازلت لا اهتم في الحقيقة، ولكنني أعرف أنني لا أحب أن يضعني أحد ليقيمني وهو قد يمتلك معايير وأدوات تؤهله لذلك وقد لايمتلك، وقد يراعي ظروفاً أمر بها وقد لايهتم، لا علينا فالمهم في هذه اللحظة تجربة مراقبة الاختبارات، فبدل أن كنت أجلس على كرسي الطالب أصبحت أقابل الطالب، ولم تتغير نظرتي للاختبارات ولكنني رأيت الزاوية الأخرى هذه المرة.

هذه المرة رأيت الإجابة النموذجية، وتعلمت منها أن الحياة لاتختلف كثيراً عنها، فعلى صعيد الفرد كلما تطابقت اجابتنا مع النموذج حصلنا على درجة أعلى، وعلى صعيد المجتمع تتساوى نتائج أعمالنا ويزيد التوافق بقدر ماتتطابق اختياراتنا.

في النماذج المتعددة للأسئلة يمكن أن نرى صورة التعددية في المجتمعات، تعددية دينية وفكرية وذوقيات واختيارات وأنماطاً من الشخصيات والسلوك، ولكننا في النهاية ندور في محيط محدد من الاختيارات، طرفين ومابينهما من مدى الاختيارات الواسع، ويحكم خياراتنا الواقع والفرص المتاحة، يحكمنا مؤهلاتنا ومجموعة مؤثرات من حولنا، ونختار مانريد، أو مانقدر على الوصول له.

وفي مسيرة حياتنا نتفاوت في ثقتنا بما في أيدينا، في إيماننا بما نفعل، وسيكون الحال مشابهاً لورقة تعرضت لمسح وتعديل ومراجعة تلو مراجعة، يمكن التعرف على الإجابة ورصد النتيجة في الورقة الواثقة بشكل أسرع، كما هو الحال في التعامل مع رجل يحمل مبدئاً ويدافع عنه ويقف في وجه الجميع ليعلن اختياره.

هذه الثقة لاتعني بالضرورة صحة الاجابة، والعاقل في الحياة من يدرس الفكرة جيداً ثم يؤمن بها وتضبط بالتالي خيارته وفق التصورات والأوامر التي تسنها، ويضع في عقله مساحة للمراجعة والتراجع، للتصحيح والاستفادة من الخبرات الأخرى.

في الحياة سنختار وستفرض علينا اختيارات، ولكن في كل الأحوال لابد وأن نلعب ضمن حدود القوانين التي تضعها الجهة الرقابية، أن نلتزم بالأنظمة بغض النظر عن مدى ايمانننا بها أو مخالفتنا لها، لايهم رأينا تجاهها ولكن المؤكد أننا سنعاقب بقدر تجاوزاتنا مالم يشملنا العفو.

المراقبة من الخلف تعطي رؤية وهمية في كثير من الحالات، فأنت لاترى العيون ودلالاتها، وكذلك العمل خلف الناس يخدع صاحبه ابتداءً، فمقابلة الجمهور ستعلمك الكثير، سترى في العيون لغة تفضح أصحابها، وترى في حركات الجسد وتعابير الوجه الكثير. لن تستطيع أن تعرف من ظهر الإنسان مدى حزنه إلا من خلال سقوط أكتافه واحدوداب ظهره، ولكنك سترى الكثير في وجهه، في ابتسامته ودمعته، وفي شروده وغيابه عن واقعه.

من يقف لايخطئ، وقد يخدع بهذا أيضاً، فمن يتحرك قد يخطئ وتفوته بعض الأمور، ولكن في حركته سيرى الكثير مما فات الواقف، سيرى توتر طالب تهتز قدميه في عصبية، وسيقرأ من خلالها مدة قلقه على غياب المعلومة في وقت الأزمة، ومحاولات استراجاعها، وسيرى طالب يحاول ستر بعض الأسئلة بيده فيعلم تردده وعدم استعداده للامتحان، وسيرى طالب  يرفع عينه بعد كل فقرة لتقابل عين المراقب ويبتسم، إنه يقول ها أنذا مستعد، أو على الأقل راضٍ بالدرجة التي سأحصل عليها.

الوقوف في الظل ومراقبة الواقع لاتعني الربح دائماً، التفاعل مع قوانين الحياة ومواقفها هو الإثراء الحقيقي، ومايفوت الواقف بحق هو المقارنة بين أخطاء الحركة مقابل فوائدها، وبين أرباح الوقوف مقارنة بخسارة التجربة.

في الاختبار هناك قوانين تضبط العملية، ومنها عدم تبادل الأدوات، ليحضر الطالب أدواته التي يعمل بها، ويتعلم الإنسان منها أن يكون مهيأ بما يملك، يدرس واقعه ويحضر مايساعده على التعامل معه والاستفادة من معطياته والعمل على تنفيذ واجباته.

هذا لايمنع وجود نقص في بعض الموارد، ولكن في حالة النقص سيكتشف الإنسان أنماطاً كثيرة تعيش حوله، بين من يبخل بالمساعدة مع تممكنه، ومن لايحب أن يفسد خطة وضعها فيترج من المساعدة خوف التأخر عن موعد الخروج، وسيرى كريماً يعطيه الآلة ويخرج دون أن ينتظر منه كلمة شكر أو حتى يسترجع الأداة التي منحها إياه.

اليد العليا هي الأفضل، وستشعر بالسعادة وأنت تعطي وستكون كلمة الشكر الأكبر في حقك ذلك الشعور الذي يملأ نفسك حين تقدم جزءاً منك للآخرين.

 

(الصورة بعدسة: عبدالله السعد)